التاريخ: آب ١٥, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
مصر: مبارك يُدافع عن رئاسته والحكم بحقه الشهر المقبل
دافع الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن سنوات حكمه خلال مرافعته أمس أمام محكمة جنايات القاهرة التي تعيد محاكمته وآخرين في اتهامات بقتل المتظاهرين والفساد. ونفى إعطاء أوامر بقتل المتظاهرين، محملاً «المتاجرين بالدين» المسؤولية، قبل أن تحدد المحكمة برئاسة القاضي محمود كامل الرشيدي 27 الشهر المقبل للنطق بالحكم في القضية.

وهذه المرة الأولى التي يتحدث فيها مبارك أمام القضاء منذ بدأت محاكمته في 3 آب (أغسطس) العام 2011 التي انتهت إلى صدور حكم بإدانته بالسجن المؤبد، قبل أن تعيد محكمة النقض محاكمته وابنيه علاء وجمال ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من كبار المسؤولين الأمنيين ورجل الأعمال الفار حسين سالم.

وسعى مبارك إلى إبراء ساحته من قتل المتظاهرين. وقال إن «شرفي العسكري والوطني لا يسمحان لي بذلك»، مؤكداً أنه سيتقبل الحكم الصادر عن المحكمة أياً كان «بنفس راضية ومطمئنة». وقال في كلمة مطولة ألقاها في الجلسة الأخيرة للمحاكمة إن «المتاجرين بالدين والمتحالفين معهم اخترقوا التظاهرات السلمية التي بدأت في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 وحولوها إلى أعمال عنف ونهب وتخريب وتعدٍ على الممتلكات العامة والخاصة واقتحام للسجون وإحراق لأقسام الشرطة».

ولم يتطرق مبارك في كلمته التي قرأها من ورقة مكتوبة إلى تفاصيل الاتهامات المسندة إليه من النيابة العامة، مكتفياً بالإشارة إجمالاً إلى عدم ارتكابه جرائم جنائية من أي نوع، مكتفياً بالإقرار باتخاذ «قرارات لم يحالفني التوفيق في اتخاذها». وقال في مستهل كلمته: «أتحدث إليكم اليوم وأعلم أن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء، فمنذ أن تركت موقعي رئيساً للجمهورية وقد تعرضت إلى حملات ظالمة تستهدف الإساءة إليّ... كما تعرضت سنوات تحملي للمسؤولية إلى حملات مماثلة تنتقص من كل ما تحقق من إنجازات».

وأضاف: «أمضيت أكثر من 62 عاماً في خدمة الوطن، ابناً للقوات المسلحة ثم نائباً (للرئيس) ثم رئيساً للجمهورية... خضت كل حروب مصر بعد ثورة 23 يوليو، وشاركت في بناء القوات الجوية بعد نكسة 1967 ثم قيادتها في حرب 1973». وتابع: «لم أكن يوماً ساعياً وراء منصب أو سلطة، وتعلمون حضراتكم الظروف العصيبة التي تحملت فيها مسؤولية الرئاسة خلفاً لرئيس اغتالته يد الإرهاب. ومنذ اليوم الأول واجهت تحديات جساماً، فتصديت لمراوغة إسرائيل في استكمال انسحابها من أرض سيناء، حتى تم انسحابها في 1982 ثم طابا في 1989 فاستعدنا آخر شبر من أراضينا المحتلة، وأدرت العلاقة مع إسرائيل من دون أدنى تهاون في السيادة الوطنية أو حقوق الشعب الفلسطيني. ورفضت زيارة إسرائيل طالما بقي الاحتلال (على رغم أنه زارها في عام 1995)، كما رفضت الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية، ولم أتردد لحظة واحدة في تقديم دعم مصر للمحاصرين في غزة لكنني في الوقت ذاته تصديت لمحاولات تهديد أمن مصر القومي مع هذا القطاع».

