التاريخ: آذار ٢٤, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
توقيع إعلان مبادئ حول «سد النهضة» في الخرطوم
الخرطوم - النور أحمد النور { القاهرة - «الحياة»  
وقع الرئيسان السوداني عمر البشير والمصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين، وثيقة إعلان مبادئ في شأن «سد النهضة» الذي تبنيه أديس أبابا على نهر النيل، بعد تجاوز القاهرة وأديس أبابا خلافاً في اللحظات الأخيرة تمت تسويته بتدخل من السودان.

وعقد البشير والسيسي وديسالين محادثات مغلقة في القصر الرئاسي في الخرطوم أمس. وقال لـ «الحياة» مسؤول سوداني إن الثلاثة «ناقشوا ضرورة التعاون في شأن مياه النيل والحفاظ على حصتي مصر والسودان من المياه بعد بناء سد النهضة، وعرضوا الوثيقة قبل التوقيع عليها بعد إضافة بندين جديدين لم يكونا ضمن مشروع الاتفاق الذي يشمل عشرة بنود».

وشملت وثيقة إعلان المبادئ نقاطاً عدة، أبرزها تحديد أطر استخدام المياه عقب إنشاء سد النهضة وبدء تشغيله، ووضع قواعد فنية يتوافق عليها خبراء الدول الثلاث لتجنب الأضرار بأي دولة من الدول الثلاث. ونص الإعلان على إنشاء آلية التشاور والتنسيق بناء على القانون الدولي لتسوية أي خلافات بين مصر وإثيوبيا، وشدد على أن «الحوار هو طريق بناء الثقة» بين دول أزمة سد النهضة، كما يلزم الدول الموقعة عليه بتفهم حاجات بعضها بعضاً والتأكيد على ذلك في وثائق قانونية. وتعانق الزعماء الثلاثة عقب مراسم التوقيع، قبل أن تتشابك أياديهم في إشارة إلى اتحادهم، وسط تصفيق من الحضور. وشهد الحضور قبل مراسم التوقيع فيلماً تسجيلياً عن نهر النيل ودوره في تبادل العلاقات الثقافية والسياسية والاجتماعية بين مصر والسودان وإثيوبيا، وأثر اتفاق «إعلان المبادئ» على التعاون بين الدول الثلاث.

وحضر مراسم التوقيع نائب رئيس دولة جنوب السودان جيمس واني ورئيس وزراء أوغندا روهاكانا روغوندا ووزراء من دول حوض النيل وعدد كبير من ممثلي البعثات الديبلوماسية في الخرطوم.

وقال رئيس الوزراء الإثيوبي في كلمته إن بلاده «ملتزمة بالمصالح المشتركة مع كل من مصر والسودان»، متعهداً «عدم إلحاق الضرر بأي منهما». وتابع أن «تشييد سد النهضة الإثيوبي لن يسبب أي ضرر لأي من مصر والسودان، وتحديداً شعب مصر». وأضاف: «حققنا خطوة جديدة من خلال الاتفاق على إعلان المبادئ حول (سد) النهضة... هذا هو الأساس الذي سنبني مستقبلنا واتفاقنا عليه». ورأى أن توقيع إعلان المبادئ «يعني أنه لا يوجد ما يشير إلى عدم الثقة»، معرباً عن أمله في «تمهيد التطريق لمزيد من التعاون بين الدول الثلاث».

واعتبر الرئيس المصري خلال كلمة أن التوقيع هو «الخطوة الأولى في مسار التعاون بين الدول الثلاث، ويحتاج إلى حوار للتوصل إلى اتفاقات تفصيلية». وأفاد بأن «سد النهضة يمثل باعثاً على التنمية للشعب الإثيوبي ويمثل لأشقائهم في مصر هاجساً ومبعثاً للقلق، خصوصاً أن استخدامات مصر من النيل تقدر بـ55 بليون متر مكعب». وأشار إلى التوصل عبر المفاوضات إلى «اتفاق يرضي جميع الأطراف، بحيث يحقق التنمية لإثيوبيا ويحافظ على الحق المصري والسوداني في المياه». وأعرب عن أمله في «أن يتحول إلى حقائق ملموسة في أسرع وقت»، مضيفاً أنه «من الممكن أن نوقع اتفاقات كثيرة، لكن يبقي الأساس في أي اتفاق هو الاستعداد لتنفيذ هذا الاتفاق».

وبعد انتهاء كلمته الرسمية، ارتجل السيسي كلمة قال فيها إنه يتحدث «كمواطن مصري موجهاً رسالة إلى شعوب حوض النيل». وقال: «أقول لشعوبنا في إثيوبيا وفي السودان وفي مصر، انه ممكن أن نوقع اتفاقات كثيرة لكن بإرادة غير قوية ونية غير صافية. الأساس في أي اتفاق بين الأشقاء هو الاستعداد لتنفيذ الاتفاق. ويمكن ألا نحتاج إلى توقيع اتفاق إن أجمعنا على أن لا نضر ببعضنا بعضاً».

وأضاف:»قلت لإثيوبيا ليس لدينا أي تحفظ على نموكم وتطوركم من أجل الشعب الإثيوبي. لكن انتبه إلى أن في مصر شعباً يعيش فقط على المياه التي تأتي من هذا النهر، وأن المياه هذه تأتي بأمر من الله». واعتبر توقيع الاتفاق «مرحلة جديدة من التعاون والمحبة بدل الشكوك... اخترنا التعاون والبناء بدل إيذاء بعضنا بعضاً سنوات طويلة».

