بدت استعادة السجالات حول النصاب الدستوري لانتخاب رئيس للجمهورية أشبه بإحياء نقاش عبثي في ظل المواقف الثابتة والمتمترسة وراء الاعتبارات التي شكلت أساساً لبدء سنة ثانية من الفراغ الرئاسي، من دون أي أفق مأمول في فتح ثغرة في حائط هذه الأزمة. ومع ان لقاء النواب المسيحيين في بكركي مضى في الخطوة التالية التي قررها من خلال طلب وزير الاتصالات بطرس حرب موعداً من رئيس مجلس النواب نبيه بري للقائه مع لجنة التواصل المنبثقة من اللقاء للبحث معه في التوجهات التي أعلنها لقاء بكركي ومن أبرزها موضوع النصاب، فإن الجواب جاء سلفاً واستباقياً من بري الذي أبلغ "نواب الأربعاء" لديه رفضه لنصاب النصف زائد واحد، مشيراً الى ان "البلد مرّ بالكثير من الازمات حتى أثناء الاجتياح الاسرائيلي واعتمدنا دائماً نصاب الثلثين عند انتخاب الرئيس". بل إن رئيس المجلس سأل "من له مصلحة في ملاقاة مشاريع التقسيم الحاصلة في المنطقة بطرح سياسي كالنصف زائد واحد؟".
ولم يقف التباين العميق في موضوع النصاب عند هذا الحد، إذ برز تباين ايضا داخل قوى 14 آذار نفسها من خلال اعلان عضو "كتلة المستقبل" النائب احمد فتفت معارضة "تيار المستقبل" لانتخاب رئيس للجمهورية بنصاب النصف زائد واحد في الدورة الثانية. وذكر بأن الهيئة العامة للمجلس عقدت جلسة لتفسير المادة المتعلقة بالنصاب قبل بدء الاستحقاق الرئاسي العام الماضي وان "كل الكتل بما فيها المسيحية اتفقت على ان نصاب الثلثين يعتمد دائماً في الدورتين الاولى والثانية". واعتبر كما نقلت عنه "وكالة الأنباء المركزية" ان انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد قد يوفر "ذريعة لحزب الله في ما بعد لانتخاب رئيس بنصاب 64 نائبا وبالقوة". وتوقع عقد الجولة المقبلة من الحوار بين "المستقبل" و"حزب الله" في 16 حزيران مبدئياً، وطالب الحزب بإصدار توضيح لبعض المواقف الأخيرة التي أدلى بها بعض مسؤوليه "وإلا يصبح الحوار بلا معنى حتى لو استمر". مجلس الوزراء في غضون ذلك، أبلغت مصادر وزارية "النهار" أن الجلسة العادية لمجلس الوزراء اليوم ستواجه أزمة عرسال وستنتهي إما الى اعتكاف وزراء "التيار الوطني الحر" ويتضامن معهم وزيرا "حزب الله"، وإما الى القول "إن للبحث صلة" في انتظار متابعة النقاش في هذا الملف. وتوقعت أن يثير وزراء الحزب و"التيار" موضوع عرسال من زاوية المدينة والتلال لحسم وضعها من طريق الجيش وأن يطالبوا بأن يكون ملف التعيينات في قوى الامن والجيش في إطار سلة واحدة.
ورأت مصادر متابعة لمجلس الوزراء أن ما شهدته جلسة المجلس امس المخصصة لمشروع الموازنة كان مؤشراً لحماوة الجلسة اليوم في مسألة عرسال، في حين أن ملف التعيينات الامنية أرجئ الى الاسبوع المقبل. ولفتت الى ان سقوف المناقشات العالية لا تمنع أن قوى أساسية ممثلة في الحكومة مثل الرئيس نبيه بري و"المستقبل" والنائب وليد جنبلاط لا تريد انفراط عقد الحكومة في حين ان "حزب الله" لم يعط إشارة سلبية الى مصير الحكومة. كما أن "التيار الوطني الحر" لم يعلن أنه مع رحيل الحكومة. وأضافت أن ما يجري في موضوع عرسال يضمر ربط لبنان بالموضوع الاقليمي، في حين أن لبنان أحوج ما يكون الى إبعاده عن حرائق المنطقة. وصرح الوزير بطرس حرب ليلا بأن "لا مصلحة لأحد في تعطيل الحكومة رغم الجدل الكبير الذي أتوقعه في جلسة اليوم. فالحكومة لن تطير لأن الحالة مستمرة على ما هي وهي حكومة أوكسجين الى حين انتخاب رئيس".
