التاريخ: حزيران ٧, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
يعالون يرى أن الأسد انتهى ونائبه يعتبر الوضع الناشئ مثالياً
القدس المحتلة - امال شحادة 
على عكس التقديرات الإسرائيلية منذ مطلع السنة، حول الأوضاع في سورية والخطر المتصاعد تجاه إسرائيل في ظل المواجهات المحتدمة بين جيش النظام السوري والفصائل المعارضة، خرجت القيادة الإسرائيلية بتقارير خفضت من حدة الخطر على إسرائيل من الطرف السوري للحدود، بل تحدثت عن «جبهة هادئة». وأظهر أحد التقارير أن «إسرائيل تتنفس الصعداء» باعتبار أن المعارك بين الفرقاء تتصاعد وقسوتها تزداد وحتى مع الرهانات على هزيمة نظام الأسد وفقدانه السيطرة على معظم المناطق، فإن تل أبيب مقتنعة بأن الحرب ستستمر طويلاً والفرقاء المعادين لإسرائيل منهكون ولن يتفرغوا لمحاربتها قبل سنوات طويلة.

وأثارت مواقف أمنيين وخبراء حول مستقبل سورية وأمن الحدود نقاشاً حول مدى تدخل إسرائيل في الشأن السوري، وأعلن وزير الدفاع، موشيه يعالون، أن إسرائيل تتدخل بما يجري في الحرب الأهلية في سورية، وأضاف: «نفعل ذلك عندما يتم تجاوز الخطوط الحمر». ولحسم هذا النقاش الإسرائيلي أعلن يعالون خلال مقابلة في صحيفة «واشنطن بوست» أن سياسة حكومته هي عدم التدخل، ولكن في الوقت نفسه الحفاظ على مصالحها».

والحفاظ على مصالحها بالنسبة ليعالون هو تعبير يحوي في طياته الكثير. فهو يتحدث عن الخطوط الحمر التي حددتها إسرائيل: «منع نقل الأسلحة المتطورة ومنع نقل مواد كيماوية أو أسلحة كيماوية للتنظيمات، ومنع تجاوز سيادة إسرائيل، خصوصاً في هضبة الجولان». تصريحات يعالون هذه تأتي أيضاً في ظل تقارير أجهزة الأمن التي تتحدث عن ضعف نظام الأسد وتراجعه وخسائره الكبيرة، والتي جاءت متناسقة مع تصريحات يعالون التي أضاف فيها: «الأسد يفقد السيطرة، ويمسك أو يسيطر فقط على 25 في المئة من مساحة الدولة. ولو كنت أريد تقديم نصيحة للرئيس الأميركي، لكنت طلبت منه عدم السماح للجهاديين بالسيطرة على سورية، ولكن من ناحية أخلاقية، فإن الزعيم الذي يستعمل السلاح الكيماوي ضد مواطنيه لا يستطيع أن يبقى في منصبه».

وعلى رغم ما يدعيه يعالون من ضعف للأسد إلا أنه لم يخفِ قلق بلاده من القدرات العسكرية هناك، والتي تعتبرها إسرائيل مخططاً إيرانياً في المنطقة، فقال: «الأسد يصدر أوامر إلى قواته العسكرية، لكنه لا يصدر أوامر إلى حزب الله الذي يحارب إلى جانبه، أو لقائد الميليشيات الشيعية الموجودة في سورية لإنقاذه، فالجنرال الإيراني، قاسم سليماني، هو من يصدر هذه الأوامر. وإيران تدعم بشار الأسد في سورية، وتدعم حزب الله في لبنان». حديث يعالون هذا يأتي مناقضاً للتقديرات الأولية لإسرائيل التي عبر عنها نائب رئيس أركان الجيش، يائير غولاني عندما قال أن سورية باتت اليوم أقل خطراً ووضع إسرائيل أفضل من أي فترة سابقة. وأن الجيش السوري كف عملياً عن الوجود، مضيفاً: «بسبب ضعف الأسد وتركيز حزب الله على الحرب في سورية فإن وضع إسرائيل، من ناحية استراتيجية، ربما هو الأفضل من أي وقت مضى على الحدود الشمالية».

