غابت التطورات الداخلية المتصلة بالملفات السياسية في الساعات الاخيرة وسط ترقب لمآل المعارك التي تدور على الحدود الشرقية المتاخمة للبنان، والتي بات واضحا ان وتيرتها البطيئة والمتدرجة ستبقي الواقع الامني الداخلي تحسبا لكل الاحتمالات والتداعيات التي قد ترتبها هذه المعارك. وجاء انعقاد مجلس الامن المركزي برئاسة وزير الداخلية نهاد المشنوق امس والذي ابقيت مقرراته سرية في اطار هذا الترقب واتخاذ كل الاجراءات المشددة اللازمة للحفاظ على الاستقرار الداخلي، وسط تنفيذ الخطط الامنية في مختلف المناطق مع لحظ اولويات ملحّة لتشديد الرقابة الامنية من الاجهزة المعنية في هذا الظرف.
ولم تحمل المعطيات المتوافرة عن المعارك الدائرة على الحدود السورية - اللبنانية امس تطورات بارزة باستثناء تأكيدات لسيطرة "حزب الله" والقوات السورية النظامية على مواقع في منطقتي عسال الورد ومرتفعات القرنة الاستراتيجيتين، فيما استمر القتال امس. وأكد الحزب سقوط ثلاثة من مقاتليه في معرض نفيه تقارير تحدثت عن عدد اكبر لقتلاه، بينما أفادت معلومات ان المعارك تركزت امس على جرود منطقة الجبة التي تشكل النقطة الثانية في خطة "حزب الله" للمعركة وصولا الى منطقة قارة في جرود عرسال من أجل وصلها بجرود عسال الورد.
في غضون ذلك، كرر قائد الجيش العماد جان قهوجي خلال جولة قام بها مع نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل على الوحدات العسكرية المنتشرة في منطقة الناقورة ان "قرار الجيش الحازم هو التصدي لاي اعتداء على لبنان من اي جهة اتى ومهما كلف ذلك من اثمان وتضحيات".
المخطوفون أما في ملف المخطوفين العسكريين لدى التنظيمات الارهابية الذين تنامت المخاوف عليهم أخيراً، فطمأن المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم الى أن "ملفهم منجز تماماً والخلاف المتبقي هو على آلية التنفيذ لاتمام العملية". وكشف امام مجلس نقابة الصحافة ان الموفد القطري موجود في تركيا ويحاول ان يذلل النقاط العالقة. واضاف: "نحن في سباق مع الوقت لاتمام عملية تحرير العسكريين المخطوفين قبل حدوث أي طارئ امني. وكان لدينا اتصال مع الوسيط القطري الذي اعطانا اخبارا ايجابية في هذا الموضوع وأؤكد ان العسكريين بأمان".
وفي مجال آخر، أشار ابرهيم الى ان عدد النازحين السوريين في لبنان "الى تناقص وان عددهم نقص 300 الف نازح منذ بدأنا باجراءات ضبط الدخول عبر الحدود". لكن وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أبلغ "النهار" تعليقاً على ما أدلى به المدير العام للأمن العام في هذا الصدد "أن المقصود هو حركة عبور السوريين وليس عدد اللاجئين المسجلين أصلا والذي لم يشهد أي تراجع حتى الآن". واشار الى أن الوزارة في صدد "إعادة مسح عدد اللاجئين" من أجل معرفة مسار الاجراءات المتخذة على هذا الصعيد.
التمديد؟ في غضون ذلك، كشفت مصادر سياسية مطلعة لـ"النهار" انه في غضون أسبوعين على ابعد تقدير سينطلق قطار التمديد للقيادات الأمنية مع اول قرار بالتمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابرهيم بصبوص قبل احالته على التقاعد في الخامس من حزيران المقبل انطلاقاً من أن كل المشاورات داخل دوائر القرار اظهرت استحالة تأمين توافق سياسي او اكثرية الثلثين في مجلس الوزراء لتعيين قائد جديد للجيش، وهذا يعني تلقائياً انسحاب العجز عن هذا التعيين على المراكز الأمنية القيادية الأخرى.
