التاريخ: آذار ١٤, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
السيستاني متمسك بسيادة العراق واستقلاله
بغداد - مشرق عباس 
حسم المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني الأمر بالنسبة إلى مقلديه أمس حين شدّد على اعتزازه بالهوية العراقية، وقال رداً على تصريحات إيرانية: «إننا نعتز بوطننا وبهويتنا وباستقلالنا وسيادتنا...». وأوضح سياسي شيعي من مقلدي المرجع ما يقصده بالتشديد على الهوية الوطنية العراقية، فقال إن الانتصار الذي حققه العراق على «داعش» كان بمساعدة إيران. لكن ذلك شكل معضلة تواجه السياسيين في بغداد فـ «بعضهم يحاول ربط النصر بقائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني واعتباره قائداً عاماً للقوات العراقية، على رغم وجود قائد دستوري عراقي.

وبعضهم، على ما يقول السياسي الذي لا تتيح المرحلة نشر اسمه، يدافع عن نظرية «تحاول رهن الإرادة العراقية بإيران، مستثمراً تهديد داعش». وهذا البعض «لم يزعجه تصريح علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي قال إن بغداد «عاصمة الإمبراطورية الإيرانية، ولا خيار أمام البلدين الا الاتحاد أو الحرب».

ونظر عدد من السياسيين العراقيين إلى تصريحات يونسي من زاوية التوقيت، فهي تأتي في خضم معركة مع تنظيم «داعش» في تكريت، وفي قلبها سليماني ومئة مستشار إيراني، فيما تنخرط تحت غطاء «الحشد الشعبي» الذي يضم أكثر من 41 فصيلاً مسلحاً، مجموعات تدين بالولاء لإيران، وتعود في تقليدها إلى المرشد علي خامنئي لا إلى السيستاني الذي منحت فتواه «الجهاد الكفائي» هذه المجموعات غطاء شرعياً لخوض الحرب.

المرجع أدرك خطورة هذا التزامن، فاختار أن يرد على يونسي حتى بعد أن حاول الأخير التنصل من تصريحاته، عبر إحالتها إلى معانٍ ثقافية لا سياسية، فحذّر ممثله في كربلاء أحمد الصافي أمس من الربط بين المساعدة الإيرانية للعراق، ومحاولة الاستيلاء على الهوية الوطنية، وقال :»إننا نعتز بوطننا وبهويتنا وباستقلالنا وسيادتنا. وإذا كنا نرحب بأي مساعدة تقدم إلينا اليوم من إخواننا وأصدقائنا لمحاربة الإرهاب، ونحن نشكرهم عليها، فإن ذلك لا يعني في أي حال من الأحوال أن نغض الطرف عن هويتنا واستقلالنا كما ذهب إليه بعض المسؤولين في تصوراتهم».

المقربون من السيستاني توقّعوا أن يركز في خطبته على تصريحات الأزهر الأخيرة عن «الحشد الشعبي»، واتهامه بارتكاب جرائم ضد السنّة، لكن هذ الأمر أوكل إلى المرجع علي النجفي الذي بعث الخميس برسالة إلى شيخ الأزهر أحمد الطيب يدعوه إلى إرسال لجنة إلى محافظة صلاح الدين، للتحقق من مزاعم ارتكاب «الحشد» انتهاكات.

اختيار السيستاني الرد على يونسي يؤكد تعريف فتوى «الجهاد الكفائي» التي أطلقها باعتبارها لا تتجاوز الحدود العراقية، وهو رد غير مباشر على تحويل مهمة الجنرال سليماني من تقديم المساعدة والاستشارة إلى قيادة حرب عابرة للحدود.

السجال غير المعلن بين السيستاني المتمسك بنظرية النجف التقليدية التي تضع فواصل بين رجل الدين والسياسة، وتهتم باستقلالية العراق وتطالب بـ «الدولة المدنية»، وقاسم سليماني كممثل لنظرية «ولاية الفقيه» التي يتصدرها اليوم المرشد علي خامنئي، ظهر في مناسبات مختلفة، تجلّت في إصرار النجف منتصف عام 2014 على رفض ولاية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الثالثة، على رغم دفاع سليماني عنه حتى اللحظات الأخيرة، وامتدت إلى انتقاده التجاوزات التي حصلت خلال معارك ديالى، وتأكيده أن قيادة «الحشد الشعبي» محصورة بالجيش الرسمي.