وأردف غولاني: «كان يمكن هذا الوضع أن يكون لطيفاً لو كان مستقراً، لكنه ليس كذلك». وادعى بأن «حزب الله» راكم قدرات عسكرية لم يتمتع بها أي تنظيم في السابق، وأن حقيقة عدم محاربة التنظيمات السنّية ضد إسرائيل حالياً، يمكنها أن تتغير في المستقبل. حالياً يمكننا السماح لأنفسنا بالتكهن بعدم التدخل بما يحدث في سورية، لكن توجد هنا محفزات مثيرة للقلق. وتابع غولاني أنه من ناحية إسرائيل، تحول لبنان وسورية إلى ساحة واحدة، لأن حزب الله يعمل في هضبة الجولان وعلى الحدود اللبنانية».

التقديرات الإسرائيلية بالنسبة لسورية ومدى قوة نظام الأسد على الصمود تصدرت الأجندة والنقاشات الإسرائيلية وكانت الانطلاقة فيها تقرير لجهاز الأمن الإسرائيلي الذي أُعلن أنه صعد من تعقب المعلومات الاستخبارية حول ما يحدث في الحرب الأهلية السورية. ووفق أجهزة الأمن، فإن هذه التقديرات تأتي على خلفية تعمق التكهنات بأن نظام الأسد يستصعب مواجهة هجمات المتمردين ويفقد بتسارع سيطرتَه على جزء من المناطق المتبقية تحت سيطرته. وفسر التقرير تراجع قوة الأسد وعدم سيطرته قائلاً: «سقطت هذا الأسبوع، في أيدي المتمردين، مدينة أخرى ذات أهمية تكتيكية في شمال سورية، هي مدينة أريحا، الواقعة في محافظة إدلب، في المنطقة التي تهدد في شكل غير مباشر سكان الجيب العلوي على شاطئ البحر». كما تعتمد أجهزة الأمن في تقريرها على الخطابات التي ألقاها الأمين العام لـ «حزب الله»، السيد حسن نصرالله فجاء في التقرير: «تلاحظ إسرائيل أن الضغط يتزايد داخل حزب الله، في ضوء فشل جيش الأسد في معارك عدة خلال الأشهر الأخيرة. ولا ينعكس هذا الضغط في سلسلة الخطابات التي ألقاها نصرالله، فقط – ثلاثة خلال أسبوع واحد – إنما، أيضاً، في الجهود الكبيرة التي يبذلها التنظيم لتجنيد محاربين آخرين للمشاركة في المعارك.

ويقدر الجهاز الأمني الإسرائيلي بأن «حزب الله» فقد على الأقل 80 مقاتلاً في الشهر الأخير، خلال المعارك الجارية في إقليم القلمون، على جانبي الحدود اللبنانية – السورية. وأرفقت نشر هذا التقرير في إسرائيل تصريحات من مصدر أمني قال فيه: «الأوضاع ليست جيدة حالياً لحزب الله ولا للأسد ولا لإيران ولا لسورية». ووفق رأيه، فإن «حزب الله» ونظام الأسد يواجهان مأزقاً في مسألة ما إذا كان عليهما أن يركزا خلال الفترة القريبة على حماية المنطقة العلوية ومدينتي اللاذقية وطرطوس وزج قوات كبيرة في هذه المنطقة، أو مواصلة الحرب بالقوة ذاتها في القلمون.

وادعى المصدر الأمني الإسرائيلي أنه يُجرى تقويم معلومات تشير إلى مقتل حوالى ألف مقاتل من «حزب الله» على الأراضي السورية حتى اليوم. ووفق المصدر ذاته، فإن «حزب الله» يستخدم وسائل حربية عدة في المعارك ضد المتمردين، بينها طائرات من دون طيار محملة بالمتفجرات. وبعد سقوط مدينة أريحا في محافظة إدلب، بدأ المتمردون يطلقون النار على أطراف اللاذقية في الجيب العلوي. واستولى المتمردون على غنائم كبيرة بعد سيطرتهم على موقع الجيش السوري في المنطقة. ويستخدمون حالياً الصواريخ المضادة للطائرات التي حصلوا عليها في أعقاب المعارك. ويحاول معسكر الأسد، بمساعدة «حزب الله»، وفق المصدر الأمني الإسرائيلي، تعزيز خط الجبهة بهدف صد تقدم المتمردين باتجاه المدن العلوية.

