التاريخ: أيار ١٤, ٢٠١٥
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
الحُكم "الصادم" يُحرّر سماحة بعد 7 أشهر! عاصفة قضائية - سياسية وريفي يباشر المواجهة
لم يكن ينقص الواقع الداخلي المأزوم مع ارتفاع عدّاد "جلسات الفراغ" الرئاسي الى الرقم 24 قبيل مرور سنة على شغور رئاسة الجمهورية وتحديد موعد اضافي في 3 حزيران لانتخاب رئيس وعلى وقع المعارك المحتدمة قرب الحدود الشرقية في منطقة القلمون السورية سوى هبوب عاصفة قضائية تنذر بتداعيات واسعة بفعل الحكم "الصادم" الذي أصدرته المحكمة العسكرية امس على الوزير السابق ميشال سماحة.
 
هذا الحكم الذي اتسم بطابع مخفض مفاجئ قضى بسجن سماحة الموقوف منذ 9 آب 2012 اربع سنوات ونصف سنة بجرم "محاولة القيام بأعمال ارهابية والانتماء الى مجموعة مسلحة" في قضية نقل متفجرات من سوريا الى لبنان وقررت تجريده من حقوقه المدنية، بما يبقي سماحة مسجونا سبعة اشهر بعد احتساب فترة توقيفه السابقة باعتبار ان السنة السجنية قانونا هي تسعة اشهر. ولعل المفارقة التي واكبت صدور الحكم تمثلت في تزامنه مع توزيع الاعلام السوري الرسمي صورة للضابط علي مملوك الى جانب الرئيس السوري بشار الاسد امس علما ان اسم مملوك ارتبط بقضية الاشراف على الاعداد لنقل سماحة المتفجرات من سوريا الى لبنان والتخطيط لعمليات تفجير واغتيال، وعمد القضاءالعسكري اللبناني الى الشروع في محاكمة سماحة بعدما "تعذر ابلاغ مملوك" مرارا مذكرة احضاره الى التحقيق.

هذه المفاجأة أثارت ردود فعل غاضبة انفجر بعضها علنا وفورا، فيما بدأ بعضها الآخر المكتوم يتضح لاحقا. وفي ما يمكن ان يؤشر لصدام غير مسبوق بين وزير العدل اللواء اشرف ريفي والقضاء العسكري بادر الوزير ريفي قبيل انتهاء جلسة مجلس الوزراء المخصصة لاستكمال مناقشة الموازنة الى مغادرة الجلسة وتفجير قنبلة قضائية – سياسية رافعا لواء إلغاء المحكمة العسكرية نفسها. وفي تعليق غاضب على الحكم "نعى" ريفي المحكمة العسكرية قائلا: "انه يوم أسود اضافي في تاريخ هذه المحكمة وما زال الشعب اللبناني يذكر الحكم على العميل فايز كرم. لا علاقة لوزارة العدل بهذه المحكمة وسنعمل بكل الوسائل القانونية لتمييز هذا الحكم الذي يدين كل من شارك فيه وسنعمل بكل الوسائل لتعديل قانون المحكمة العسكرية ونحن ننهي اللمسات الاخيرة على مشروعنا الذي سينقلنا من المحاكم الخاصة الى المحاكم المتخصصة".

وإذ وصف الوزير ريفي لاحقا لـ"النهار" الحكم على سماحة بأنه "فضيحة"، لافتا الى ان القرار الاتهامي كان طلب لسماحة الاعدام، كرر ان "هذه المسخرة تستعيد تجربة فايز كرم". وأوضح انه أعطى تعليمات فورية لتمييز الحكم. كما كشف انه تلقى اتصالا من الرئيس سعد الحريري الذي يقوم بزيارة لروسيا وان الحريري استهجن الحكم وقال له "ان موقفك موقفنا وندين الحكم الصادر وهو غير مقبول وهذه قضية وطنية سنناضل من اجلها". كما تلقى اتصالين من الرئيس فؤاد السنيورة والنائبة بهية الحريري بالمعنى نفسه. وأفيد ان الرئيس الحريري اتصل ايضا بوزير الداخلية نهاد المشنوق وبحث معه في سبل مواجهة هذا الحكم.

