مع أن الشهود السياسيين الذين تعاقبوا على الادلاء بافاداتهم أمام المحكمة الخاصة بلبنان في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري أجمعوا على سرد الوقائع المعروفة والمثبتة في الظروف والملابسات التي سبقت اغتياله، فان ذلك لم يقلل اطلاقاً وهج مثول "الشاهد الاستثنائي" رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط بدءاً من امس أمام المحكمة لمجموعة اعتبارات. ذلك ان جنبلاط شكل اولا ومن الناحية القضائية الصرفة المواكبة لحيثيته السياسية المركزية كلاعب اساسي داخلي نقطة تقاطع في كل الشهادات والافادات السابقة للشهود المعلنين وربما غير المعلنين بعد في ايراد وقائع حساسة لجهة تثبيت القرائن والادلة الظرفية والمباشرة عن المناخ السياسي الذي كان وراء الجريمة. وتبعاً لذلك لم يكن غريباً ان يشكل مثول الزعيم الجنبلاطي أمام المحكمة شاهداً طلباً مباشراً للمحكمة.
ثم ان العامل الآخر الاساسي ايضا يتصل بالدور المحوري الذي يتفرد به جنبلاط نفسه كأحد اللاعبين الاساسيين الذي مرت علاقته بالنظام السوري منذ توليه زمام الزعامة الاشتراكية والجنبلاطية في عام 1977 بمد وجزر هائلين. وليس ادل على الاهمية الكبيرة التي تكتسبها شهادته من ان يبدأ اليوم الاول منها بوقائع اغتيال والده الزعيم الراحل كمال جنبلاط على يد النظام السوري، وينتهي بتهديد هذا النظام للرئيس الحريري عشية التمديد للرئيس اميل لحود "بتدمير لبنان على رؤوسكم"، قبل اشهر قليلة ايضا من محاولة اغتيال "رفيق الدرب" النائب مروان حماده ومن ثم اغتيال الحريري أقرب الاصدقاء الى جنبلاط.
في ظل هذه المعطيات، شكلت شهادة جنبلاط في اليوم الاول من "رباعية" الايام التي سيمضيها شاهداً امام المحكمة طلائع مضبطة التعرية الشاملة للنظام السوري خلال حقبة وصايته على لبنان التي سارع جنبلاط الى تصحيحها بوصفها "احتلالا" حقيقياً. ومضى في صياغة الوقائع المتعاقبة بين اغتيال كمال جنبلاط ورفيق الحريري بلغة الوقائع، من غير ان تفوته التفسيرات السياسية المنطلقة من اتكاء النظام خصوصاً على اميل لحود الذي نقل جنبلاط للمرة الاولى عن الرئيس السوري بشار الاسد قوله مهدداً الحريري: "لحود هو أنا" في دلالة على الحلف الذي حكم لبنان قبيل اغتيال الحريري. واذ تميزت الشهادة ايضا بجولة وافية على الصراع الذي خاضه جنبلاط مع النظام السوري واجهزته في موضوع التمديد للحود، ومن ثم مع اتساع معسكر المعارضة للوصاية السورية، اتخذت افادة جنبلاط في الوقائع التي سبقت التمديد طابع تثبيت الشهادات السابقة وجاءت مطابقة تماماً لها. وروى وقائع "استدعاء الحريري الى دمشق في 2003 الذي كان بمثابة انذار له، اذ قال له بشار انا من يحكم هنا وليس غيري وطلب منه بيع الاسهم التي يملكها في جريدة النهار، وهي من الجرائد المعروفة في الشرق الاوسط وفي لبنان ومعروفة بمواقفها الصريحة والواضحة وانها تراث للديموقراطية كسائر الجرائد في لبنان لكن لها مكانة كبيرة". ثم تناول وقائع اللقاء الشهير الآخر عشية التمديد للحود الذي اعتبر جنبلاط ان كلام الاسد للحريري خلاله شكل "تهديداً سياسياً وجسدياً، فنصحته بالتصويت للتمديد من اجل سلامته لانني اعلم ما يمكن ان يفعله بشار وجماعته". الجلسة 11 في غضون ذلك انعقدت مساء امس في عين التينة الجلسة الحادية عشرة من الحوار بين تيار "المستقبل " و"حزب الله " وسط تصاعد المعطيات الغامضة عن "معركة القلمون" التي يبدو انها احتلت حيزاً من النقاش. وحضر الجلسة المعاون السياسي للامين العام لـ"حزب الله" حسين الخليل والوزير حسين الحاج حسن والنائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن "المستقبل" والوزير علي حسن خليل. وجاء في البيان الصادر عن المجتمعين ان " النقاش استكمل في الملفات المفتوحة وجرى تقويم للوضع الامني في البلاد وتأكيد ضرورة الحفاظ على انتظام المؤسسات الدستورية واستمرار عملها".