وأكد أنه حافظ على السلام «ولم أنجرف إلى ما يهدده، ولم أنجرف في مغامرات غير محسوبة، وحرصت على تطوير القوات المسلحة، عتاداً وتسليحاً وتدريباً، لتبقى درعاً للوطن يحمي أرضه وشعبه وسيادته ويحمي السلام. وكان أملي منذ اليوم الأول القضاء على تحدي الإرهاب، فخضت معه مواجهة شرسة تماثل تلك التي نخوضها الآن، وانتصرت مصر في حربها مع الإرهاب في الثمانينات والتسعينات، كما ستنتصر بعون الله في مواجهتها معه اليوم».

وأشار إلى أنه «كان علينا أيضاً أن نواجه تحدياً آخر هو إعادة بنية أساسية متهالكة وخدمات متراجعة واقتصاد أنهكته... فمضينا في الإصلاحات الاقتصادية، ونجحنا في إسقاط ما يقرب من 27 بليون دولار تمثل نصف ديون مصر الخارجية، وحررنا اقتصادنا وانفتحنا به على العالم، وأنشأنا مناخاً جاذباً للاستثمار، وتسببت سياساتنا الاقتصادية في فتح أبواب الرزق لملايين المواطنين، وأعلى احتياطي للنقد الأجنبي في تاريخ مصر من دون أن تتخلى الدولة عن مسؤوليتها في تحقيق الرعاية الاجتماعية والعدل الاجتماعي».

وتابع: «واجهنا هذه التحديات وغيرها، وتحققت لمصر وشعبها إنجازات عدة رغم الزيادة السكانية وما تمثله من ضغط على الموارد، وليس أبلغ قول في ذلك من الأرقام والإحصاءات، وهي مسجلة ومتاحة، ولكن مجال الحديث عنها ليس الآن... وأشهد الله بأنني لم أبال بمحاولات بعضهم التعمية على ذمة، وأديت دوري مخلصاً فلم أبال أيضاً بوضع اسمي على مشاريع قومية أو مؤسسات تعليمية فهي وغيرها ستظل باقية شاهدة على ما حققناه ضمن شواهد عدة على اتساع أرض الوطن».

واعتبر أنه أقام سياسة مصر الخارجية «على الندية والتكافؤ، وسعيت إلى تحقيق مصلحة مصر أينما كانت، والحفاظ على أمن مصر القومي، ولم نكن يوماً حليفاً مهادناً أو متهاوناً في الحفاظ على السيادة الوطنية المصرية... استعدت علاقات مصر المقطوعة مع الدول العربية، وأعدت مقر الجامعة العربية من تونس إلى القاهرة، وحافظت على مكانة مصر في السياسة الدولية والعلاقات العربية والأفريقية والأوروبية، ولم أقبل بأي تدخل في الشؤون الداخلية المصرية أو أدنى مساس بشريان الحياة نهر النيل».

وأضاف: «أتحنا مساحات غير مسبوقة لحرية الإعلام والصحافة وحرية الرأي والتعبير، فاستهدفت التعديلات الدستورية في سنوات ولايتي الأخيرة توسيع التجربة الديموقراطية، محذرين في الوقت ذاته من خلط الدين بالسياسة على نحو ما أتت به الأحداث في كانون الثاني (يناير) 2011 حينما اخترق المتاجرون بالدين والمتحالفون معهم من الداخل والخارج التظاهرات السلمية وتحولوا بها إلى أعمال عنف ونهب وتخريب وتعدٍ على الممتلكات العامة والخاصة واقتحام للسجون وإحراق لأقسام الشرطة. وبادرت منذ الأيام الأولى لتلك الأحداث باتخاذ إجراءات وقرارات لمواجهة تداعياتها بنزول القوات المسلحة عصر 28 كانون الثاني (يناير) لحفظ الأمن وتأمين البلاد، بعد أن عجزت الشرطة عن القيام بدورها بعدما تعرضت لاعتداءات المتآمرين على الوطن وأبنائه».