وحول ما دار في جلسة امس، قالت المصادر الوزارية إن وزير الخارجية جبران باسيل طرح في مستهلها موضوع عرسال، مشيراً الى الى ان "التيار" طرح الموضوع في الجلسة السابقة لكن لم يجد استجابة. فرد رئيس الوزراء تمّام سلام: "هل ينتظر الموضوع الى الغد؟"، فأجاب باسيل: "إذا بكرا بنشوف". فتدخل وزير الاعلام سجعان قزي وقال: "هذا الموضوع لا ينتظر الى الغد، بل نريد أن يطرح اليوم موضوع عرسال ومعه كل واقع الحدود الشمالية والشرقية. نحن لا نستطيع أن نمضي في مناقشة الموازنة فيما سيف عرسال والتعيينات الامنية مصلت فوق رؤوسنا". ثم تعاقب على الكلام وزير الصناعة حسين الحاج حسن ووزير التربية الياس بو صعب فأيدا ما طرحه باسيل، لكن الرئيس سلام تمسك بإرجاء البحث في الموضوع الى جلسة اليوم. ثم كانت كلمة لوزير الداخلية نهاد المشنوق قال فيها إن القضايا الامنية يطرحها الوزراء المعنيون في الوقت المناسب.
بعد ذلك انصرف المجلس الى المصادقة على عدد من بنود مشروع الموازنة الى أن تبيّن عند بحث بند وزارة الطاقة والمياه ان النصاب مفقوداً فرفعت الجلسة. واعتبرت المصادر توقيع الوزراء امس 66 مرسوما أمراً عادياً ولا يحتمل تفسيره بالتوتر الحكومي المستجد.
جرود عرسال وفيما تتهيأ الحكومة لاختبار عرسال في جلستها اليوم، برز تطور ميداني اعتبر مؤشرا لاقتراب تمدد "حزب الله" نحو جرود عرسال. وأفاد إعلام الحزب امس ان الحزب نصب مكمناً محكماً في جرود عرسال لجهة جرود نحلة قتل خلاله افراد مجموعة كاملة من "جبهة النصرة" وبين القتلى قائد ميداني. وقال إن المجموعة المستهدفة رُصدت عبر طائرة استطلاع مسيرة وكانت تنوي تنفيذ عمل ارهابي انطلاقا من الكسارات جنوب عرسال. السعودية والحزب وفي سياق متصل، أوردت وكالة الانباء السعودية "و ا س" امس ان المملكة العربية السعودية صنّفت قياديّين كبيرين من "حزب الله" إرهابيين وانهما تورّطا في الصراعين السوري واليمني وعمليات إرهابية في الشرق الاوسط". وقالت إن السعودية اتهمت خليل يوسف حرب الذي عمل نائباً ثم قائداً للوحدة العسكرية لـ"حزب الله" بـ"كونه مسؤولاً عن نشاطات حزب الله في اليمن ومنذ صيف 2012 شارك في نقل كميات كبيرة من الاموال الى اليمن". كما اتهمت محمد قبلان بأنه "قائد الخلية الارهابية لحزب الله وعمل كرئيس لكتيبة مشاة "حزب الله" ورئيس وحدة 1800 التابعة للحزب وتولى رئاسة الخلية الارهابية للحزب في مصر ويقوم بتنسيق نشاطات الخلية في لبنان". وفرضت السعودية عقوبات على الاسمين حيث يتم تجميد أي أصول تابعة للاسمين المصنفين وفقا لأنظمة المملكة ويحظر على المواطنين السعوديين القيام بأي تعاملات معهما".
السنيورة في الاستجواب المضاد أمام بداية المحكمة الدولية: بعد 2006 تحوّلت بندقية "حزب الله" نحو الداخل
كلوديت سركيس استأنفت غرفة الدرجة الأولى لدى المحكمة الخاصة بلبنان برئاسة القاضي ديفيد راي الاستماع الى إفادة الرئيس فؤاد السنيورة لاستجوابه مضاداً من محامي الدفاع أنطوان قرقماز عن مصالح المتهم مصطفى بدر الدين. في المستهل، كان ردّ السنيورة عالقاً منذ آخر جلسة استماع عقدتها الغرفة وأوضح أن الدين العام كان عام 1992 نحو ثلاثة مليارات دولار، واليوم صار 67 ملياراً. وعن توقيف الضباط الأربعة والإفراج عنهم قال: "نفّذت القرارات القضائية لإيماني باستقلالية القضاء، وبناء على إشارة من القضاء الدولي. وفي 29 نيسان عام 2009 نفّذت السلطات اللبنانية آليته. وعندما أبلغني وزير العدل والنائب العام التمييزي كان موقفي الاستجابة فوراً. ونفى علمه بنية لدى قاضي التحقيق العدلي آنذاك الياس عيد أو اتجاه لتخليتهم بعد عامين على توقيفهم.
