التاريخ: نيسان ٥, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
تحقيق: «الحشد الشعبي» في العراق: «باسيج» عراقي تجاوز فتوى «الجهاد الكفائي»
بغداد – علي السراي 
لم تعد قوات «الحشد الشعبي» في العراق مجرد جماعات من المتطوعين لقتال تنظيم ما يعرف بـ «الدولة الإسلامية»، تلك التي تجمعت بعد أن أطلق المرجع الديني الأعلى علي السيستاني في حزيران (يونيو) 2014 نداءه، إذ باتت اليوم قوة توازي تأثير القوات المسلحة التابعة للدولة وصلاحياتها، بينما تُطرح خيارات مختلفة عن مستقبلها بعد تحرير مناطق شمال العراق وغربه، في ما يمهد لتعقيدات سياسية وتغيرات محتملة في العملية السياسية.

بدأ الأمر بانخراط المئات من المتطوعين في القتال ضد التنظيم، وكانت المطارات العسكرية في بغداد وسامراء تشهد إقلاع وهبوط مقاتلين غير مدربين متحمسين لتلبية فتوى السيستاني التي عُرفت بـ «الجهاد الكفائي»، وكان الكثيرون منهم يتركون في مناطق القتال من دون إسناد من القوات العراقية التي كانت تعاني من لحظة انكسار ثقيلة خلفتها أحداث الهزيمة في مدينة الموصل، لينهار الجيش فيها وتسقط على التوالي مدن أخرى في الشمال والغرب.

لاحقاً، انفتح «الحشد الشعبي»، مع مشاركة منسقة للجيش في العمليات، على تنظيمات مسلحة شكلت العصب الأساسي للعمليات العسكرية بالنسبة للمقاتلين الذين لبوا فتوى السيستاني، وهي الفتوى ذاتها التي شكلت المنصة الشرعية لانخراط مقاتلين منظمين في جماعات مسلحة كبيرة، بعضها تشكل قبل عام 2003، والبعض الآخر ولد في خضم اضطرابات الوضع العراقي بعد إسقاط نظام صدام حسين.

وساعدت حشود المتطوعين على الأرجح القوات العراقية في وقف الانهيار التام أمام زحف «الدولة الإسلامية»، لكن سياسيين عراقيين يخشون من أخطار وجود هذه القوة التي من الممكن أن تزيد من حدة الطابع الطائفي للصراع.

هيكل «الحشد الشعبي»

لا يوجد إحصاء دقيق لعديد مسلحي «الحشد الشعبي»، حيث تتضارب الأرقام في شكل حاد بين جهة وأخرى، فضلاً عن التفاوت الناجم عن تنافس القوى المسلحة على صدارة النفوذ في معادلة القوى الأساسية المشكلة للحشد.

وعلى رغم أن التفاوت في الأرقام يبدو كبيراً، إلا أنّ غالبية الترجيحات تفيد بأن العدد التقريبي للمقاتلين هو نحو 118 ألف مقاتل، منهم 60 ألفاً ينخرطون فعلياً في القتال، أما العدد المتبقي فهو محل جدل بين مقاتلين وهميين يجرى الحديث عنهم، يتقاضون رواتب تذهب مباشرة إلى زعماء الفصائل المسلحة الذين دفعوا قوائم بأسماء المقاتلين العراقيين المتطوعين للسلطات العراقية بهدف تجهيزهم ودفع رواتبهم. لكن ثمة عناصر من الحشد الشعبي لا يشتركون في القتال في مناطق وجود تنظيم «الدولة الإسلامية»، بل ينتشرون بسلاحهم وزيهم المرقط في مدن جنوب العراق وبلداته ضمن قوات تضم «الحشد الشعبي» الذي ليس بمقدور مقاتليه الالتحاق بالمعارك، وفق ما يفيد به مصدر خاص في الحوزة بمدينة النجف.

ويتجول هؤلاء في مدنهم، بهدف حمايتها من تهديدات محتملة قد ينفذها مسلحو «الدولة الإسلامية»، في مناطق الغالبية السكانية الشيعية. وعرف سكان بغداد ومدن في الوسط والجنوب تسيير دوريات لعناصر الحشد الشعبي يقومون بواجبات الحماية الأمنية، ويقول سكان في بلدات جنوب العاصمة، تحدثت معهم «الحياة»، أنهم شاهدوا دوريات حراسة للحشد الشعبي في مناطقهم، كل يوم بعد منتصف الليل.

أما موازين القوى داخل «الحشد الشعبي»، فإنه انعكاس غير معلن للتنافس السياسي بين القوى العراقية، لكن الإيقاع هذه المرة تحول إلى أن يكون تحت سيطرة المزاج الشعبي الذي حددت معاييره وفقاً لمشاركة ممثليه السياسيين في المعارك.

