التاريخ: شباط ٢٧, ٢٠١١
المصدر: جريدة الراي الكويتية
وهج التحوّلات في العالم العربي يلفح لبنان من بوابتي الحكومة المعلّقة والمحكمة الدولية

| بيروت ـ من وسام أبو حرفوش |

 

يسود إنطباع في بيروت ان لبنان «العصي» على «تسونامي» الثورات التي تضرب في غير مكان من العالم العربي، لن يكون في منأى عن «وهج» هذه التحولات وعصفها المتدحرج، خصوصاً ان العوامل الاقليمية والدولية غالباً ما كانت تشكل «العصا الوازنة» في تحديد مسار الاحداث فيه.


و«وهج» هذه التحولات، لا سيما في فصلها الليبي، من شأنه لن يلفح المشهد اللبناني ومستقبله في ضوء إضطرار القوى الاقليمية الى مراجعة سياساتها على النحو الذي يجنبها «الكأس المرة»، بعدما صارت دول المنطقة تحت المجهر إثر الانتفاضات في تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا.
«أول الغيث» في هذا «الوهج» وتداعياته تمثل في التباطؤ المفتوح في تشكيل الحكومة (الموالية لسورية) وآخره قد لا يقترص على الموقف من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الامر الذي يجعل بيروت التي كانت على موعد مع «إنقلاب» استراتيجي في توازناتها وموقعها، امام مرحلة جديدة من انعدام «الجاذبية» في انتظار استقرار الوقائع الجديدة في المنطقة.


وثمة من يعتقد في بيروت ان الانكفاء السوري عن ملف تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بعدما كانت دمشق صاحبة القرار في الاطاحة بحكومة سعد الحريري، يؤشر الى محاذرة دمشق في إثبات «تهمة» ادارة الوضع في لبنان لاعتبارات تتصل بعواقب العواصف التي تدهم المنطقة.
ويذهب البعض في بيروت الى حد القول ان الاتجاه الأممي الى وضع ملف الزعيم الليبي معمر القذافي في عهدة العدالة الدولية سينعكس تشدداً دولياً في التمسك بالمحكمة الخاصة بلبنان، الامر الذي يزيد من مصاعب حكومة ميقاتي العتيدة في فك ارتباط لبنان بتلك المحكمة والعدول عن التزاماته تجاهها.


وربما لهذه الاسباب بدأ الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي يستشعر صعوبة مهمة تلقفه لـ «كرة النار»، فهو اعلن صراحة امس انه يدرك خطر تشكيل حكومة «لون واحد» في لبنان، محاولاً تبديد الانطباع حول امكان تنصله من المحكمة الدولية حين اشار الى انه «هل يمكن رئيس وزراء حالي عدم متابعة ملف اغتيال رئيس وزراء سابق؟».
وكان الرئيس المكلف استكمل اليوم الثاني من «الويك اند» الطرابلسي الذي حوّله منبراً للردّ على الرئيس سعد الحريري من قلب أحد أبرز «القلاع السنية» لـ «تيار المستقبل» ومحطةً لمحو مشهد «التخلي» عنه ووضعه في «عراء» من «أبناء جلدته» الذي كان ارتسم في «يوم الغضب» الذي رافق تكليفه تشكيل الحكومة في 25 يناير الماضي.


واذا كانت «الزيارة المبكرة» لميقاتي لمسقطه في طرابلس اعتُبرت خطوة تعكس سقوط احتمالات ولادة وشيكة للحكومة الجديدة باعتبار ان الرئيس المكلف كان اعلن سابقاً انه سيزور عاصمة الشمال بعد التأليف، فان المواقف التي أطلقها من موضوع العدالة وسلاح «حزب الله» والتي جاءت في صيغة سؤالين «من منا لا يريد الحقيقة والعدالة من دون مواربة او استثمار سياسي؟ ومن منا لا يؤمن بالعداء لاسرائيل وتوجيه السلاح فقط في مواجهتها؟»، بدت ملتبسة بالنسبة الى فريق 14 آذار الذي اعتبر انها لا تعبّر عن «التزام واضح» بموضوع المحكمة ومعالجة السلاح غير الشرعي بل هي «إعادة تجديد للغة الخشبية عن العدالة والحقيقة»، وتاليا جاءت «غير كافية» لثني هذه القوى عن عقد اجتماع مساء اليوم في فندق «البريستول» يشارك فيه نوابها الستون وتعلن فيه رسمياً رفضها المشاركة في الحكومة الجديدة والانتقال الى «المعارضة» التي سيكون اول تحرك عملي لها في 14 مارس المقبل، في المهرجان الشعبي الضخم الذي تقيمه في الذكرى السادسة لـ «انتفاضة الاستقلال».
وقد ظلل هذا الواقع الزيارة الاولى لميقاتي لطرابلس منذ تكليفه، اذ حرص خلال لقاءاته امس التي شملت زيارة دار الفتوى في المدينة ولقاءات شعبية عدة على شرح الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة وظروف ترشيحه لرئاسة الحكومة والاتصالات التي يجريها لتأليف الحكومة العتيدة، مكرراً تبنيه كل الثوابت التي صدر عن القمة السنية الدينية - السياسية التي عُقدت قبل نحو 16 يوماً.