وعرض قرقماز وثيقة طلب التنحي المقدم من الجهة المدعية بوجه المحقق العدلي، وقد رفعت يده عن الملف عام 2007. وعلّق على سؤال بالقول إن وزير العدل حينذاك شارل رزق لم يطلعه على نيته البحث في توقيف الضباط مع السفير الأميركي فيلتمان"، ولا أعلم إن حصل هذا الأمر فعلاً. ولا أعرف مصدر ما تقوله"، سائلاً قرقماز إن كان استقاه من "ويكيليكس". وأضاف ان "موقفي من إطلاقهم هو عندما يأتي قرار من المحكمة الدولية ننفذه. ونحن على اقتناع بأن احتجازهم كان مبرراً. وما يهمني هو أن ألتزم القرار القضائي. وقد اتخذ قرار الافراج عنهم عام 2009 قبل شهرين من الانتخابات النيابية ونفذناه".
وأشار الى أنه "بين 2005 و2009 كان مطلب الافراج عنهم يومياً، وموقفنا السياسي أن ذلك غير مبرر لأن هناك تهمة موجهة اليهم، وفي انتظار قرار القضاء الدولي، لم تقدم لنا الأجهزة القضائية اللبنانية قراراً في هذا الشأن. ولا أستطيع أن أجيب عما إذا كان بإمكان القضاء وحده من دون الرجوع الى المحكمة الدولية اتخاذ هذا الاجراء، لأن هذا الأمر كان من خلال التعاون بين القضاءين المحلي والدولي، الى حين إرسال القرار الدولي الذي جرى تنفيذه. وقبل تأسيس المحكمة والعهدة لدى السلطات اللبنانية لم يعرض علينا أي قرار لإطلاقهم. ولم يكن في إمكان القضاء اللبناني الإفراج عن الضباط ما دامت القضية محور تحقيق دولي. ولم يكن من مواقف سياسية إنما هناك جريمة ارتكبت وجرى القبض عليهم لأخطاء ارتكبت بعدم توفير الحماية. واحتجازهم لم يكن تعسفياً".
وتناول السنيورة اجتماعين بين الحريري والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، "وأمل أن يتخذ موقفاً مؤيداً له لجهة رفض التمديد للرئيس إميل لحود. وأعتقد أنه لم ينجح في ذلك، لأن موقف نصرالله كان مؤيداً للنظام السوري، والمواقف كانت واضحة للجميع، و"حزب الله" كان داعماً للحود. وكان هناك من يقوم مقام الحزب في التصدي لموقف الحريري". واعتبر أن "الاتفاق الرباعي سعى الى امتصاص التوتر ولم يكن ثمرة مفاوضات الحريري مع نصرالله. أما القرار 1559 فاتفقت عليه الدول الكبرى ونحن كنا نعارضه ونؤيد الطائف. ولم يكن للحريري أي دور في صنعه أو القدرة على إيقافه".
وسأله راي: "هل تعتقد أن "حزب الله" كان أحد هذه الميليشيات؟. أجاب: "من عام 1989 الى عام 2000 كان الحزب يترأس المقاومة في لبنان، ويعود الفضل في ذلك للموقف الداعم من الشعب والحكومة، لأن تلك الفترة كانت مرحلة التخلّص من الاحتلال الاسرائيلي. إن المشكلة بدأت بعد عام 2000 عندما راحت البندقية تتجه الى الداخل، مما ينزع عن الحزب هذه الصفة، وبدا هذا الأمر أكثر صراحة في دور الحزب الذي يُستعمل من إيران. فما كان مقبولاً من كل اللبنانيين لجهة الدور المقاوم للحزب، صار له بعد إضافي بعد 2006، لأن البندقية تُستعمل من دول أجنبية ولم تعد تُستعمل ضد المحتل الاسرائيلي. ولم تعد بندقيته باسم الشعب موجهة الى المحتل، وعندما يستعمل سلاحه ضد اللبنانيين يفقد شرعيته.
وأيّد السنيورة قوله في حديث نشرته صحيفة أجنبية أن "الحزب ليس منظمة إرهابية، وموقفنا حتى عام 2007 أن الحزب ليس إرهابياً، لكن الأمر بدأ يتغيّر. وعام 2006 تعاونّا معه لصدّ العدوان، ومع انتهاء الحرب بدأ هجوم الحزب علينا". وقال: "نحن مؤمنون بالعيش المشترك وحوارنا مع حزب الله مستمر".
|