وصرح النائب الجسر لـ"النهار" ان جو اللقاء "كان هادئا وصريحا تخلله بحث شامل في الوضع الامني وتداعياته". وأضاف: "جرى الاستفسار عما تنشره وسائل الاعلام عن معارك مرتقبة في القلمون السوري وحقيقتها والاحتمالات التي ستترتب عليها وتداعياتها". ولفت الى ان المجتمعين "أبدوا حرصاً على الحفاظ على إستمرار عمل المؤسسات الدستورية وسنرى كيف سيترجم هذا الحرص". وعلمت "النهار"، أن الجلسة المقبلة ستعقد في التاسع عشر من الجاري.
وينتظر ان يتطرق الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مساء اليوم عبر محطة "المنار" الى التطورات في القلمون وخصوصاً بعدما حشد الحزب الآلاف من مقاتليه في الجرود وفي الداخل السوري للبدء بعملية "اعادة انتشار وتثبيت مواقعه في السلسلة الشرقية"، عدا انه سيفرد حيزاً للحديث عن الاوضاع المحلية خصوصاً بعد لقائه العماد ميشال عون الخميس الماضي. وليس متوقعاً ان يحسم أمره لجهة القبول او رفض التمديد للقادة الامنيين، إلا انه استناداً الى مصادر مقربة سيكرر التزام الحزب ترشيح عون للرئاسة، كما فهم انه سيتطرق الى الملف اليمني.
التحرك الرئاسي وفي الموضوع الرئاسي، علمت "النهار" ان التحرك الذي بدأه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وافتتحه مع الرئيس امين الجميّل، يأتي متزامناً مع تحرك فرنسي تعهده الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لدى استقباله البطريرك في باريس. وينطلق تحرك البطريرك الداخلي على مستويين: مسيحي يهدف الى تضييق نطاق المرشحين، ووطني يهدف الى ايجاد توافق على المرشح المسيحي الذي يتم الاجماع على ترشيحه. ويستكمل البطريرك تحركه في الايام المقبلة، فيتواصل مع القيادات المسيحية سواء مباشرة أو عبر موفدين. وسيتوّج تحرك بكركي بالتزامن مع التحرك الفرنسي بوصول موفد بابوي الى بيروت في نهاية الشهر الجاري. ومن المتوقع ان يلتقي الرئيس هولاند اليوم في الرياض، التي وصل اليها أمس، الرئيس سعد الحريري. جنبلاط للمحكمة الدولية: القادة السوريون المقتولون أساسيون في كشف تفاصيل اغتيال الرئيس الحريري
كلوديت سركيس استهل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط افادته شاهداً أمام غرفة البداية لدى المحكمة الخاصة بلبنان برئاسة القاضي ديفيد راي، بالحديث عن قتل النظام السوري والده الزعيم كمال جنبلاط عام 1977 لمعارضته دخول الجيش السوري لبنان.
وقال: "بعد أربعين والدي دفعني انتمائي العربي والمخاطر المحدقة بلبنان الى عقد صفقة تسوية سياسية مع الذين اغتالوا والدي، الذي كان يعلم أنه سيُقتل. وأتته معلومات عدة بينها من الرئيس المصري أنور السادات الذي نبهه وطلب منه البقاء في مصر، فرفض، مصراً على العودة. وحقق القاضي العدلي حسن قواص في قضية مقتله. ولديّ نسخة من هذه التحقيقات التي روت كيف تعقبوا كمال جنبلاط في سيارة الى مشارف بعقلين وكيف ذهبت هذه السيارة بعد اغتياله الى مركز المخابرات السورية في سن الفيل". وكشف ان لائحة باسماء شخصيات سلّمت الى كمال جنبلاط، بينها ريمون إده "الذي انتصح من السادات وترك لبنان وعاش في فرنسا الى ان توفي".