وزاد: «طرحت خطوات واضحة تضمن انتقالاً سلمياً للسلطة في إطار الدستور والقانون، بحلول انتخابات الرئاسة في أيلول (سبتمبر) 2011 وأعلنتها في خطابي للجماهير في أول شباط (فبراير) فسعى من أرادوا الانقضاض على الدولة إلى تأجيج الأوضاع وزعزعة ثقة الشعب في قيادته، بل والوقيعة بين الشعب وقواته المسلحة. ومع تفاقم الأحداث وبعد أن أصبحت متأكداً أن الهدف النهائي لهؤلاء هو إسقاط الدولة ومؤسساتها، اخترت طواعية أن أتخلى عن مسؤوليتي رئيساً للجمهورية حقناً للدماء وحفاظاً على تماسك الوطن وآمال أبنائه، كي لا تنجرف مصر إلى منزلقات خطرة تدفع بها إلى المجهول».

وأكد أنه اختار «بحس وطني خالص أن أسلم الأمانة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثقة في قدرته على تخطي تلك الظروف والعبور بمصر وشعبها إلى بر الأمان. وأقول بكل الصدق أن ضميرنا الوطني يملي علينا جميعاً إعادة قراءة الأحداث منذ العام 2011 في ضوء ما تداعت به التطورات وما تكشف من مواقف أطراف عدة داخل مصر وخارجها، كانت تتربص بمصر ولا تزال تسعى إلى الانقضاض عليها».

وقال: «لم أتحدث اليوم كي أعرض عطائي، فسيظل عطاء مصر هو الأكبر، فهي الوطن وأرض المحيا والممات، وأنني إذ أدافع عن نفسي في مواجهة الإساءة والتشهير والاتهام، لا أدعي الكمال، فالكمال لله وحده، فأنا كغيري من البشر أصيب وأخطئ... تحملت المسؤولية بإخلاص وشرف وأمانة وبذلت جهدي وطاقتي، وسيحكم التاريخ بما لنا وما علينا. لم يحالفني التوفيق في بعض ما اتخذته من قرارات، وهو شيء طبيعي، وبعضها لم يرتق إلى تطلعات بني وطني، ولكنني أشهد الله أن كل قرار اتخذته توخيت فيه مصلحة الشعب والوطن. وبرغم ما تعرضت إليه، لا أزال شديد الاعتزاز بكل ما قدمته من عطاء للوطن، وشديد الاعتزاز بمن أيدني وبمن عارضني».

ولفت إلى أن «مبارك الذي يمثل أمامكم اليوم، لم يكن ليأمر أبداً بقتل المتظاهرين، وهو الذي أفنى عمره في الدفاع عن مصر وأبنائها. وأقول أمام الله وأمامكم وأمام الشعب أنني قضيت حياتي مقاتلاً في سبيل الوطن، وتلك كانت عقيدتي منذ أن تخرجت في سلاح الطيران في العام 1949. ولم يكن لي أبداً أن آمر بإشاعة الفوضى وأنا الذي كنت حذرت مراراً من مخاطرها ومنزلقاتها. ولم يكن لي أبداً أن أصدر أمراً بإحداث فراغ أمني، فكما يعلم الجميع كم أمضيت سنوات للحفاظ على الأمن القومي المصري واستقرار الوطن. ولا يتفق أبداً مع الحقيقة أن أتهم بالفساد المالي، فشرفي العسكري والوطني لا يسمحان لي بذلك». وتابع: «كنت وسأظل حريصاً على الشرف العسكري، فلا أفرط ولا أخون... كما أنني كابن من أبناء مصر كنت وسأظل ما حييت حريصاً على وطني متفائلاً بمستقبله وأن مصر لن تنسى من عملوا من أجلها ومن سقطوا من أجلها في مواجهة الإرهاب من رجال الشرطة والقوات المسلحة».

واختتم حديثه قائلاً: «أثق بعدالة المحكمة وأياً كان حكمها فسأتقبله بنفس راضية ومطمئنة، موقناً بحكم التاريخ وحكم الله. وثقتي بلا حدود في أن مصر ستنهض من عثرتها لتستعيد أمنها واستقرارها وعافيتها بقياداتها الوطنية المخلصة وبعزة وكرامة».