«داعش» أكبر تهديد جدي

لم يمر يوم، منذ مطلع الأسبوع، إلا وتناولت القنوات التلفزيونية الإسرائيلية ووسائل الإعلام المختلفة الوضع السوري، وفي حين تحدثت تقارير عن قلق من تعاظم القدرات العسكرية لـ «حزب الله» ومضاعفة عدد مقاتليه في سورية والدعم الإيراني في الداخل السوري، إلا أن كثراً اعتبروا الأسد والجيش السوري يقتربان من نهاية الطريق.

وروج الإسرائيليون لما نشرته السفارة الأميركية في دمشق على حسابها في «تويتر» أن الاسد يعمق تعاونه مع «داعش» بهدف إنقاد سلطته. وقال الخبير بالشرق الأوسط، تسفي برئيل: «الحكومة السورية تشتري النفط من داعش بسعر منخفض وتبيعه للمدنيين. والغريب أنه يتم ضخ هذا النفط من حقول النفط التي استولت عليها المنظمة في سورية. لكن الجزء الأهم في التعاون يكمن الآن في المجال العسكري، والقتال ضد الميليشيات المتمردة الأخرى، بخاصة ضد جيش «الفتح» الذي يوحد مجموعة كبيرة من الميليشيات، بما في ذلك «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة». والمثال على ذلك ما يُجرى حالياً من تحركات عسكرية في محافظة حلب. الهدف الاستراتيجي لـ «داعش» في المنطقة هو السيطرة على شرايين المواصلات التي تربط بين قوات الميليشيا والمتمردين في شمال الدولة وبين تركيا، والذي يعتبر أهم اتصال لوجيستي بالنسبة للمتمردين. ويتم تنسيق هذه الاستراتيجية مع جيش الأسد، الذي يواصل مهاجمة مدينة حلب من الجو مخلفاً عشرات القتلى».

ولا يتوقف التعاون بين جيش النظام و «داعش» على حلب وفق برئيل، إذ قال: «على سبيل المثال، تخلت القوات الحكومية عن مدينة تدمر وسمحت للمنظمة باحتلالها من دون مقاومة، ويبدو أن النظام على استعداد للسماح لداعش بخوض المعارك باسمه في محافظة درعا الجنوبية». ومن جهة إيران، يضيف برئيل قائلاً: «علنيا، لم تغير إيران سياستها وهي ستواصل منح النظام السوري المزيد من الخطوط التي تبقيه فوق سطح الماء.

لكن الاتفاق النووي مع إيران قد يحدث تغييراً في هذه السياسة. ويمكن إيران أن تتخلى عن الأسد كي تضمن ألا يتنكر لها كل نظام يقوم في سورية وألا يقطعها عن سورية ولبنان. كما أن إيران تفحص بتخوف الحلف الجديد بين السعودية وتركيا، والذي يستهدف إسقاط الأسد إلى جانب الصراع ضد «داعش». فهذا الحلف يبث منذ الآن دعماً قوياً للمتمردين الذين أظهروا في الأيام الأخيرة قدرة عسكرية مثيرة على جبهات عدة.

ورأى رئيس «موساد» السابق، إفرايم هليفي، في خطاب ألقاه في المؤتمر السنوي لمعهد «فيشر»، أن إسرائيل لن تفاجأ إذا انهار نظام الأسد مرة واحدة. وقال: «من المتوقع قيام الجيش السوري وحزب الله بشن هجوم مضاد قريباً، يعيد لهما السيطرة على المناطق المحتلة، لكن من المشكوك فيه أن هذا سيغير التوجه.