ووفق هذا المعيار، فإن منظمة «بدر» التي يقودها وزير النقل السابق هادي العامري، تتصدر المشهد على أقل تقدير من الناحية الإعلامية، فضلاً عن الحضور الميداني المكثف في مناطق العمليات، وتفيد التقديرات بأن منظمة «بدر» تضم نحو 12 ألف مقاتل وهو عدد كبير مع الأخذ في الاعتبار أن عدداً كبيراً منهم منخرط رسمياً في تشكيلات الجيش والشرطة، من بينهم ضباط كبار.

وتقترب من منظمة «بدر» في هذه المنزلة «عصائب أهل الحق» المنشقة عن التيار الصدري بزعامة قيس الخزعلي. وقد شهدت العمليات العسكرية في ديالى حضوراً «قيادياً» لهذين الفصيلين في شكل بارز، فضلاً عن فصائل أخرى. وانشق الخزعلي عن تيار رجل الدين مقتدى الصدر منذ عام 2007، ويقدر عدد مقاتليه بنحو 1500 مقاتل، ويحظون بسمعة قتالية قوية وارتبطت بهم عمليات نوعية في بغداد والمحافظات، حتى قبل ظهور تنظيم «داعش».

لكن الفصيل البارز من جهة العدد والتجهيز هو «سرايا السلام»، التابعة للتيار الصدري ومقاتلوه بطبيعة الحال من جيش المهدي، سوى أن التسمية الجديدة ارتبطت بفتوى الجهاد الكفائي، وقد حاول مقتدى الصدر بهذه التسمية محاولة الاختلاف، وتطمين قطاع عراقي متخوف من التشكيل «الشيعي» لقوام الحشد الشعبي، لكن الصدر جمده وعاد ليكسر قرار التجميد أكثر من مرة، تحت مبررات سياسية قال أنها «اعتراضه» على تصرفات ما وصفها بـ «الميليشيات الوقحة» على حد تعبيره، في حين ثمة نزاع بين القوى الشيعية بالدرجة التي تعكس طبيعة العلاقة مع إيران التي انتخبت بعض المجاميع الشيعية لدعمها.

ثمة فصائل شيعية أخرى منخرطة في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، منها حركة حزب الله (النجباء) بقيادة أكرم الكعبي. وكتائب حزب الله العراق، بقيادة الحاج هاشم أبو آلاء الحمداني، وعديدها 600 مقاتل. وكتائب سيد الشهداء، بقيادة أبو مصطفى الشيباني، وعديدها 400 مقاتل. وفيلق «الوعد الصادق» بقيادة محمد التميمي، وعديده 2000 مقاتل. وسرايا طلائع الخراساني، بقيادة علي الياسري، وعديدها 200 مقاتل. وقوات محمد باقر الصدر، بقيادة أبو مهدي المهندس جمال جعفر، وعديدها 300 مقاتل. ولواء أبو الفضل العباس، بقيادة أمجد البهادلي، وعديده 500 مقاتل، ويعد الفصيل العراقي الأكثر شهرة منذ اندلاع الأزمة السورية. ولواء الإمام الحسين، بقيادة أبو شهد الجبوري، وعديده 150 مقاتلاً.

لكن الفصيل المسلح الذي برز تماماً منذ اجتياح تنظيم «الدولة الإسلامية» مدينة الموصل، هو ما يعرف بـ «كتائب الإمام علي»، ويقدر عديده بنحو 3000 مقاتل، يرتدون زياً عسكرياً رسمياً موشحاً بشارة صفراء تشير إلى شعار المنظمة.

لقد برزت هذه الحركة المسلحة في مناطق آمرلي وطوز وديالى وهي تحارب إلى جانب جماعات مسلحة أخرى. ويتداول عراقيون قصصاً عن شدة هؤلاء المقاتلين وقوتهم، حتى نُشر أخيراً مقطع فيديو للكتائب يُظهر الرؤوس المقطوعة لأشخاص قيل أنهم من «داعش».

هذه الجماعة، أيضاً، تقوم بتدريب مسيحيين عراقيين لتشكيل جماعة تُدعى «كتائب روح الله عيسى بن مريم». الأمين العام لـ «كتائب الإمام علي» شبل الزيدي، كان قيادياً في صفوف «جيش المهدي». وكان سُجن أثناء وجود القوات الأميركية في العراق، إلا أن الحكومة العراقية أطلقت سراحه في عام ٢٠١٠، بوساطة قيادي شيعي بارز في حزب «الدعوة»، وفق مصادر خاصة تحدثت إلى «الحياة».