وفي هذه اللقاءات، دعا ميقاتي الجميع الى عدم الانجرار الى الاستفزاز. وقال في ردّ غير مباشر على ما اعلنه الحريري في ذكرى 14 فبراير في «البيال» بالنسبة الى الغدر والخيانة: «لا نريد الدخول في اي تناحر سياسي، لدينا مبادئنا واهدافنا، ولكن لا نريد أن تدخل الفتنة الى بيتنا. وهل هناك أكبر من الكلام الذي قيل في المهرجانات السياسية التي عقدت أخيرا؟ مع ذلك أصدرت بيانا اعتبرت فيه أن بعض الكلام إيجابي لأنني أعتقد أن الغرائز تولد السلبيات، فيما لغة العقل تظهر الايجابيات. ليس المهم أن نرد على المهاترات والحملات التي لا طائل منها، بل المطلوب أن نتعاون جميعا في سبيل بناء هذا الوطن وخير أبنائنا». واضاف: «سمعتم الكثير من الكلام عن الخيانة والغدر فلا تأبهوا لهذا الكلام الذي لا أساس له وأنتم كنتم شهودا على عملنا في العام 2005 عندما توليت رئاسة الحكومة، وحتى اليوم، وإذا كان مقياس الخيانة والغدر الذي يتحدث البعض عنه هو العمل لمصلحة كل لبنان، فنحن مستعدون للمضي في اقتناعنا ولن نتوقف عند المهاترات».


واكد «اننا مددنا يدنا للجميع في سبيل تشكيل حكومة جامعة فقوبلنا من البعض بالسلبية، ومع ذلك نسمع هذا البعض يحذر من حكومة اللون الواحد. نعم أنا مدرك تماما خطورة حكومة اللون الواحد، لأن لبنان لا يحكم الا بالتنوع وبمشاركة كل أطياف المجتمع، ولذلك أدعو الجميع للانضمام الى الحكومة»، مضيفاً: «بالأمس قلنا كلاما اننا مع العدالة والحقيقة لنفاجأ اليوم بكلام منسوب الى مصدر في الفريق الذي يطلق على نفسه اسم المعارضة الجديدة يقول إنهم شبعوا من اللغة الخشبية، فهل أصبحت العدالة والحقيقة لغة خشبية؟».
وعن موضوع تشكيل الحكومة، قال: «نعم تواجهنا اليوم بعض الصعوبات في تشكيل الحكومة، لكن اطمئنكم الى أنه مهما كانت الصعوبات تأكدوا أن لا أحد سواي سيشكل الحكومة، لأن هذا ما ينص عليه الدستور».


وكان ميقاتي استهلّ يومه الطرابلسي بزيارة دار الفتوى في طرابلس حيث كان في استقباله مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار ونائب رئيس المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى الوزير السابق عمر مسقاوي.
وقال الرئيس المكلف «إن الوضع الصعب في لبنان والمنطقة هو الذي أعطاني حافزا لحمل كرة النار والترشح لرئاسة الحكومة، وانا متمسك بالصلاحيات الدستورية المنصوص عنها لرئيس الحكومة المكلف ولن أتنازل عنها».


وفي ما يتعلق بموضوع المحكمة الدولية، قال: «أخذت على عاتقي عدم الدخول في اي جدال من أي نوع كان، ولكنني أقول فقط هل هناك أحد لا يريد الحقيقة والعدالة من دون مواربة أو استثمار سياسي؟ هل يعقل لرئيس وزراء موجود في السلطة ان يقبل الا يتابع قضية اغتيال رئيس وزراء سابق؟».
في موازاة ذلك، أنهت قوى 14 آذار استعداداتها لأول اجتماع تعقده مساء اليوم بصفتها «المعارضة الجديدة» والذي سيحضره نوابها الـ 60، على ان يليه مباشرة او غداً خطاب وُصف بانه مهم للرئيس الحريري.
وعُلم ان البيان الذي سيصدر عن نواب 14 آذار سيؤكد «رفضها قاطبة المشاركة في حكومة الرئيس ميقاتي العتيدة بعدما تبيّن أن الأسباب الموجبة تتمثل في عدم اعطاء الضمانات اللازمة التي طلبتها سواء منها المبدئية أو الرقمية المتعلقة بالثلث الضامن».


كذلك يؤكد البيان التمسك بالثوابت ورفض طريقة التعامل التي يلقاها الرئيسان سليمان وميقاتي من قوى 8 آذار وتالياً فإن قوى 14 آذار «لن تكون شاهد زور على ما يجري».
وسيعقب اجتماع اليوم لقاء موسع ثان ستعقده قوى 14 آذار على مستوى قياداتها في السادس من مارس المقبل في فندق البريستول أيضا، وسيحضره نواب وشخصيات وكل من يدور في فلك «14 آذار»، لإعلان وثيقة سياسية، وتحديد خريطة الطريق التي ستعتمد انطلاقا من التجمع الجماهيري في 14 مارس المقبل.


واستبق رئيس البرلمان نبيه بري اجتماع 14 آذار، لافتاً الى انه بعد الإعلان المتوقع لـ14 آذار عن رفض المشاركة في الحكومة رسمياً والانتقال إلى المعارضة، سيُفتح الطريق السريع أمام ميقاتي للسير بتشكيلته.
واذ نفى بري ما يقال عن أن تأخير تشكيل الحكومة مرتبط بأسباب تتعلق باحتفال 14 مارس أو بانتظار القرار الاتهامي، قال: «هذا الكلام ليس دقيقاً، والرئيس ميقاتي لن يتردد في إعلان تشكيلته بمجرد أن تكتمل عناصرها، وحتى لو كان ذلك مساء 13 مارس»، موضحاً «أن المعضلة الوحيدة حتى الآن هي حقيبة الداخلية، لكنها لن تكون عقبة أمام التأليف المرتقب».