مع أن تردّدات العاصفة التي أثارها حكم المحكمة العسكرية في ملف الوزير السابق ميشال سماحة لا تزال الى اتساع وكان آخر فصولها امس الاعتصام الذي نفذه اهالي الموقوفين الاسلاميين في وسط بيروت، فانها لم تحجب طلائع تحركات سياسية سيشهدها الاسبوع الجاري وتتصل بالسعي الى تجنب بلوغ مأزق ملف التعيينات الامنية والعسكرية حدود تصعيد يقتحم هذه المرة البيت الحكومي.
وعشية هذه التحركات التي تسبق بأسبوع موعد مرور سنة على بدء ازمة الفراغ الرئاسي، لفت كلام لرئيس الوزراء تمام سلام اتسم بطابع تشاؤمي عن هذه الازمة اذ قال في حديث الى صحيفة "الشرق" القطرية ان أزمة الشغور الرئاسي تبدو بلا مخرج في الوقت الحاضر وان مواقف القوى السياسية من هذا الموضوع توحي بان "الامور تسير نحو مزيد من العرقلة بدل الحلحلة المطلوبة". وفي اشارة الى بعض الطروحات التي تتجاوز اتفاق الطائف وصف سلام العجز عن انتخاب رئيس بأنه "وضع شاذ يسمح بظهور طروحات تشكل اضعافاً لنظامنا ودستورنا"، رافضا الطروحات القائلة بأن الازمة الراهنة سببها قصور في اتفاق الطائف.
في هذا السياق، يبدأ اليوم وفد من "تكتل التغيير والاصلاح" جولة على عدد من القيادات والمراجع هدفها طرح الاقتراحات التي تقدم بها رئيس التكتل العماد ميشال عون في مؤتمره الصحافي الاخير من اجل انتخاب رئيس للجمهورية والتي يقتضي معظمها تعديلات دستورية. وتشمل الجولة اليوم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب الرئيس امين الجميل، على ان يلتقي الوفد الاربعاء المقبل كتلة "المستقبل" النيابية ولاحقا رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط بعد عودته من فرنسا.
وعشيّة تحرّك ممثلي العماد عون في اتجاه القوى السياسية، قالت مصادر وزارية لـ"النهار" إن هناك مستحيليَن أمام هذا التحرك هما: لا حظ للعماد عون في إنجاز الاستحقاق الرئاسي لمصلحته وفق الآلية الدستورية الحالية ولا إمكان لاعتماد الآلية الجديدة، نظراً الى عدم توافر فرص تعديل الدستور. وأضافت أن الدول المؤثرة أبلغت عون هذا الأمر نظراً إلى خطورة الأوضاع في لبنان في هذه المرحلة. وأشارت الى أن فكرة الوفود لم تكن واردة عند عون لكن تمني حلفائه عليه وخصوصاً من "حزب الله" التهدئة جعلته يتريث في إعلان مقاطعته الحكومة.
وقالت مصادر نيابية بارزة في 14 آذار لـ"النهار" إن الجواب الذي ستسمعه وفود عون هو الدعوة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية ولا إمكان لأي تعديل دستوري من دون وجود رئيس للجهورية الذي هو صاحب الصلاحية في توقيع مشاريع التعديل الدستوري. بري على صعيد الجلسة التشريعية، أشار رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره الى ان لا جديد في هذا الموضوع "وان الامور ما زالت على حالها" من دون إحراز أي تقدم. وسئل عن المبادرة التي اطلقها العماد عون للخروج من المراوحة التي تعيشها البلاد، فأجاب: "اطلعت على ما اورده الجنرال. وعلمت انه سيكلف وفوداً إطلاع الكتل النيابية على مضمونها وسنرى ما تحمله في هذا الصدد".
وتوقف بري عند نقطة تحدث عنها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في اطلالته الاخيرة، وهي ان لديه فكرة عن الاستحقاق الرئاسي لم يكشفها، "وانا لم اطلع عليها حتى الآن ولا اعلم مضمونها".