وبما أن أي قرار لا يتأمّن عليه توافق مسبق، من خلال الاتصالات السياسية، لا يوصله رئيس الوزراء تمام سلام الى مجلس الوزراء، فمن المستبعد ان يطرح موضوع التعيين او ترشيح اسماء للمناصب الأمنية في مجلس الوزراء، كما أن قرار التمديد لبصبوص سيخرج من وزارة الداخلية، حتى وان كان متوقعاً ان تتدحرج تداعياته في اتجاه مجلس الوزراء حيث ينتظر ان تكون لرئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون ردة فعل قد تبلغ حد تعليق نشاط وزرائه واعتكافهم عن ممارسة مهماتهم.
الرئاسة الى ذلك، علمت "النهار" ان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إستكمل أول من امس جولة إتصالاته الرئاسية الجديدة عبر موفده الوزير السابق روجيه ديب الذي زار القيادات المارونية الاربع (الرئيس أمين الجميل، العماد ميشال عون،سمير جعجع والنائب سليمان فرنجية) وأطلعهم على معطيات البطريرك في ضوء المحادثات التي أجراها مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أخيرا في باريس.
في موازاة ذلك قالت مصادر نيابية بارزة لـ"النهار" إن كل ما يظهر حتى الآن هو حركة نيابية في 13 أيار الجاري موعد الجلسة الـ 23 لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية والتي ستكون الاخيرة قبل حلول الذكرى السنوية الاولى للشغور الرئاسي. لكن هذه الحركة التي سيقوم بها نحو 50 نائبا ستكون بلا بركة على غرار سابقاتها الـ22. أما في شأن عقد جلسة تشريعية في الدورة العادية الحالية والتي تنتهي بعد ثلاثة أسابيع، فالمعطيات تشير الى إستحالة عقدها وتالياً ما هو مرتقب في حال إنجاز مشروع الموازنة في الحكومة ان تنصرف اللجان الى متابعة مناقشتها في الصيف لتكون جاهزة في العقد العادي الخريف المقبل.
معركة القلمون لا تزال محصورة... قضم متدرّج وكرّ وفرّ
في السياسة، بات واضحاً أن النظام السوري و"حزب الله" يحاولان كسب ورقة القلمون لاستخدامها على طاولة الحوار.
وهناك من يراهن من اللبنانيين على فوز أحد الطرفين، ويتابع المعركة وكأنها مباراة كرة قدم، وهناك من يتمترس خلف الشاشات لمعرفة تأثير هذه المعركة على لبنان وامكان تمددها نحو الداخل. وفي نظرة عسكرية إلى مسار المعركة، يؤكّد العميد المتقاعد أمين حطيط أن "المعركة الشاملة لكل المنطقة لم تبدأ بعد، وما يجري هو معركة مواقع ضمن استراتيجية القضم المتدرج. وفي المقابل يرى العميد المتقاعد نزار عبد القادر أن "المعركة بدأت ونشهد بداياتها"، ومن المبكر في رأيه معرفة استعدادات "حزب الله" لخوضها إلى النهاية. ويقول لـ"النهار": "لا تزال المعركة محدودة ضمن جرود بريتال - عسال الورد، ولم تتمدد في اتجاه الشمال، لأن تقدم "حزب الله" لم يبلغ بعد الطريق التي تصل يبرود برنكوس وصولا إلى الزبداني"، مشدداً على أن "استكمال المعركة في منطقة طولها نحو 100 كلم وعرضها بين 12 و20 كلم، لا بد من أن يستند الى محور طرقي، وهذا هو المحور الوحيد الموجود على السفوح الشرقية لسلسلة الجبال (يبرود - رنكوس – الزبداني)".
تقدم الحزب ورد المعارضة ويروي حطيط تفاصيل تقدم "حزب الله" أمس، قائلاً: "كانت عملية عسكرية خاطفة ومتقنة، نُفذت خلال 6 ساعات، وأدت إلى انهيار 8 مواقع للمسلحين، وقتل نحو 65 مسلحاً، وهرب نحو 100 إلى مواقع بديلة خارج منطقة المعركة ومنهم من فر كلياً، تاركين آلياتهم. وكان هناك منطقة فاصلة بين جرود بريتال، مكان وجود حزب الله وجرود عسال الورد مكان الجيش العربي السوري، فيها ارهابيون، ولديهم مواقع ثابتة وحصينة، والعملية التي نفذت أدت إلى اسقاط هذه المنطقة.
