لوزان (سويسرا) - موسى عاصي لم يكن مئات الصحافيين الذين ملأوا مقاعد الصالة الكبرى في معهد "بوليتكنيك" لوزان يتوقعون هذا الكم الهائل من المفاجآت في نهاية جولة صعبة وشاقة من المفاوضات. وبعد حبس أنفاس دام 48 ساعة منذ نهاية مهلة 31 آذار، خرج الدخان الابيض ونتج من مفاوضات 18 شهراً جالت على مدن وعواصم عدة اتفاق متكامل يتضمن كل التفاصيل عن كل البنود ينقصه فقط وضع تواقيع الاطراف عليه ليصير نافذا ولتخرج ايران دولة نووية "لاغراض سلمية" من دون حظر أو عقوبات.
وربحت ايران رفع العقوبات الاوروبية والدولية فور توقيع الاتفاق في نهاية حزيران المقبل، ووُعدت بقرار جديد يصدر عن مجلس الأمن يلغي كل القرارات الدولية التي صدرت بين عامي 2006 و2010 وتحديداً الأكثر ايلاماً بالنسبة الى الاقتصاد الايراني والذي يحمل الرقم 1929 تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وفي وسع ايران اعتباراً من مطلع تموز المقبل، في حال سارت الامور بحسب المرسوم، ان تعود الى المجتمع الدولي دولة اقتصادية بكامل قوتها، تنام على 9% من احتياط النفط العالمي وتفتح أبوابها لمئات الشركات التي تنتظر الاتفاق بفارغ الصبر وفي أيديها عقود تنتظر التوقيع.
وفي مقابل كل ما حصلت عليه ايران، تعهدت تقليم أظافر برنامجها النووي وحصره باغراض مدنية واخضاعه لمراقبة دقيقة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد تبنيها البروتوكول الاضافي الذي يجيز للخبراء الدوليين تفتيش المنشآت النووية من دون أي قيد أو شرط. فالاتفاق يقر لايران بالمحافظة على نشاطها النووي بـ6000 جهاز طرد مركزي، لكنه يحصر التخصيب في منشأة نتانز، ويحول منشأة فوردو منشأة للدراسات النووية والفيزيائية المتطورة بمساعدة بعض دول 5+1 من أجل انتاج اجهزة تستخدم في الصناعة والزراعة والطب . أما بالنسبة الى مفاعل "أراك" الذي يعمل على الماء الثقيل فسيحافظ على انتاج البلوتونيوم ولكن بنسب قليلة. وحصلت ايران على اعتراف باستكمال ابحاثها في المجال النووي لكن تفاصيل هذا البند لم تتضح في البيان المشترك وستترك للمفاوضات التفصيلية في الاشهر المقبلة. وحددت مدة الاتفاق بعشر سنين، تماما كما كان اقترح الرئيس الاميركي باراك اوباما قبل اسابيع وشكلت هذه المدة نقطة وسط بين ايران التي كانت تصر على سبع سنوات وفرنسا التي كانت تطالب بما بين 15 و25 سنة.
وتلت الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الامنية فيديريكا موغيريني خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف مضمون الاتفاق بالانكليزية، بينما تلا ظريف هذا المضمون بالفارسية.
أوباما وأشاد الرئيس الاميركي باراك أوباما بالتوصل الى تفاهم "تاريخي" على البرنامج النووي لايران والذي، اذا توّج باتفاق نهائي بحلول 30 حزيران، "سوف يحول دون حيازتها السلاح النووي".
وقال للصحافيين في البيت الابيض: "اليوم، توصلت الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها الى تفاهم تاريخي مع ايران". وأوضح ان "ايران وافقت على نظام شفافية وعلى عمليات تفتيش هي الأعمق في تاريخ التفاوض حول البرامج النووية"، مشدداً على ان ايران في نهاية المطاف لن تكون قادرة على حيازة قنبلة تستخدم البلوتونيوم.
وأفاد ان ايران ستخضع لـ"عمليات تفتيش أكثر من أي دولة أخرى في العالم"، مستبقا بذلك أي انتقادات خصوصا في الكونغرس الاميركي وكذلك من المملكة العربية السعودية واسرائيل اللتين تخشيان عدم التزام ايران تعهداتها، وان "العالم سيعلم" اذا مارست ايران الخداع. وحذّر من أنه "اذا لاحظنا أي أمر مريب فسنقوم بعمليات تفتيش".
وتحدث عن الجهود التي بذلتها ايران من أجل التوصل الى اتفاق في لوزان "فقد وفت بكل التزاماتها وتخلصت من مخزونها من المواد النووية الخطرة وازداد عدد عمليات تفتيش البرنامج النووي الايراني". لكنه أكد ان "العمل لم ينته بعد".
وأعلن انه اتصل هاتفياً بالمستشارة الالمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وانه سيتصل برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال النهار.