وسئل بري عما رافق حكم المحكمة العسكرية على الوزير السابق ميشال سماحة في الايام الاخيرة، فأجاب: "كما يعلم اللبنانيون درجت على عدم تناول عمل القضاء والتعليق على أحكامه. وانا اتبع هذا الاسلوب منذ كنت وزيراً للعدل ليس تهرباً من اطلاق موقف بل من باب الحفاظ على عمل القضاء واحترامه، واطبق هذا الامر حتى في مجلس النواب ومداخلاتهم وحذف ما يتناولونه في موضوع القضاء". مجلس الوزراء وعلمت "النهار" من مصادر وزارية، ان جلسة مجلس الوزراء اليوم المخصصة لمتابعة مناقشة مشروع الموازنة واقراره محاطة بعلامات استفهام لجهة إمكان إنجازه نظراً الى العقبات التي لا تزال تثار في المناقشات. وقالت إن ما أقر حتى الآن في الفصل الثاني هو مشاريع قديمة سبق لحكومات سابقة أن أقرتها. أما المشاريع الجديدة فلا تزال مطروحة للبحث وسط جدل أحاط بها قبل أن تطرح ومنها: قطع الحساب عن السنوات السابقة، سلسلة الرتب والرواتب، مساهمة لبنان في تمويل المحكمة الخاصة، الانماء المتوازن ونوع الضرائب والواردات والانفاق. نصرالله وولايتي أما على الصعيد الامني والميداني المتصل بمعركة جرود القلمون وامتداداتها اللبنانية، فبدا مفاجئاً مساء أمس كشف زيارة سيقوم بها اليوم لبيروت علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي للشؤون الدولية وهي الزيارة الاولى لمسؤول ايراني رفيع لبيروت منذ بدء معركة القلمون. وعلم ان ولايتي الذي يصل الى مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي في الثامنة صباحاً سيلتقي الرئيس سلام والرئيس بري وكذلك السيد نصرالله. وتأتي الزيارة بعد الكلمة التي ألقاها نصرالله مساء السبت الماضي والتي أعلن فيها "تحقيق هزيمة مدوية للعناصر التكفيرية في معركة القلمون واستعادة 350 كيلومتراً مربعاً من الاراضي السورية واللبنانية من المسلحين وتدمير معظم مراكزهم ووصل الجرود بعضها بالبعض من داخل سوريا الى الحدود اللبنانية"، لكنه أكد "ان الحزب لا يزال في قلب معركة القلمون". الجيش في المقابل، أبلغت مصادر واسعة الاطلاع "النهار" أن قرار قيادة الجيش الحاسم هو عدم المشاركة في أي عمليات أمنية خارج الاراضي اللبنانية وتحديداً في منطقة الحدود الشرقية. وقالت إن التعليمات الميدانية للجيش تشدد على مسؤولية الجيش عن حماية الحدود وعرسال وعدم السماح بانتقال المسلحين من الاراضي السورية في اتجاه لبنان.
وقد برزت في هذا الاطار جملة انجازات أمنية للجيش في اليومين الأخيرين تمثلت في نجاحه في توقيف القيادي في تنظيم داعش عبد الرحمن البزرباشي الملقب "حفيد البغدادي" وهو من طرابلس وشارك في عمليات مسلحة ضد الجيش كما تورّط في تصوير عمليات ذبح عسكريين لبنانيين. ثم أوقف أمس السوري يعرب عبد العزيز الفرج المطلوب لانتمائه الى تنظيمات ارهابية واشتراكه في تشكيل مجموعة مسلحة قامت بعمليات مسلحة في لبنان واعترف بتهريب كميات كبيرة من الاسلحة للمسلحين في جرود عرسال. وكثف الجيش امس عمليات القصف لمواقع المسلحين في جرود عرسال منعاً لعمليات التسلل وأوقع خسائر في صفوفهم كما احبط ليلاً عملية تسلل في وادي حميد.
وتحدث بعض المصادر الإعلامية عن تسليم "حزب الله" المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم لائحة بأسماء قادة وعناصر من "النصرة" أسرهم من اجل التفاوض على العسكريين المخطوفين. لكن مصدراً مَعنياً بالملف قال لـ"النهار" إن لا أساس للأمر.
نصرالله: معركة القلمون مفتوحة وشهداؤنا 13 عون قدمّ مخارج للرئاسة يجب درسها
أكد الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله أن "الحزب لا يزال في قلب معركة القلمون، وأن المسلحين في القلمون قاتلوا الا أنهم انهزموا وانسحبوا. انهم موجودون فقط في جرود عرسال والجزء المتبقي من جرود القلمون وهنا لا نستطيع أن نتحدث عن أمان كامل"، مؤكداً ان "عدد شهداء الحزب في معركة القلمون بلغ 13 فقط لا غير، ومن الجيش السوري 7 شهداء". وتناول في الكلمة التي ألقاها، موضوع الرئاسة، معلّقا على كلام النائب ميشال عون أمس، بأن "العماد عون يحاول ان يقدم مخارج في موضوع الرئاسة"، ودعا "القوى السياسية الى البحث جدياً في هذه المخارج ودرسها".
