ردت واشنطن بحزم على قتل "الدولة الاسلامية" الصحافي الاميركي جيمس فولي، متجاوزة تهديدات التنظيم بقتل أميركي آخر ومتعهدة مواصلة هجماتها عليه، مع شن القوات الاميركية 14 غارة جوية على معاقل المقاتلين في شمال العراق، وتصريح مسؤولين أميركيين أن القادة العسكريين يفكرون في احتمال ارسال مزيد من القوات الاميركية الى العراق، وتحديداً لتوفير حماية أمنية اضافية حول بغداد. ووصف الرئيس الاميركي باراك اوباما "الدولة الاسلامية" بأنها "سرطان لا مكان له في القرن الحادي والعشرين"، قائلاً ان التنظيم "لا يتحدث باسم اي ديانة. ليست هناك ديانة تقول بذبح الابرياء. ان عقيدتهم فارغة"، ودعا الى التعبئة لتجنب انتشار هذا "السرطان". وناشد "الحكومات والشعوب في الشرق الاوسط" العمل معاً "لاستئصال هذا السرطان لئلا يتفشى"، واعداً بان تستمر الولايات المتحدة التي تشن غارات جوية في العراق منذ 10 ايام في محاربة هؤلاء الاسلاميين المتطرفين.
وأضاف في كلمة ألقاها في ادغاردتاون بولاية ماساتشوستس حيث يمضي اجازة مع اسرته: "لقد دمروا مدنا وبلدات وقتلوا مدنيين ابرياء عزلاً في اعمال عنف جبانة جداً... خطفوا نساء أخضعن للتعذيب والاغتصاب والعبودية. لقد اغتالوا مسلمين سنة وشيعة بالآلاف، وهاجموا المسيحيين والاقليات الدينية الاخرى". وشدد على "أننا سنبقى متيقظين وحازمين. عندما يستهدف اميركيون في مكان ما نقوم بكل ما في وسعنا لاحقاق العدالة"، وعلى "الرفض الواضح لهذا النوع من الايديولوجيات المدمرة". وأعلن انه تحدث مع عائلة فولي، ملاحظاً ان قتله "صدم ضمير العالم اجمع".
تكثيف الغارات ومنذ توزيع الشريط الذي أظهر قطع رأس فولي، كثفت القوات الاميركية غاراتها على مواقع "الدولة الاسلامية" في العراق. وأوضحت القيادة العسكرية الاميركية ان الغارات التي شنتها طائرات مقاتلة واخرى من دون طيار، تركزت على محيط سد الموصل الذي استعادته القوات الكردية الاحد من التنظيم، ودمرت "ست (عربات نقل) همفي وثلاثة مواقع للعبوات الناسفة، وانبوب هاون وشاحنتين مسلحتين".
الى ذلك، اعلن مسؤول اميركي رفيع المستوى ان وزارة الدفاع "البنتاغون" تنوي ارسال "نحو 300" جندي اميركي اضافي الى العراق بناء على طلب وزارة الخارجية الاميركية. وهذه القوات الاضافية التي ستساعد في حماية المقار الديبلوماسية الاميركية، ترفع الى نحو 1150 عدد الجنود والمستشارين العسكريين الاميركيين الموجودين في العراق. في موازاة ذلك، اتخذت المانيا أمس قرارا نادرا في تاريخها بتسليم اكراد شمال العراق أسلحة لتنضم الى عدد من شركائها الاوروبيين، في قرار بررته بالسعي الى منع "كارثة" وذلك على رغم المعارضة القوية للرأي العام.
وتنضم برلين بذلك الى باريس ولندن التي اعلنت قبل بضعة ايام انها سترسل اسلحة الى المقاتلين الاكراد، وهو موقف ايده مجمل وزراء الخارجية لدول الاتحاد الاوروبي في اجتماع طارئ الجمعة ببروكسيل. كذلك، أبدت ايطاليا استعدادها لتسليح قوى الامن الكردية.
من جهة أخرى، قالت باريس انها تريد ان تجمع الدول العربية وايران والقوى العالمية الكبرى لتنسيق رد شامل على مقاتلي "الدولة الاسلامية" الذين يسيطرون على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق. ولم يفصح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في مقابلة نشرتها صحيفة "الموند" عن توقيت عقد الاجتماع أو من الذي ستوجه اليه الدعوة لحضوره، لكنه أبرز الحاجة الى استراتيجية عالمية لمحاربة المتشددين.
ذهول حول العالم لذبح الصحافي الأميركي
أثار اعلان "الدولة الاسلامية" ذبح الصحافي الاميركي جيمس فولي (40 سنة) صدمة حول العالم وحرك دولاً أوروبية للتصدي لـ"وحشية" مسلحي هذا التنظيم المتطرف، فيما أمل وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن تتحرك دول المنطقة، بما فيها ايران، الى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، معا ضد هؤلاء المسلحين. وجهت القوات الاميركية ضربات جديدة الى تنظيم "الدولة الاسلامية" في العراق بعد بث شريط فيديو يظهر قطع رأس جيمس فولي، مع التهديد بقتل صحافي آخر إذا استمر القصف. وأفاد مسؤول في وزارة الدفاع الاميركية "البنتاغون" طلب عدم ذكر اسمه أن الضربات تركزت على شمال العراق حيث يحاول سلاح الجو الاميركي منع تقدم المتطرفين السنة في "الدولة الاسلامية".