أما في الاجراءات الفورية عقب صدور الحكم، فطلب النائب العام التمييزي سمير حمود من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر تقديم استدعاء لتمييز الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية بحق سماحة. ولاحقا أحال الوزير ريفي المستشارة المدنية في المحكمة العسكرية القاضية ليلى رعيدي على التفتيش القضائي.

"المستقبل"
وكان الامين العام لتيار "المستقبل" احمد الحريري وصف الحكم بأنه "مهزلة" قائلا: "نعم لإقفال المحكمة العسكرية بالشمع الاحمر ورحمك الله يا وسام الحسن فليس عدلا ان تموت وان يبقى المجرم حيا".

وصرح عضو كتلة "المستقبل" النائب زياد القادري لـ"النهار" أن ميشال سماحة "كان يريد تفجير البلد بأكمله وأقرّ بالامر فهل يعقل أن يحكم عليه بالسجن أربع سنوات؟ ولماذا؟ صحيح أن المحاولة أحبطت، لكنه باشرها وشرع فيها وحمل متفجرات من سوريا الى لبنان . أي أنه كان يؤسس لعمل ارهابي تنطبق عليه أحكام القانون 11-1-1958 الذي جاء ليعدّل بعض المواد في قانون العقوبات واستبدل عقوباتها بعقوبات أشد. نحن نتحدث عن عمل إرهابي خطير بمستوى الخطر الشامل وعن اغتيال شخصيات سياسية ومؤامرة كان من شأنها إحداث فتنة مذهبية في لبنان. كان يجب أن يأتي الحكم منسجما مع الجريمة التي كانت سترتكب، والعقاب يجب أن يكون بمستوى الجريمة. حسنا فعل مدعي عام التمييز بطلبه من النيابة العامة العسكرية تمييز القرار أمام محكمة التمييز العسكرية. فطلب نقض الحكم يؤدي تلقائيا الى إبقاء سماحة موقوفا وبالتالي عدم تخلية سبيله الى أن تقرر محكمة التمييز العسكرية إما تصديق الحكم وإما تصديقه مع تعديله أو نقضه وإعادة المحاكمة من جديد".

وذهب عضو كتلة "المستقبل" النائب جمال الجراح الى القول ان "الحكم الذي صدر عن المحكمة العسكرية بحق سماحة يقول لضباط الامن اياكم وكشف اي جريمة تتعلق بقوى 8 آذار والنظام السوري والا سيكون مصيركم الموت".
وقد تجمع عدد من أهالي الموقوفين الاسلاميين في طرابلس ليلا في اعتصام احتجاجا على الحكم.
 
تلة موسى
على صعيد آخر، سجل تطور ميداني بارز امس في معارك القلمون التي ينخرط فيها "حزب الله " في شكل رئيسي تمثل في سقوط التلة الاستراتيجية المسماة "تلة موسى" في ايدي مقاتلي الحزب مدعوما من كتائب النظام السوري. وتعتبر السيطرة على هذه التلة خطوة بارزة للتحكم بمجموعة تلال ومواقع في المنطقة الجردية الحدودية على السلسلة الشرقية ويبدو ان الحزب استعمل قوة قصف نارية كبيرة في السيطرة عليها كما ساهم في سيطرته عليها استعمال سلاح الجو السوري. ونسب التلفزيون السوري الرسمي الفضل في تحقيق هذا التقدم الميداني الى الجيش السوري و"المقاومة اللبنانية" في اعتراف علني غير معتاد بدور "حزب الله" في المعركة في هذه المنطقة التي تستخدمها فصائل المعارضة لنقل الامدادات بين سوريا ولبنان. وبينما تستمر المعارك في المنطقة لم تتضح حصيلة القتال الضاري امس وترددت معلومات عن سقوط خمسة قتلى في صفوف الحزب.