وتحدث جنبلاط عن استهزاء الرئيس السوري حافظ الأسد بإده في زيارته الاولى لسوريا. وأجبته مقاطعاً: "على العكس، إده شخصية مرموقة". كان عليّ في ظل الواقع السياسي التعامل معهم. كنت مضطراً الى ذلك. قتلوا لاحقاً خيرة الساسة في لبنان. لقد حاولنا ان نجد فرصة لبنانية للحكم، ولكن النظام المخابراتي اللبناني – السوري ألقى القبضة الأمنية على كل المفاصل السياسية والأمنية. وجيء بلحود قائداً للجيش، ولم يكن للحريري والهراوي أي تاثير عليه، كان بأمرة لحود كاملة تحت اشراف الجيش السوري، لذا اتخذنا الحذر وتمكنا من تأخير وصوله الى الرئاسة ثلاث سنوات. كان لحود الممثل الأقوى للنظام السوري، ويأتمر به وبما تمليه عليه الاجهزة السورية. وأنا ضد وصول عسكري الى الحكم. لديّ حساسية على العسكر، الى جانب عدم اقتناعي بلحود. وأيدت استثنائياً الرئيسين فؤاد شهاب وميشال سليمان لأن لديهما حيثية ديموقراطية. والآن نحن في انتظار أن تأتي التسوية، وسنرى لمن سنصوّت".
واستطرد جنبلاط: "لم يكن لبنان بلداً مستقلاً. لم نرغب في أن نكون ملحقاً لسوريا. فبالنسبة الى حزب البعث الاشتراكي، نحن نسمّى قطراً من الامة العربية. ولا وجود لنا بالمعنى السياسي. وكنا مثل محافظة، لذا كنا نواجه عقيدة سياسية متينة لا تعترف بالغير. ولم تكن تربطنا علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا". وذكر ان نواباً تعرضوا لضغوط من "الارادة الإلهية"، أي أمر معلومات من الاسد الذي قال "الى الأبد" لانتخاب لحود، وصوّتنا ككتلة ضده. فكانت بداية التحول عام 1998 تجاه النظام السوري. ونتيجة تلاصق المصالح بين لحود وبشار وصلنا عام 2005 الى اغتيال الحريري".
وبسؤال آخر، قال جنبلاط انه التقى الرئيس بشار الاسد مرتين على حياة الرئيس الأب بدعوة من غازي كنعان. في اللقاء الأول طرح عليّ أسئلة سخيفة. وبعد مغادرته قال لي كنعان أريدك ان تعلم من هم آل الأسد. وتذكرت هذه الكلمة أواخر 2005 عندما أجبر كنعان على الانتحار. ولم يكن اللقاء الثاني مريحاً. كانت أسئلته عن الحريري وسوليدير ومشاريعه. ولاحقاً التقيته عام 2001 حيث كانت الخطوة الثانية في المواجهة ضد النظام السوري".
وتحدث جنبلاط عن علاقة صداقة قوية ربطته بنائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام ورئيس الاركان حكمت الشهابي الذي رفض الاستمرار في مهماته في عهد الرئيس الأبن. وأشار الى أن المسؤول الأمني محمد ناصيف كان معادياً للحريري. وقال: "مرّت عليّ في حياتي كسياسي كؤوس مرّة. والكاس الأولى عندما صافحت من قتل والدي. وكنت دائماً في الحلقة الضيقة في دمشق من خلال الشهابي أو خدام أو ناصيف الذي كان يصف الشهابي بالمطبخ المسمم. وفي الاحاديث الجدية وغير الجدية كانوا يرون في رفيق الحريري، السني القوي في لبنان، والرجل اللبناني والعربي والدولي الذي يريد لبنان مستقراً ومزدهراً. اخافهم الحريري، اما المطبخ المسمم فكان الشهابي الذي يعلم بتركيبة النظام السوري السياسية والامنية والمذهبية. لذا عادى الحريري، في مكان ما. وسبب هذا العداء ان النظام السوري مبنيّ على التقارير وتحكمه أجهزة تتجسس".
