التاريخ: آب ١٥, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
ليبيا والتباسات ثورتها في مرمى نار التدخلات الأجنبية
محمد كشادة 
هل ستشهد ليبيا احداثاً سياسية خطيرة تبرر للدول الغربية التدخل؟ وما هى طبيعة تلك الاحداث ان وقعت وما هو توقيتها؟ وهل ما يجري اليوم من اقتتال في محيط مطار طرابلس العالمي ومدينة بنغازي يمكن ان يمثل فرصة للتدخل الاجنبي، ام انها ازمة عابرة وسيتوقف القتال ويتصالح الخصوم كما حدث في مرات سابقة؟

اسئلة يصعب الاجابة عنها لكن نحاول بقدر الامكان ان نضع تصوراً منطقياً لما يمكن ان يحدث مع ادراكنا المسبق بأن للتاريخ مفاجآته. ففي زمن قريب لم يكن احد يتوقع الربيع العربي الذي دك عروش الطغيان والدكتاتورية في تونس ومصر وليبيا واليمن، لذا لا يمكن لأحد ان يتوقع ما ستؤول اليه تطورات الاحداث بخاصة اذا استمر تدهور الوضع الامني.

ولا تخفى بوادر التدخل الاجنبي على العيان بل تبدو واضحة وضوح الشمس وإن كانت تتخذ من الدوافع الانسانية ومكافحة الارهاب غطاء لها. وليس التدخل الاجنبي في ليبيا وهذه المنطقة من العالم بأمر جديد بل هو قديم قدم التاريخ والسياسة الدولية ولا شيء يمنع تجدده ان توافرت اسبابه ومعطياته ولاحت في الافق ظروف وأحداث سياسية تضفي عليه الشرعية وتمنحه الفرصة. ويمكن القول إن موقع ليبيا الاستراتيجي وثروتها النفطية الهائلة ستجعلها دائماً عرضة للتدخل الاجنبي بخاصة في الظروف الحالية حيث لا حكومة قوية ولا امن ولا استقرار. وقد يحدث التدخل الاجنبي حتى في ظل الحكومات القوية ولكن ضرره يكون اقل. وشتان بين حكومة قوية وأخرى ضعيفة.

وكانت الحكومة الليبية وقعت اتفاقاً مع الاتحاد الاوروبي يقضي بإرسال بعثة اوروبية لحماية الحدود الليبية مهمتها تمتد لعامين وتعداد افرادها حوالى 110 من الجنود والخبراء وهذا شكل من اشكال التدخل. لا ضير ان تستورد ليبيا التقنية والخبرات، لكن ان تشرعن لوجود اجنبي على اراضيها فهذا امر يهدد امنها القومي، ثم ان هذه الخطوة ستتبعها خطوات واتفاقيات لحماية مصالح، ناهيك عن ان حدود ليبيا البرية والبحرية والجوية ستصبح مراقبة على الدوام، والتاريخ يعلمنا انه لا ثقة في الغرب.

وهناك دليل آخر على التدخل الاجنبي في ليبيا وهو قول السفير البريطاني مايكل ارون انه يوجد مستشارون بريطانيون يعملون لدى الوزارات الليبية وهذه كارثة تذكرنا بقصة تسلل الأجانب الى مصر في القرن التاسع عشر في عهد الخديوي اسماعيل وكيف سرقوا مقدراتها ومهدوا للغزو البريطاني لمصر في عام 1882. وما يؤكد ان ليبيا صارت في مرمى نار تدخل اجنبي يقترب من اخطر مراحله، ما قاله وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي اعتبر ان الجنوب الليبي اصبح ملاذاً آمناً للارهابيين وإن على فرنسا والدول الإفريقية المجاورة لليبيا ان تتدخل عسكرياً لمكافحة الارهاب بالتعاون مع الحكومة الليبية. كما ان تصريحات رئيس الأركان الفرنسي مؤخراً صبت في الاتجاه نفسه وهي بمثابة ناقوس خطر.

قد يبدو الامر طبيعياً للوهلة الاولى قبل ان ندرك ان فرنسا تحن الى امجادها الاستعمارية في افريقيا، خصوصاً منطقة فزان الجنوبية وهي مستعمرتها السابقة التي تمثل بالنسبة إليها بعداً استراتيجياً وحلقة وصل بين مستعمراتها في القارة الافريقية. وفزان اليوم ليست كما كانت بالامس، هي اليوم تعوم على بحيرة كبرى من النفط واحتياطيات ضخمة من المياه وهذا بلا شك يسيل لعاب فرنسا. وما يزيد من خطورة واحتمالات التدخل الاجنبي في ليبيا، الوضع في شمال مالي حيث ولدت افغانستان جديدة على مقربة من حدود ليبيا الجنوبية الغربية، ولا شك في ان الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا تخطط لإغراق دول المنطقة ومن بينها الجزائر في مستنقع مالي كما اغرقت الولايات المتحدة باكستان في الحرب على الارهاب في افغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر.