وبرز في المقابل احتدام القتال بين مسلحي "جبهة النصرة" و"داعش" في جرود عرسال حيث خاض التنظيمان معارك ضارية مما ادى الى سقوط عدد كبير من القتلى في صفوفهما وسيطرة النصرة على معبري وادي الزمراني ووادي عجرم. واتخذت وحدات الجيش اللبناني المنتشرة في المنطقة اجراءات مشددة للغاية منعا لتسلل المسلحين وحماية للاهالي.

سماحة: جهاز أمني أراد الإيقاع بي لأسباب سياسية

كلوديت سركيس
قضت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن الطيار خليل ابرهيم بحبس الوزير السابق الموقوف ميشال سماحة أربع سنوات ونصف سنة، ودانته بجرم محاولة القيام بأعمال إرهابية في قضية نقل المتفجرات في سيارته من سوريا الى لبنان. وقررت المحكمة تجريده من حقوقه المدنية ومصادرة الأسلحة والمتفجرات والأموال المضبوطة. ويبقى سماحة موقوفاً سبعة أشهر نفاذاً لهذه العقوبة، علماً انه أوقف في التاسع من آب 2012، والسنة السجنية قانوناً هي تسعة أشهر.
 
وفي أول ردة فعل على الحكم، قال وكيله المحامي صخر الهاشم لـ"النهار" إنه سيميّز الحكم أمام محكمة التمييز العسكرية.
وكانت المحكمة تابعت محاكمة سماحة أمس في حضور ممثل النيابة العامة العسكرية القاضي هاني حلمي الحجار. وسأله العميد ابرهيم: "هل كانت مبادرة موضوع المتفجرات من السوري عدنان المجهول بقية الهوية مساعد رئيس جهاز الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، أم من ميلاد الكفوري (الذي غادر لبنان بعد اكتشاف العملية)؟ فأجابه سماحة بأن "الكفوري طلب المتفجرات ولم يعرض عدنان عليّ القيام بالأمر". وأضاف: "أخبرت مملوك بما طلبه الكفوري من دون أن أتداول معه أهداف المتفجرات التي لم تناقش الا مع الكفوري وبناء على طلبه وبإلحاح منه قبل فترة 21 تموز 2012، حيث بدأ نصب الفخ لي. يومذاك كنت غارقاً في الاتصالات السياسية مع ست دول أوروبية، وشملت مسؤولين عن صناعة القرار من سياسيين وصحافيين ومسؤولين كنسيين. أنا لم أعرض عليه أي شيء. هو من عرض عليّ. كما لم أنقل رغبته الى مملوك في الذهاب الى سوريا، لأنه عندما يشاء يقصد سوريا".

ورداً على سؤال قال سماحة: "شككت في قدرته على ما تحدث عنه من استهداف إفطارات وسياسيين ورجال دين. ولم أفكر أبداً في أن لديه مقدرة على القيام بذلك".
وسئل: كيف للكفوري ابن المتن أن تكون له مجموعة (لتنفيذ التفجير) في عكار؟ أجاب: "لا اسم للكفوري كشخص. ان الكفوري هو صنع جهاز المعلومات. هو البرنامج الذي استهدفني وكان عمل في طرابلس لأكثر من 20 عاماً مع الوزير السابق محمد الصفدي وغيره".

وبسؤال لوكيله الهاشم عن سبب اعتذاره في الجلسة السابقة أمام المحكمة من النائب خالد الضاهر ومفتي الشمال، وهل كان هذا الاعتذار ناتجاً من عقدة ذنب، قال الوزير السابق: "ليس ناتجاً من عقدة ذنب لأنه لم يكن لدي أي نية بأن استهدفهما. أنا اعتذرت منه لياقة لأن اسمه ورد في الملف".