وقال: "ما زلنا في قلب المعركة، وفي النتائج الميدانية المباشرة، كانت هزيمة مدوية للعناصر التكفيرية وخروجها من كل مناطق الاشتباك، واستعادة 350 كلم من الأراضي اللبنانية والسورية من المسلحين، وتدمير معظم مراكزهم المسلحة، كما تم وصل الجرود بعضها ببعض، من داخل سوريا الى الحدود اللبنانية، وتطهيرها بالكامل من الجماعات المسلحة، وفصل منطقة الزبداني عن تلك المنطقة من جرود عرسال".
وكشف أن "أكبر عملية تمويل للمسلحين في تلك الجرود، كانت تتم من أراضي لبنان، عبر عرسال ومخيمات السوريين، وصولا الى الزبداني، ومنها الى الريف الدمشقي"، لافتا الى ان "هذه النتائج أدت الى تحقيق نسبة عالية من الأمان للبلدات في لبنان وسوريا".
وأكد "اننا أمام انتصار وانجاز عظيم بسبب ما تحقق من الناحية العسكرية والفنية والقتالية"، متوجها بالتحية الى "ارواح الشهداء الذين حموا لبنان والأمة، والى عائلات الشهداء والجرحى وكل القادة والضباط والمجاهدين، الذين صنعوا هذه الملحمة، وصبروا على كل الصعاب"، وما دام لدينا رجال كهؤلاء لن تلحق بنا هزيمة جديدة".
وتطرق نصرالله إلى "مسائل أحاطت بالمعركة للبناء عليها مستقبلا"، وقال: "لقد عاش اللبنانيون لغة التهديد، ولكن عندما يكون لدينا هدف محق، فالتهديد لن يقدم أو يؤخر، بل يزيدنا إصرارا، فلا تخطئوا بالفهم والتقدير"، وقد "حصلت محاولات سفيهة للايقاع بين المقاومة في لبنان والجيش اللبناني"، مجددا رفضه توريط الجيش في هذه المعركة، وإحراجه.
واضاف: "هناك سياسيون في لبنان، ولن أشمل كل قوى 14 آذار، لأن بعضهم كان ساكتا، دافعوا بشكل مستميت عن الجماعات التكفيرية المسلحة، وعملوا على تضخيم أعداد الشهداء، وإنكار الانجازات التي تحققت"، مستنكرا "هذا التعاطف الذي وصل الى حد تسميتهم المسلحين التكفيريين بالثوار"، وسائلا "من هم هؤلاء الثوار الذين خطفوا أبناء الجيش اللبناني، وما زالوا؟ وهل هم الذين هاجموا مواقع الجيش في عرسال؟ هل هم ثوار أو إرهابيون؟ إننا نريد جوابا".
وأكد أن "من حق اللبنانيين والبقاعيين من كل الطوائف والمذاهب، أن يتطلعوا الى اليوم الذي لا يكون في جرودهم، داعشي أو نصروي أو إرهابي منهم"، واعدا بـ"أن هذا اليوم سيأتي في الأراضي اللبنانية"، وأن الشعب اللبناني وأهل البقاع وأهل بعلبك - الهرمل لن يتسامحوا بوجودهم إذا تسامحت الدولة اللبنانية". وشدد على ان "هذه المعركة بدأت، ولم نتحدث عن مراحلها، ولكن ستتحدث عن نفسها، ونحن في معركة مفتوحة في الزمان والمكان وفي كل المراحل".
ثم انتقل الى ما تناوله العماد عون في مؤتمره الصحافي ومحاولة تقديم مخارج لمأزق الرئاسة، داعيا القوى السياسية الى "العمل بجدية ومناقشة المخارج التي طرحها، لأن البلد لا يحتمل التأجيل". وعن ذكرى النكبة قال: "إن ذكراها الـ67 هي نتيجة الهزيمة، التي لحقت بالأمة في مواجهة المشروع الصهيوني- البريطاني، والتي أسست لوضع خطير في المنطقة من خلال إقامة كيان إسرائيل، ونحتاج الى أخذ العبرة وشرحها للأجيال القادمة، ولماذا حصل ما حصل؟".
وشدد على "استحضار تلك النكبة، وان نعمل لتبيانها وإقامة مراجعة لها، لأننا أمام نكبة جديدة أكبر وأخطر، فتلك النكبة جاء بها المشروع الصهيوني- البريطاني، واليوم يأتي الأميركي بمشروع تفتيت المنطقة، فالتاريخ يعيد نفسه، والنكبة الجديدة أخطر لأن ما يصنعه التكفيريون سيضيع فلسطين وكل البلدان العربية وباكستان وأفغانستان".
|