السيستاني يدعو إيران إلى احترام استقلال العراق: مساعدة الأصدقاء لا تعني أبداً التخلي عن هويتنا

أكد المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني أمس، أن «مساعدة بعض الأصدقاء في معركتنا لا يعني غض الطرف عن هويتنا واستقلاليتنا»، وأشاد بـ «انتصارات القوات الأمنية والحشد الشعبي» في محافظة صلاح الدين، منتقداً استمرار تأخير مستحقات عدد ليس بقليل من المقاتلين.

وقال ممثل المرجعية في كربلاء أحمد الصافي، في خطبة الجمعة أمس، إن «الانتصارات التي حققها مقاتلو الجيش والمتطوعون وأبناء العشائر على عصابات داعش الإرهابية صفحة بيضاء تُضاف إلى سجل تاريخ العراقيين، وإننا نشد على أيديهم جميعاً».

وأضاف أن «العراقيين يعتزون بوطنيتهم وهويتهم واستقلالهم وسيادتهم»، ورحب «بأي مساعدة تقدم إلينا اليوم من الأصدقاء في حربنا ضد الإرهاب ونشكرهم عليها (...) والمساعدة من الأصدقاء والشكر لهم لا يعنيان في حال من الأحوال أننا يمكن أن نغض الطرف عن هويتنا واستقلالنا، ولا يمكن أن نكون جزءاً من أي تصورات خاطئة في أذهان بعض المسؤولين هنا أو هناك».

وزاد أننا «اليوم نخط تاريخنا بدماء شهدائنا وجرحانا، وقد امتزجت دماء مكونات العراقيين من جميع طوائفهم وقومياتهم وعلينا أن نوثق ونحفظ هذا التاريخ خوفاً من الضياع أو التبديل كي تطّلع عليه الأجيال القادمة».

ولفت الى أن «تلاحم وتراص الصفوف بين مكونات الشعب العراقي ساهم بشكل كبير في دحر الأعداء، وإضفاء القوة على المقاتلين وتحقيق الانتصارات».

ودعا إلى «زيادة هذا التماسك والتلاحم لأن العدو يستهدف مواقع الضعف فينا ويستغلها لتفتيت وحدتنا».

وأشار إلى أن «العراقيين اليوم يدافعون عن بلدهم الذي تجذرت فيه مجموعة حضارات وهم تحملوا الكثير عبر التاريخ من أجل أن يبقى العراق عزيزاً شامخاً مستقلاً وسيد نفسه»، واكد أن «العراق سيكون كما كان دائماً، منيعاً من أي محاولة لتغيير هويته وتبديل تراثه وتزييف تاريخه».

وانتقد الصافي «استمرار تأخر صرف المستحقات المالية لعدد ليس بقليل من عناصر قوات الجيش والمتطوعين بأعذار غير مقبولة»، وطالب الحكومة «بإيصال الحقوق كاملة إلى هؤلاء المقاتلين والاهتمام بعائلات الشهداء والجرحى».

يذكر أن مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات علي يونسي، قال في كلمة أمام مؤتمر عقد الأسبوع الماضي في طهران، إن بلاده كانت منذ ولادتها «إمبراطورية، والعراق اليوم لا يمثل مجرد مجال حضاري لنفوذنا، بل العراق هو هويتنا وثقافتنا ومركزنا وعاصمتنا، وهذا أمر يتعلق بالحاضر وبالماضي أيضاً».

وأعربت وزارة الخارجية العراقية الأربعاء الماضي عن «استغرابها واستنكارها» تصريحات يونسي، وأكدت أنها «غير مسؤولة»، وشددت على أن العراق «لن يسمح» لأحد بالتدخل في شؤونه الداخلية أو المساس بسيادته الوطنية.

وعاد يونسي وقال الأربعاء الماضي أيضاً، إن جمهورية إيران الإسلامية «لا تسعى أبداً للإساءة إلى سيادة دول المنطقة واستقلالها أو التدخل في شؤونها الداخلية، لا سيما العراق»، مؤكداً أن «الحدود المرسومة بين دول المنطقة شرعية».