وكان هؤلاء المقاتلون نشروا شريط فيديو عن قطع رأس الصحافي الاميركي الذي يقول شهود إنه خطف في ادلب بسوريا في 22 تشرين الثاني 2012 وانقطعت أخباره عن عائلته مذذاك. وفي شريط الاعدام، وهو بعنوان "رسالة الى اميركا" ومدته خمس دقائق تقريباً، يبدأ التسجيل بعرض لاعلان الرئيس الاميركي باراك اوباما انه اجاز توجيه ضربات جوية الى تنظيم "الدولة الاسلامية"، ثم يظهر مشهد لاحدى هذه الغارات تليه رسالة من الصحافي مدتها دقيقتان تقريباً، ثم عملية الذبح التي نفذها شخص ملثم يحمل سكيناً ويرتدي لباساً أسود ويتحدث بلكنة بريطانية. وصوّر الشريط في منطقة صحراوية ليس معروفاً ما اذا كانت في سوريا ام في العراق.
وكان فولي مراسلاً حراً شارك في تغطية الحرب في ليبيا قبل ان يتوجه الى سوريا لتغطية النزاع في هذا البلد لحساب "غلوبال بوست" ووسائل اعلام اخرى. كما زود "وكالة الصحافة الفرنسية" بتقارير صحافية اثناء وجوده هناك. واكد البيت الابيض صحة الشريط الذي هدد فيه المقاتلون المتطرفون ايضا بقتل الصحافي الاميركي ستيفن سوتلوف، رداً على الغارات الجوية الاميركية. وكانت الناطقة باسم مجلس الامن القومي في البيت الابيض كيتلين هايدن قالت في بيان: "رأينا شريط فيديو يزعم انه يصور قتل المواطن الاميركي جيمس فولي على ايدي تنظيم الدولة الاسلامية. اذا كان صحيحاً، نعتبر ان القتل الوحشي لصحافي اميركي بريء هو أمر مروّع ونقدم تعازينا الحارة الى عائلته واصدقائه".
وكتبت والدة فولي في موقع "فايسبوك" ان ابنها "بذل حياته محاولاً اظهار معاناة الشعب السوري للعالم... نناشد الخاطفين الحفاظ على حياة الرهائن الأخرى، فانها بريئة مثل جيم وليس لديها اي تأثير على سياسة الحكومة الاميركية في العراق وسوريا ومناطق اخرى من العالم".
وندد وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند بـ"الاعدام الوحشي" لفولي. واشار الى أن الرجل الذي قتل فولي كان يتحدث الانكليزية بلكنة بريطانية واضحة، قائلاً: "يبدو انه بريطاني. علينا ان نقوم بالمزيد من عمليات البحث للتأكد من ذلك".
ولاحقا، قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعد سلسلة من اجتماعات الأزمة: "لم نحدد بعد هوية الشخص المسؤول عن هذا العمل، ولكن يبدو على الارجح انه مواطن بريطاني".
تسليح الاكراد ووسط الذهول الذي أثاره الشريط حول العالم، انضمت ألمانيا وإيطاليا الى بريطانيا وفرنسا في الاعلان أنهما ستسلحان قوى الامن الكردية في شمال العراق بالتعاون مع الحكومة المركزية في بغداد لقتال مسلحي "الدولة الإسلامية". وسيشكل إرسال أسلحة تغييراً كبيراً في نهج ألمانيا التي تمتنع الى حد كبير عن الضلوع مباشرة في الصراعات العسكرية منذ الحرب العالمية الثانية بسبب الماضي النازي للبلاد. وعندما سئل الناطق باسم الحكومة الالمانية ستيفن سيبرت عن السبب في استثناء شمال العراق من هذه السياسة، أجاب بأن "للتقدم الذي حققته الدولة الاسلامية وما يفعله هؤلاء الارهابيون... طبيعة نادرة. لا نستطيع أن نغض الطرف في أوروبا وألمانيا. انها تؤثر على مصالحنا الامنية... جميع المخاطر تخرج من هناك والحجم الهائل للمعاناة الانسانية أدى الى اتخاذ هذا القرار". وزار رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رنزي العراق أمس. وقالت حكومته انها مستعدة للبحث في طلبات امدادات الاسلحة والذخيرة للدفاع عن النفس. فرنسا وفي باريس، اعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في مقابلة مع صحيفة "الموند" انه سيقترح قريباً عقد مؤتمر حول الامن في العراق ومحاربة تنظيم "الدولة الاسلامية". وقال: "علينا ان نضع استراتيجية شاملة ضد هذه المجموعة التي باتت تشكل كياناً منظماً، ولديها الكثير من التمويل، واسلحة متطورة جداً، وتهدد دولاً مثل العراق وسوريا ولبنان". وقال وزير الخارجية الفرنسي أمام نواب: "نريد ان تنضم مجمل دول المنطقة، الدول العربية ولكن ايضاً ايران، والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن) الى هذا التحرك" ضد "الدولة الاسلامية". وأوضح ان المؤتمر الذي يدعو اليه هولاند يفترض ان يسمح "باتخاذ سلسلة اجراءات في المجال الاستخباري والمجال العسكري" وباتخاذ تدابير "لقطع موارد" تنظيم "الدولة الاسلامية".
وعلى الصعيد العراقي الميداني، في شمال بغداد وغربها تحديداً، عززت القوات العراقية المدعومة من ميليشيات شيعية وقبائل سنة الى قوات البشمركة، مواقعها بعدما نجحت في صد المقاتلين الاسلاميين، لكنها لم تقم بأي تحركات أمس. ولم تنجح القوات التي تحاول استعادة مدينة تكريت، معقل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، من مقاتلي "الدولة الاسلامية"، في دخول المدينة حتى الآن.
وفي طهران، أكد نائب وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان ان بلاده أسدت "نصائح" الى الاكراد العراقيين ضد جهاديي تنظيم "الدولة الاسلامية"، قائلاً: "قدمنا مساعدة سياسية ونصائح الى الحكومة العراقية وفعلنا ذلك أيضاً في كردستان العراق".
|