وتفيد المصادر بأن نوري المالكي كان قد حصل على ولاء غالبية الجماعات المسلحة الشيعية، في إطار التنافس مع مقتدى الصدر، إذ ظهر أنه قدم تسهيلات مختلفة لمنشقين من «جيش المهدي».

وقد ظهر الزيدي خلال المعارك في الأشهر القليلة الماضية مع قاسم سليماني قائد «قوة القدس» التابعة لـ «الحرس الثوري الإيراني»، يرفقة القيادي الشيعي البارز الآخر «أبو مهدي المهندس».

ويقود المهندس قوة «محمد باقر الصدر»، لكنه ينسق مع بقية الفصائل، ومع «كتائب الإمام علي» على وجه الخصوص، حيث يقول مقاتلون في الحشد أن توسع نفوذ ونشاط كتائب الزيدي يعود إلى دور محوري لعبه المهندس.

والمهندس، من أكثر الشخصيات ظهوراً مع سليماني، وفي الحقيقة، إنه مقرب جداً من الإيرانيين، لكن اللافت أن مصادر في «قاعدة البغدادي» في الأنبار قالت أنه حضر لبعض الوقت لتدريب مقاتلين سنّة، في الوقت الذي كان المستشارون الأميركيون يوجدون هناك.

ومع أن خريطة الحشد الشعبي بالغة التفرع، إلا أن شخصيات أربع تسيطر على تحركاتها ونشاطها العسكري، ويبدو أن الأدوار موزعة بين خطين ثنائيين، الأول يضم هادي العامري وقيس الخزعلي، والثاني شبل الزيدي وأبو مهدي المهندس، وعلى طول الخطين كان سليماني حاضراً.

قوة حماية

وينظر كثر من الشيعة اليوم، بعد سنوات من الشكوى العميقة من تدهور الأمن وتعرض مناطقهم للسيارات المفخخة، إلى الحشد بصفته القوة الأكثر قدرة على حمايتهم، على رغم أنهم يحرصون على جعل «الحشد» مرتبطاً بأوصاف «وطنية» تحاول الإفلات من الدافع العقائدي والطائفي.

لكن الحشد تحول إلى مناسبة للنزاع الطائفي، ووقع بين كماشتين سنّية رافضة وشيعية مدافعة باستماته، فيما يقابل الإعلام الإيراني الذي يصف قاسم سليماني بقائد متطوعي الحشد، فتوى من جامع الأزهر وصفت مقاتلي الحشد بـ «قتلة طائفيين».

يقول قيادي شيعي بارز في التيار الصدري: «لم يكن هناك أي تردد في حماية الحشد الشعبي من أي قرار يمكن أن ينهي وجوده (...) هكذا كانت الوجهة العامة قبل أن تنقلب المعادلة». لقد كانت الكواليس الشيعية تتحدث عن المستقبل الخاص بالحشد بصفته قوة للأمن الداخلي، توضع تحت حماية الدولة ودعم من الجماعات السياسية الكبيرة، وكان هذا الوصف دقيقاً من جهة الشبه بمهمات قوات «الباسيج» في إيران، وهي التي تختلف عن الحرس الثوري، فالأخير له مصالح كبيرة ومهمات تتعلق بالأمن القومي.

المعادلة تتغير

لقد حقق الحشد الشعبي تقدماً واضحاً في بلدات محيطة بتكريت (شمال بغداد) قبل أن يتوقف عند حدودها، بإعادة الزخم وتقوية الصفوف، كما صرح هادي العامري، لكن التوقف امتد إلى زمن أكثر مما يستحقه ذلك، وقد تزامن التأخير مع حديث أميركي مختلف عن دور الحشد الشعبي، وضرورة أن يكون الدعم العسكري لواشنطن بالتزامات شيعية في مناطق العمليات.

وعاد قاسم سليماني إلى إيران، تاركاً الحشد مجمداً عملياته الكبرى لتحرير المدينة، وقال العامري أن قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني غادر مدينة تكريت، وأشار إلى أنه يوجد في العراق «عندما نحتاجه».

على الفور، بدأت التحضيرات لدور أميركي في تكريت، وما إن حلقت طائرات إف 16 الأميركية ليلة 26 آذار (مارس)، ترددت أنباء عن انسحاب فصائل شيعية من القتال احتجاجاً على المشاركة الأميركية. وتداولت وسائل إعلام محلية أخباراً نقلاً عن مراسليها أنهم شاهدوا «أرتالاً» طويلة تعود إلى بغداد. وهنا قال العامري أن مشاركة التحالف الدولي «تمنع الحشد من استعمال طائراته المسيرة».