وأكد البشير أن «حكومة السودان وضعت في مقدم أهدافها سياسات لتعزيز العلاقات السياسية مع مصر وإثيوبيا». ووصف الاتفاق بـ «التاريخي»، واعتبره «خطوة مباركة لتعزيز الثقة بين الشعوب والدول» الثلاث. وأضاف أن «التعاون هو السبيل الوحيد بين دول حوض النيل وشعوبه، وعلى الجميع أن يعمل لخلق أرضية ممهدة للتعاون بين الدول الثلاث وأن لا تكون المصالح الوطنية خصماً للمصالح المشتركة بين الجوار». ولفت إلى أنه يؤمن بأن «التعاون هو السبيل الأوحد للتفاهم بين شعوبنا، ومن دون التعاون ستفوت الفرصة في حياة كريمة لدول حوض النيل الشرقي».

ويفتح الاتفاق صفحة جديدة تعزز الثقة بين مصر وإثيوبيا خصوصاً، ويرجئ إثارة تقاطعات المواقف بين البلدين ستة شهور على الأقل قبل إعداد لجنة خبراء من الدول الثلاث ومستشارين دوليين تقريراً عن آثار إنشاء السد على حصة مصر والسودان من المياه والجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

ويرى مراقبون أن إثيوبيا خرجت بمكاسب تشمل استمرار تشييد السد بعدما أنجزت 40 في المئة من منشآته، وعندما يصدر تقرير الخبراء عن تأثيرات السد سيكون العمل في بنائه تجاوز النصف. أما مصر فيمنحها الاتفاق التزامات ضمنية وفرصة لتمتين هذه الالتزامات في إطار تفاهمات على تعاون أوسع في الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، بحيث تقدم أديس أبابا تنازلات ضمن حزمة إجراءات تحقق منافع متبادلة للدولتين.

ووجدت القاهرة نفسها في ظروف ليست في مصلحتها، إذ تمتلك إثيوبيا والسودان أفضلية جيوسياسية على القاهرة، كونهما يتحكمان في تدفقات مجرى النهر، كما أن استمرار إنشاء السد يقلل من فرص الضغوط على أديس أبابا، إضافة إلى تقارب موقف السودان مع إثيوبيا.

ويشكك مراقبون في صمود الاتفاق السياسي الذي صدر عن قمة الخرطوم أمس في مواجهة تحديات متوقعة، في حال أثبتت الدراسة التي سيعدها الخبراء وجود خلل في المشروع ومخاطر على دولتي المصب بعد أن يقطع البناء أكثر من النصف، ما سيصعب معالجة ما يظهر من مشاكل ويجعل الأزمة مفتوحة على الاحتمالات كافة.

ويرى وزير مياه سوداني سابق أن «سد النهضة سيقوم وفق المواصفات الإثيوبية، لأن الزمن في مصلحة أديس أبابا، والتحدي هو كيف تتعامل الخرطوم والقاهرة مع أي أضرار يمكن أن يتسبب فيها السد، خصوصاً على حصتيهما من المياه». وقال لـ «الحياة» إن «المظلة السياسية التي صدرت في الخرطوم لن تكون كافية حينها لمعالجة الآثار المترتبة على السد بعد إنجاز الجزء الأكبر من منشآته».

وفي القاهرة، قالت وزارة الخارجية المصرية في بيان عن «أهم إيجابيات» الاتفاق، إن إعلان المبادئ «جاء في توقيت هام لإزالة حال القلق والتوتر التي خيمت على العلاقات المصرية- الإثيوبية نتيجة الخلافات في شأن موضوع سد النهضة، وذلك من خلال توفير أرضية صلبة لالتزامات وتعهدات تضمن التوصل إلى اتفاق كامل بين مصر وإثيوبيا والسودان على أسلوب وقواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي بعد انتهاء الدراسات المشتركة الجاري إعدادها».

وأوضحت أن المبادئ التي يتضمنها الاتفاق تقتصر على «سد النهضة» وتأثيراته المحتملة فقط، «وليس من منظور تنظيم استخدامات مياه النيل التي تتناولها اتفاقات دولية أخرى قائمة ولم يتم المساس بها، ولم يتعرض لها الاتفاق من قريب أو بعيد أو لاستخدامات مياه نهر النيل، إذ يقتصر فقط على قواعد ملء السد وتشغيله».

واعتبرت أن النقطة الإيجابية «الرئيسة» في الاتفاق هي «أنه نجح في سد الثغرات التي كانت قائمة في المسار الفني، وأهمها التأكيد على احترام إثيوبيا نتائج الدراسات المزمع إتمامها، وتعهد الدول الثلاث بالتوصل إلى اتفاق على قواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي في ضوء نتائج الدراسات، فضلاً عن إنشاء آلية تنسيقية دائمة من الدول الثلاث للتعاون في عملية تشغيل السدود في شكل يضمن عدم الإضرار بمصالح دول المصب».

ولفتت إلى أن «الاتفاق يتضمن للمرة الأولى آلية لتسوية النزاعات بين مصر وإثيوبيا، من ضمنها التشاور والتفاوض والوساطة والتوفيق، وكلها أدوات نص عليها القانون الدولي... ويعكس القبول الإثيوبي هذا المبدأ، قدراً كبيراً من الثقة والشفافية في العلاقة مع مصر لم تكن موجودة من قبل، ونجاحاً حققته مصر في التقارب الحقيقي والعملي مع إثيوبيا».

وخلصت إلى أن إعلان المبادئ «يعتبر وثيقة توافقية تمثل حلاً وسطاً بين مواقف الأطراف الموقعة عليها، وليست بالضرورة تُحقق الأهداف الكاملة لأي طرف، إلا أنها حققت بلا شك مكاسب ما لكل طرف تجعله في وضع أفضل مما كان عليه قبل توقيع الوثيقة».