ويرى أنه بهذه العملية "يصبح خط المواجهة، بدلاً من شكل V بطول نحو 20 كلم، من الجنوب في اتجاه الشمال نحو جرود عرسال، وهو مستقيم، فتكون العملية قد قلصت خط المواجهة وعدد مراكز المسلحين، وانحصر الأخيرون في مسافة تراوح بين 4 و8 كلم وتراجعوا إلى الوراء".
وتعترف مصادر سورية معارضة بـ"الانسحاب من جرد عسال الورد والتمركز في جرد الجبة"، إلا أنها تنفي وقوع هذا العدد من القتلى في صفوفها، وتقول لـ"النهار": "جيش الفتح يسير على قاعدة التكتم والسرية في المعلومات إلى حين الموعد المناسب للكشف عنها، وأخيراً أعلن هذا الجيش أنه بعد تسلل حزب الله من جهة لبنان قام المجاهدون بالانسحاب تكتيكيا من جرد عسال الورد لصد تسلل العدو واستنزافه من جديد". وكشفت على "تويتر" أن "حصيلة المعركة حتى الآن مقتل أكثر من 60 عنصرا من حزب الله وجرح العشرات واستشهاد 3 أخوة وجرح 2 وخسائر مادية بسيطة، محذرة من أن "حزب الله يستخدم الأراضي اللبنانية ليتسلل من خلف المجاهدين، ونحذر اللبنانيين من أن الحزب يريد جرهم إلى حرب ليست حربهم وإنما خططت لها إيران".
إذا كان الهدف هو الحسم، فهل سينجح "حزب الله" في هذه المهمة والقضاء على نحو 4000 مقاتل في الجرود؟ يجيب عبد القادر: "أعتقد أن طموحات حزب الله كبيرة بناء على خطاب نصر الله الاخير، وأرى أن الحزب لا يمتلك العدد الكافي من المقاتلين لتغطية منطقة واسعة، لأنه لا يكفي أن يحتل قمة ذات قيمة استراتيجية، بل يجب ابقاء بعض القوى على المراكز التي تم احتلالها لمنع المسلحين من الالتفاف في الوادي واستعادته، لذا فإن المعركة ستكون مبنية على الكر والفر، ويمكن أن تستمر لاشهر طويلة وتتحول إلى حرب استنزاف بالنسبة إلى الطرفين". أما بالنسبة إلى حطيط فيلفت إلى أن "حسم المعركة لا يعني القضاء على كل من وجد فيها، لأن هناك تجارب منها في يبرود وقارة حسمت المعركة فيهما خلال أيام، ولم يؤد ذلك إلى القضاء على الجميع، بل قتل من صمد في المعركة وهم قلة، فيما الحجم الاكبر من المسلحين انسحبوا".
"داعش" في المعركة؟ حتى اليوم لم يطل "داعش" في المعركة إلا بدور واحد، لا يزال مستغرباً، إذ تؤكد مصادر سورية معارضة أن "خلافاً وقع منذ يومين بين "داعش" و"النصرة" بعد هجوم الاول على حاجز لـ"النصرة"، وتدخل مشايخ القلمون لفض الاشتباك، وعاد "داعش" واعتقل 3 عناصر من "النصرة" ليعود ويحررهم تحت الضغط"، فلماذا لم يقاتل بعد "حزب الله" عناصر "داعش"؟ يجيب حطيط: "حزب الله يواجه كل ارهابي يعمل في منطقته بصرف النظر عن التسميات"، أما عبد القادر فيقول: "السبب أن الحزب يقاتل المكون الجديد "جيش الفتح" الذي لا يضم "داعش"، كما أن الاخير لديه نحو 1100 مقاتل في القلمون الشمالي".