لقد كان هذا التحول نقطة حاسمة في تشكيل هوية الحشد الشعبي على المدى البعيد، وهي تمنح إشارات واضحة عن طبيعة دورها. وفي هذه المرحلة يقول سياسيون شيعة أن الحشد عبر الضفة التي حددتها أو رسمتها فتوى السيستاني، خصوصاً بعد تحوله من متطوعين متحمسين إلى هيكل شديد التنظيم، الأمر الذي قالت عنه مصادر في حوزة النجف في العراق أنه «لم يكن أبداً إلا مصدر متابعة وقلق»، فالخشية كانت تنصب على ما ستؤول إليه الأمور، لكن كان من الصعب فتح ملف الحشد بينما هو «ينزف في الميدان ضد داعش».

أبرز القيادات :

هادي العامري

لقد تحول الرجل إلى أيقونة عراقية بعد أشهر كان نجمه فيها قد أفل على خلفية حادثة ابنه مع الطائرة اللبنانية، وأحاديث عن إصراره على أن يكون وزيراً للداخلية في حكومة العبادي، لكنه نال استحساناً شعبياً خلال مشاركته في المعارك.

العامري الملقب بـ «أبو حسن العامري»، وهو وزير النقل السابق وعضو مجلس النواب الحالي يتولى في الوقت الحاضر قيادة منظمة «بدر» وقيادة كتائب الحشد الشعبي العراقية المساندة للجيش العراقي.

العامري الحاصل على البكالوريوس في الإحصاء من جامعة بغداد عام 1976، بدأ مشواره مع المعارضة الشيعية مطلع الثمانينات، عندما غادر العراق بعد إعدام المرجع الديني محمد باقر الصدر، إلى سورية، وهناك اتصل بالمجلس الإسلامي الأعلى بقيادة محمد باقر الحكيم، ثم سافر إلى إيران، وأمضى كل السنوات التي تلت هناك وشارك في تأسيس فيلق بدر الذي كانت له عمليات في جنوب العراق ومنطقة الأهوار في ما عرف فيما بعد بـ «مجاهدي الأهوار» ونتيجة لذلك قام نظام صدام حسين بتجفيف الأهوار.

فاز مع ائتلاف دولة القانون، والذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بـ22 مقعداً من كتلة بدر النيابية وكان الأقرب للظفر بمنصب وزير الداخلية لولا التوافقات السياسية التي أفضت إلى تولي نائبه المنصب.

بعدها ابتعد عن مجالس بغداد السياسية، وتفرغ تماماً للعمل العسكري الميداني قائداً لكتائب الحشد الشعبي.

قيس الخزعلي

الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق في العراق وهو من مواليد 1974 ومن تلامذة المرجع الديني محمد صادق الصدر.

الخزعلي كان اليد اليمنى لرجل الدين مقتدى الصدر نجل محمد الصدر وشارك معه في حرب النجف التي خاضها جيش المهدي ضد القوات الأميركية غير أن الخزعلي أعلن انشقاقه عن جيش المهدى لينفرد في تشكيل سرايا «عصائب أهل الحق» التي كانت جزءاً من جيش المهدي.

وانشق الخزعلي مع محمد الطابطبائي الذي أصبح في ما بعد رئيس مجلس شورى عصائب أهل الحق، وكلاهما من أتباع مقتدى الصدر المقربين والذين كانوا في ما يسمى بالحوزة الناطقة التي يتزعمها المرجع محمد الصدر.

الخزعلي الذي تم اعتقاله من جانب القوات الأميركية على خلفية عملية نفذها في كربلاء اعتقل فيها ضباطاً أميركيين سبقتها عمليات مسلحة نفذها ضد القوات الأميركية.

أبو مهدي المهندس

كان الصحافيون والسياسيون في العراق يأتون على ذكر المهندس بصفته رجلاً غامضاً، وكان من بين أبرز ما جرى تداوله عنه أنه حليف قوي لإيران.

اسمه الحقيقي جمال جعفر محمد البصري الإبراهيمي، وهو واحد من بين 17 شخصاً اتهموا بالتفجيرات التي حدثت في الكويت وتم الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

استطاع الفرار من سجنه عند غزو نظام صدام الكويت. انتقل إلى إيران.

عمل في صفوف فيلق بدر عندما اندلع الخلاف بين باقر الحكيم وقيادي شيعي بارز آخر يدعى أبو علي البصري، قبل أن يتمكن الحكيم من عزل البصري ليصبح أبو مهدي الرجل الأول في الفيلق.