وقال البيت الأبيض إن أوباما اتصل أيضاً بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للبحث في خطة العمل في شأن الاتفاق النووي مع ايران. وكشف الرئيس الأميركي من جهة أخرى عقد قمة في كمب ديفيد في الربيع بمشاركة زعماء دول الخليج للبحث في سبل تعزيز التعاون والسعي الى حل "مختلف النزاعات التي تتسبب بمعاناة شديدة وعدم استقرار في الشرق الاوسط". لكن رئيس مجلس النواب الأميركي جون بوينر رأى أن الاتفاق - الاطار النووي الذي أعلن بين إيران والدول الست الكبرى يمثل "انحرافاً مثيراً للقلق" عن الأهداف المبدئية لأوباما. ولم يذكر كيف ابتعد الاتفاق عن أهداف التفاوض الأولية ، لكنه اكد إن الكونغرس يجب أن يراجع الاتفاق تماماً قبل رفع أي عقوبات مفروضة على إيران. وقال: "في الأسابيع المقبلة سيواصل الجمهوريون والديموقراطيون في الكونغرس الضغط على هذه الإدارة في شأن تفاصيل هذه المعايير والأسئلة الصعبة التي بقيت من دون إجابات".
ايران وكتب الرئيس الايراني حسن روحاني في تغريدة بموقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي ان "حلولاً حول المعايير الرئيسية للملف النووي لايران تم التوصل اليها. ان صياغة (الاتفاق النهائي) ينبغي ان تبدأ فورا لينجز بحلول 30 حزيران". وصرّح ظريف ان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيوقفان تطبيق العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي بموجب اتفاق شامل سيوقع بحلول 30 حزيران. ولفت الى أن التوصل إلى اتفاق نووي مع القوى العالمية الست لا يعني علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة. قائلاً: "العلاقات الأميركية - الإيرانية لا صلة لها بهذا... وهو ما كان محاولة لحل القضية النووية... لدينا خلافات كبيرة مع الولايات المتحدة... انعدمت الثقة بيننا في الماضي... لذا آمل في إمكان استعادة بعض الثقة من خلال التنفيذ الشجاع لهذا. لكننا سوف ننتظر ونرى". وأفادت "وكالة الصحافة الفرنسية" ان الايرانيين نزلوا الى الشوارع للاحتفال بالاتفاق النووي.
اسرائيل ورفضت إسرائيل الاحتفاء بالاتفاق - الاطار بين ايران والغرب. وقال وزير الشؤون الاستراتيجية يوفال شتاينتس في بيان بعد اعلان الاتفاق: "الابتسامات في لوزان بعيدة عن الواقع البائس الذي ترفض فيه ايران تقديم أي تنازلات في الموضوع النووي وتواصل تهديد اسرائيل وكل الدول الأخرى في الشرق الأوسط... سنواصل جهودنا للشرح واقناع العالم على أمل منع اتفاق (نهائي) سيئ".
بان كي – مون وفي نيويورك ، هنأ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون الدول الموقعة لاتفاق لوزان والمتمثل بـ"اطار العمل السياسي الذي يعبد الطريق من أجل خطة مشتركة شاملة تاريخية" في 30 حزيران المقبل، وقال إن "الإتفاق الشامل سيضع حدوداً مهمة للبرنامج النووي الايراني ولإزالة كل العقوبات"، فضلاً عن أنه "سيحترم حاجات ايران مع تقديم ضمانات للمجتمع الدولي أن نشاطاتها النووية ستبقى سلمية حصراً". وعبر عن "اقتناعه بأن الحل الشامل المتفاوض عليه للموضوع النووي الايراني سيساهم في السلم والإستقرار في المنطقة ويسمح لكل الدول بالتعاون الملح من أجل التعامل مع التحديات الأمنية الخطيرة الكثيرة التي تواجهها". الى ذلك، قالت رئيسة مجلس الأمن للشهر الجاري المندوبة الأردنية الدائمة لدى الأمم المتحدة دينا قعوار خلال مؤتمر صحافي في نيويورك: "هذا خبر جيد يفتح الباب أمام (معالجة) أوضاع أخرى في منطقتنا". ولاحظت أن "التوصل الى اتفاق يمكن أن يعطينا فرصة لمعاجلة قضية فلسطين واسرائيل في المجلس".
موسكو ورحبت موسكو بالاتفاق ، معتبرة انه يشكل اعترافاً بالحق "غير المشروط" لايران في تطوير برنامج نووي مدني. وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان: "يستند هذا الاتفاق الى المبدأ الذي عبر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو الحق غير المشروط لايران في برنامج نووي مدني... ليس هناك ادنى شك في ان الاتفاق على النووي الايراني سيكون له تأثير ايجابي على الوضع الامني العام في الشرق الاوسط اذ ستكون ايران قادرة على المشاركة على نحو اكثر فاعلية في حل عدد من المشكلات والنزاعات في المنطقة". وأبرزت "عمل الخبراء الشاق" الذي سيلي هذه المرحلة لوضع المعايير التقنية للاتفاق. وخلصت الى ان الاتفاق يشكل "دليلا واضحا على انه بفضل الجهود الديبلوماسية والسياسية، يمكن حل المشاكل الاكثر صعوبة والازمات".
باريس وقالت الرئاسة الفرنسية إن رفع العقوبات الاوروبية والاميركية تبعاً لوفاء ايران بالتزاماتها، محذرة من فرضها مجدداً "اذا لم يطبق الاتفاق".
|