هدوء حذر عند الحدود في جبل الشيخ والمنطقة حبلى بالمفاجآت والتدخلات
ذابت الثلوج عن سلسلة جبال لبنان الشرقية، ولن يمر وقت طويل قبل أن تختفي تماماً ليبدأ فصل الجفاف فعلاً على المنحدرات القاسية والتي يشهد مقلبها الشرقي فصولاً متتالية من الحرب الأهلية السورية تطاول بعض صواريخه لبنان، كما جرى في اليومين الأخيرين في منطقة الصويري الواقعة جنوب معبر المصنع الحدودي، والتي وصلت اليها القذائف والصواريخ للمرة الأولى.
الحرب واقعة حتماً ونارها اندلعت في منطقة القلمون، سواء من خلال عمليات استنزاف طويلة أو مواجهات مباشرة، لكن العين على محاور جبل الشيخ ناحية شبعا، وشمالاً في اتجاه تلال عين عطا المتداخلة مع الاراضي السورية، الى منطقة دير العشاير شمالاً المتداخلة أيضاً مع الاراضي السورية، والتي تبدو فرضيات اندلاع أعمال القتال فيها أقرب من أي وقت مضى في ظل تداخل كبير بين القوى الاقليمية هناك، وحال المراوحة بين النظام والمعارضة المسلحة، وتالياً استمرار عمليات الكر والفر على محاور الجنوب السوري، مع استقرار نسبي مشوب بالحذر عند السفح السوري لجبل الشيخ حيث العديد من القرى الدرزية السورية، والتي يقال إن النائب وليد جنبلاط أدى دوراً كبيراً في التاثير والحد من أجواء الاحتقان التي أدت الى وقوع العشرات من القتلى بين الدروز السوريين هناك وبين مسلحي "النصرة" وحلفائها المتحصنين في القرى السنية، أو تلك التي اجتاحوها.
لا تفسير للهدوء النسبي في المناطق السورية عند سفوح جبل الشيخ الشرقية، الا "وساطة" النائب جنبلاط ونصائحه وشبه التواصل بين الجانبين اللبناني والسوري في تلك الناحية القريبة من وادي التيم، في حين تشتعل محاور درعا والسويداء وحوران والبادية السورية بأخبار القصف الجوي وهجمات الكر والفر المتبادلة بين الجانبين. لكن هدوء الجبهات المتقابلة بين مسلحي "النصرة" واهالي جبل الشيخ السوريين لا يعني وقفاً دائماً للنار أو حالة سلام طويلة في مطلق الأحوال، بل أن طبيعة المنطقة الجبلية القاسية شتاء، فرضت الوقف القسري للنار ولتحركات الآليات من الطرفين، والاخبار المتداولة تشير الى استمرار حال التأهب لدى الجانبين في موازاة استمرار التسلح والتذخير على جانبي الحدود، وخصوصاً بين الدروز المؤيدين أو القريبين من "حزب الله" ومن أحزاب 8 آذار في المنطقة اللبنانية.
يشرح من يعرف طبيعة المنطقة السورية من جبل الشيخ، أن ذلك المحور يمتد الى ريف دمشق الجنوبي، وهو ليس أساسياً في تحركات "المعارضات السورية" حالياً على ما يبدو، لعدم تواصله مع خط الدعم والاسناد من الاردن، والواضح أن الجهد ينصب على المحاور الجنوبية الأخرى. لكن اندلاع المعارك في القلمون قد يعيد تحريك الأوضاع ويقلب الأمور رأساً على عقب بهدف تخفيف الضغط عن المسلحين المحاصرين في جبال القلمون من كل الجهات. والرأي لدى العارفين أن اشعال تلك الجبهة في جبل الشيخ قد يشكل متنفساً لقوات "النصرة" وحلفائها ويربك قوى "حزب الله" المسلحة وحلفاءها، الى قوات الجيش اللبناني التي لا تزال تحتفظ بجهوزية عسكرية على امتداد الحدود اللبنانية – السورية سواء من خلال نشر بطاريات مدفعية أو وحدات عسكرية، فالأمور مجهولة تماماً ولا أحد يمكنه التكهن بما قد يلجأ اليه ارهابيو "النصرة" وحلفاؤهم. |