ثمة حاجة الى وضع مفهوم للأمن القومي الليبي، يأخذ في الاعتبار المستجدات ويعد لتحصين البلاد من أي تدخل اجنبي محتمل، خصوصاً ان الأمم المتحدة وكثيراً من الدول بدأت تنظر الى ليبيا على انها تشكل خطراً على الامن والسلم في شمال افريقيا بسبب انتشار السلاح وتسربه منها الى دول المنطقة. ولا يفوت جيران ليبيا الجنوبيون الفرصة في اتهامها بتهديد امنهم، كما صرح الرئيس التشادي ادريس ديبي وكذلك الرئيس النيجري محمد يوسف.

وإذا اخذنا في حساباتنا تركة القذافي الثقيلة وتدخله في دول الجوار الإفريقي، خصوصاً في حرب تشاد، ما سبب لليبيين كثيراً من العداوات فإن الخوف هو في ان التدخل الاجنبي اذا وقع فإن جيران ليبيا لن يرحموها بل سنجدهم مندفعين باتجاهها، كل يريد حصته من أي تقسيم محتمل او يسعى لتصفية حسابات قديمة.

المرحلة جد خطيرة ولابد ان يكون الليبيون على يقظة تامة بما يجرى حولهم وما يدبر لهم في الخفاء. وليس من حل افضل لمواجهة التدخل الاجنبي الا الوحدة الوطنية ونبذ الخلافات السياسية ووجود حكومة وطنية قوية لا ترتهن للغرب وتستمد قوتها من التفاف الشعب حولها. حكومة ليست اسيرة اجندات حزبية او ولاءات جهوية تعمل بحزم لايجاد الحلول للمشكلات وأهمها الوضع الأمني. وإذا كانت الحكومة الحالية اضعف من ان تواجه هذه التحديات فالأمل في حكومة قادمة يختارها مجلس النواب الجديد يمكن ان تعالج الملفات الشائكة وتحفظ سيادة الدولة وتحميها من التدخل الأجنبي. ومهما يكن من أمر فإن الحكومة وحدها لن تستطيع ان تقوم بدورها على اكمل وجه الا اذا تضافرت جهود السياسيين والمثقفين والنخب الوطنية ومنظمات المجتمع المدني وتوافرت وسائل اعلام تنشر الوعي بين الناس وتبين لهم الحقائق.

قد يقول قائل اليوم ان الحرب الدائرة حول مطار طرابلس وتلك المشتعلة في بنغازي اللتين نتج منهما اجلاء البعثات الديبلوماسية، خصوصاً تلك التابعة للدول الغربية والتي ناصرت الثورة على القذافي، كلها مؤشرات إلى ان الغرب ترك ليبيا تواجه مصيرها وحدها، لكن للحقيقة وجهاً آخر فالغرب لا يمكن ان يغفل عن حقائق الجغرافيا والتاريخ ولن يكون بمعزل عن التأثر بحسابات الاقتصاد بخاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها منذ عام 2007 وليبيا دولة غنية بالنفط وبوابة افريقيا وعلى مقربة من جنوب اوروبا لا يفصلها عن جزيرة صقلية الإيطالية الا 480 كلم من البحر الذي استسلمت امواجه العاتية لطوفان من البشر في هجرة غير شرعية غير مسبوقة في التاريخ الحديث، كما ان تنامي نشاطات الجماعات الإسلامية المتشددة في ليبيا يخيف الغرب ويقضّ مضاجعه.

الأرجح ان الغرب لن يقف مكتوف الأيدي. قد يتفرج ويراقب الأحداث بعض الوقت لحسابات معينة لكنه حتماً سيتدخل عندما تحين الفرصة او تلوح في الأفق أخطار وتهديدات في غاية الخطورة. كل هذه المعطيات تحتم على الليبيين ان يكونوا في مستوى التحديات حتى يمكن مواجهة التدخل الاجنبي والحد من تاثيره في سيادة البلاد وأمنها واستقرارها.


* كاتب ليبي