التاريخ: حزيران ١, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
جرافات الجيش تهدم مقر حزب مبارك... وأفكاره «باقية»
القاهرة - أحمد رحيم  
كانت ألسنة اللهب المتصاعدة من مقر الحزب الوطني الديموقراطي المُطل على ميدان التحرير، مهد الثورة المصرية، في يوم 29 كانون الثاني (يناير) 2011، بعدما أتت النيران على كل محتوياته نتيجة حرقه في «جمعة الغضب» في الليلة السابقة، إيذاناً بفقدان حكم الرئيس السابق حسني مبارك مشروعية «القبول الشعبي».

وظل المبنى الضخم المحترق قابعاً بين متحف تروي جنباته قصة حضارة ولت، ونيل عكرت فوضى عقود مياهه وشوهت ضفافه، بانتظار قرار التصرف في حطام «حزب الرئيس»، وريث «الاتحاد الاشتراكي»، الذي شغل الموقع نفسه في حقبة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

وبدأت أمس جرافات وحفارات الجيش في هدم المقر الذي تزيد مساحته على 10 آلاف متر، وكان يضم إلى جانب الحزب الوطني «أدوات تجميل» للنظام من مجالس قومية كشفت الثورة زيف تقاريرها التي طالما تغنت بالتقدم والازدهار.

مشهد الجرافات تدك حجارة المبنى يُنذر بحقبة جديدة في مصر عاد فيها الجيش إلى الصدارة بعدما توارت المؤسسة الأقوى خلف طموح «لجنة السياسات» التي ترأسها نجل الرئيس السابق جمال مبارك، وهو الذي نُظر إليه لسنوات على أنه وريث حُكم أبيه، خصوصاً بعد تعديلات دستورية أُقرت في عهد مبارك منعت العسكريين من الترشح للرئاسة.

لجنة سياسات الحزب التي استمد أعضاؤها من كبار رجال المال والسياسة، حظوة لقربهم من «نجل الرئيس»، نالت نفوذاً واسعاً في منظومة حكم مبارك. وكانت غالبية الوزراء وكبار المسؤولين، خصوصاً الاقتصاديين، من أعضائها. وتوسعت في تبني سياسات نيوليبرالية راكمت ثروة أقلية فثارت الغالبية.

لكن رغم هدم حجارة الحزب الوطني المنحل بأمر القضاء، يرى خبراء أن «هدم أفكاره» سيتطلب مجهوداً أعظم. وكتب المهندس يحيى حسين عبدالهادي الذي خاض معركة قضائية ضد بيع نظام مبارك المصانع والشركات المملوكة للدولة، مقالاً في جريدة «الأهرام» الحكومية قبل يومين، بعنوان: «أما آن لأمانة السياسات أن ترحل؟».

وكتب عبدالهادي إن «أمانة سياسات الحزب الوطني المنحل والمشايعين لها ما زالت تسيطر على مراكز اتخاذ القرار الاقتصادي في مصر سيطرة تامة، ليس بالانحيازات فقط وإنما بالشخوص في أحيان أخرى». وأضاف: «لم تكن أمانة السياسات مجرد شكل تنظيمي في حزب السلطة يسقط بسقوطها، وإنما كانت تجسيداً وتعبيراً حقيقياً عن فكر الرأسمالية المتوحشة».

وفي حين يرتكن الرئيس عبدالفتاح السيسي على المؤسسة العسكرية لتنفيذ مشروعات قومية كبرى يأمل بأن تعيد رسم مستقبل مصر الاقتصادي، يثور التساؤل عما إذا كان الجيش قادراً على هدم الأفكار الاقتصادية لأمانة السياسات بعد أن تطمر جرافاته مكاتب جمال مبارك وفريقه على كورنيش النيل.