وسألته وكيلته المحامية رنا عازوري: هل اقترحت على الكفوري أهداف معينة للتفجير؟ قال: "منذ بدء الكلام في هذا الموضوع بادر الكفوري الى اقتراح أهداف. وأنا لا اطلاع جغرافياً لي في منطقة الشمال التي اجهلها ولم أزرها منذ عام 1971".

وبانتهاء إفادة سماحة، استمعت المحكمة الى إفادة سائقه فارس بركات. وقال "إن الكفوري كان يقصد سماحة في منزليه في الأشرفية والجوار أسبوعياً أو كل اسبوعين. ولم يطلعني يوماً على عمله. كما لا تربطني معرفة شخصية بالكفوري أو بسيرته الحزبية". وأقر بنقل كيس الى الأخير يجهل ما اذا كان يحوي مالاً.

وعاد سماحة وأشار الى أن "الأسلحة التي ضبطت في منزلي هي خردة وغير صالحة للاستعمال، ويمكن تفحصها من الخبراء للدلالة على مدى كلامي، وهي عبارة عن ثلاث بنادق كلاشنيكوف تسلمتها من أصدقاء أثناء الحملة الانتخابية في وقت ساد المنطقة انقسام، وبعدما رفضت المواكبة الأمنية من مديرية أمن الدولة".

وتحفظ ممثل الادعاء العام الحجار، في مرافعته، عن كلام سماحة لجهة برمجة جهاز المعلومات مخبرين، وقال: "إن شعبة المعلومات لا تبرمج مخبرين إنما تعتمدهم ضمن الاجراءات القانونية، والاعترافات كافية في الملف"، طالباً تجريم سماحة طبقاً لمواد الاتهام.

وبترافعه، اعتبر المحامي الهاشم أن موكله ضحية فخ نصب له محرّض صوري تقتضي محاكمته قانوناً لأن فعله معاقب عليه، وقد انتدبه جهاز أمني "لأن الكفوري كشخص لا يمكنه الإيقاع بسماحة". وقال: "لا ثقافة الموكل ولا تنشئته على صلة بالوضع الأمني على الأرض قيد أنملة. إن سماحة كان مكروهاً من الطبقة السياسية واستُهدف من بعضها لأنه في المركز الأول من مركز القرار السوري، مثلما استهدف لشخصه في مقابل تسمية الكفوري بطلاً"، واصفاً الأخير بأنه "مرتزقة طلب منه الإيقاع بسماحة".

وفي القانون، اعتبر محامي الدفاع أن عناصر جرم المواد 335 و549 من قانون العقوبات و5 و6 من قانون الإرهاب غير متوافرة. وعدّ موكله سماحة "موظف ديليفري لأن اللائحة بالمتفجرات نظمها الجهاز الأمني ونقلها سماحة الى السوري عدنان، مثل المال الذي وضبه الأخير وأعطي للكفوري"، فيما اعتبر أن الأشخاص المعنيين في القضية معدودون، "وبهذا تنتفي الهيكلية التي تشكل مجموعة، فضلاً عن أن الفعل الجرمي لم يتم البدء بتنفيذه". وخلص الهاشم الى طلب إعلان براءة سماحة "لعدم توافر العناصر الجرمية، وإلا منع العقوبة عنه لوقوعه ضحية تحريض من جهاز أمني، واستطراداً كلياً الاكتفاء بمدة توقيفه".

وترافع سماحة عن نفسه معرباً عن امتنانه للقضاء وآخذاً على "السياسة في لبنان التي عشت كل مراحلها". وأضاف: "ما حصل معي هو دليل حسي لخرق للقانون قام به فرع رسمي اسمه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، بعد استهدافي بقرار سياسي أجنبي. أنا وقعت في فخ". وتساءل: "كيف أن القانون لا يفرّق بين المخبر والعميل والمنفّذ؟ هو يعتبره فاعلاً يستدرج. أراد جهاز أمني الإيقاع بي بنية جرمية. كانت حرب سياسية بأدوات مخابراتية".