وبسؤاله كيف ينظر الى وفاة المسؤولين الامنيين السوريين غزالي وكنعان وجامع جامع وآصف شوكت، أجاب: "كل الذين عملوا في شكل أو آخر أو شاركوا في اغتيال الحريري، من كنعان، الذي لا أعرف اذا كان شارك، إنما أجبر على الانتحار، وشوكت الصهر الذي قتل بعدما رقي الى رتبة عماد يوم مقتل الحريري، ولكن كان لا بدّ من تصفيته لأن الحلقة بين الآمر والرابط يجب أن تزول، وبالأمس صُفّي غزالي. وهؤلاء كان يمكن ان يموتوا. هم أساسيون في عملية كشف اغتيال الحريري".
وأضاف في موضع آخر: "اعتقد ان لجنة التحقيق الدولية حققت مع كنعان وغزالي. ولو قدّر لغزالي ان يُستدعى الى لاهاي لقدّم أدلة على اغتيال الحريري. ووصف علاقته بالأخيرة بأنها "كانت غير ودية". وقال "إن علاقة الحريري بالنظام السوري تغيرت مع بشار الأسد. ظن الحريري أنه يستطيع اداء الدور نفسه الذي أدّاه أيام حافظ الأسد.
وعن لقاء الحريري بالاسد في كانون الاول 2003 قال جنبلاط: "أخبرنا الحريري كيف استدعي الى دمشق وقابله الاسد في حضور الضباط السوريين غزالي وكنعان ومحمد خلوف. وكان إنذار للحريري، إذ قال له الأسد: "أنا من يحكم هنا وليس غيري". وطلب منه بيع اسهم امتلكها الحريري في جريدة "النهار" المعروفة بمواقفها الصريحة والواضحة والديموقراطية، ولها مكانة كبيرة في الشرق الأوسط. واعتبر الاسد ان مشاركة الحريري فيها يساهم في رسالة عدائية له. وهذا استنتاجي السياسي". بدا لي الحريري قلقاً. هدّده رئيس دولة. هو حرّ في ما يمتلكه. وبيع الأسهم في "النهار" يعني ان الاسد يتعرض لحرية الصحافة".
وتناول جنبلاط زيارة غزالي له في 25 آب 2004 في كليمنصو عشية التمديد للحود بعدما حدد له موعداً مع الاسد في اليوم التالي، وأبلغه جنبلاط فيه موقفه برفضه التمديد، فسأله غزالي: "أنت معنا أو ضدنا؟". وفي المساء نفسه تلقى الوزير السابق غازي العريضي اتصالاً من غزالي أبلغه فيه الغاء موعد جنبلاط مع الاسد. وفي اليوم نفسه ألغى عشاء في بعبدا مع لحود.
وعن زيارة الحريري للأسد في شأن التمديد قال جنبلاط: "جلسنا في الحديقة وكان الحريري مكفهراً، غاضباً حزيناً غريباً. والى جانبه باسم السبع، وقال الحريري إن الأسد بادره "عليك بلحود. فلحود هو أنا، واذا كان شيراك يريد اخراجي من لبنان فسأكسره، واذا كان لجنبلاط جماعة من الدروز في لبنان فلي أيضاً جماعة من الدروز في سوريا". اعتبرت كلام الاسد تهديداً سياسياً وجسدياً للحريري. ونصحته بالتصويت للتمديد من أجل سلامته الجسدية، لأنني أعلم ما يمكن أن يفعله بشار وجماعته. الأسد استقبل الحريري أقل من ربع ساعة. لم يسمح له بالجلوس، وتلقى تهديداً مباشراً. أما أنا فلم أصوّت للتمديد لاقتناعي بأنه لا بد من الوصول الى لبنان حر يحكم نفسه بنفسه وبعلاقة مميزة مع سوريا. عام 2004 كانت قمة المواجهة مع سوريا والقرار 1559 لم يكن ليصدر لولا التمديد للحود". ورفعت الجلسة الى اليوم للمتابعة.
|