التاريخ: شباط ٢٧, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
النظام الليبي يحصن طرابلس بتسليح مناصرين ونشر حواجز في الشوارع
إنزال مرتزقة في مصراتة وتوتر في زوارة وفوضى في الزاوية والشرق ينظم صفوفه

حاول النظام الليبي أمس تحصين معقله طرابلس وترهيب  الثوار الذين خاضوا الجمعة عمليات كر وفر مع ميليشيات النظام، وبدأ فعلاً توزيع اسلحة على المناصرين له، واقامة حواجز في شوارع العاصمة وإرسال دوريات الى الشوارع المقفرة. وفيما بدت آثار احتجاجات الجمعة  واضحة في  شوارع العاصمة، ومع استمرار سقوط مزيد من المناطق المحيطة بها في قبضة الثوار، أُنزل رجال من المرتزقة بطائرات الهليكوبتر في مصراتة، ثالثة كبرى مدن البلاد، وأطلقوا النار على مسيرة كانت تشيع ضحايا سقطوا في معارك الجمعة.


وتستمر المواجهات في البلاد التي باتت مقسمة، مع اصرار القذافي على التمسك بمنصبه،  بيد أن سيف الاسلام القذافي ابن الزعيم الليبي أبلغ أمس الى "وكالة الصحافة الفرنسية" ان الامور "في طريقها الى الهدوء" في ليبيا، بينما أبلغ الى قناة "العربية" الفضائية أن الاضطرابات تجعل كل الخيارات مفتوحة، بما في ذلك نشوب حرب أهلية وتدخل أجنبي.


وقال للوكالة الفرنسية: "ان امورنا في طريقها الى الهدوء... ليس من مصلحتنا ان نحرق بلادنا ونقاتل بعضنا البعض والذين يربحون في هذه الحال هم الموجودون في اوروبا واميركا والخليج"، في اشارة الى المعارضين الليبيين في الخارج خصوصاً. وعلى رغم مشاهد الجثث التي تنقلها وسائل الاعلام مستعينة بصور التقطها مواطنون، نفى حصول مجازر او قيام الطائرات العسكرية الليبية بقصف التظاهرات الاحتجاجية. وقال "ان 80 في المئة ممن ماتوا، ماتوا اثناء محاولتهم اقتحام مناطق عسكرية، ومنذ ثلاثة ايام حاول عدد من الشبان ان يقتحموا قاعدة مصراتة مما ادى الى موت شبان صغار وانا اتألم لذلك". وعن استعداد مجلس الامن لفرض عقوبات على ليبيا، أضاف: "انا مستعد لان يفرض علينا اي نوع من العقوبات بعد أن تأتي فرق تقصي حقائق من الخارج لتتأكد مما حصل، وعندها اذا ثبتت التقارير التي تبثها وسائل الاعلام المغرضة، سأكون اول شخص يؤيد العقوبات على ليبيا"، موضحاً "ان وسائل الاعلام الاجنبية كانت غائبة عن الاحداث، وحتى الدول الكبرى اخذت معلوماتها من تقارير مغلوطة بثتها وسائل اعلام مغرضة".


وعن انشقاق احمد قذاف الدم، ابن عم الزعيم الليبي الموجود في مصر، قال ان هذه المعلومات "غير صحيحة، هو موجود في مهمة خارجية والبيان الذي نشر عنه غير صحيح وغير صادق وسيرجع" الى ليبيا. ولفت الى أنه تحدث مع مندوب ليبيا لدى الامم المتحدة عبد الرحمن شلقم الذي اعلن ايضا استقالته من منصبه،  وقال: "اتصلت به هاتفياً وشرحت له الوضع فتفهم، وموقفه كان نتيجة انقطاع الاتصالات بينه وبين اهله، وانه كان ايضا يستمع الى التقارير المغلوطة، وانا اؤكد ان شلقم هو مندوب ليبيا لدى الامم المتحدة".
وعن المعلومات التي تحدثت عن ثروات طائلة لاسرة الزعيم الليبي في الخارج، قال: "لا يوجد دولار واحد باسمي او باسم معمر القذافي، انها اموال ملك صندوق ليبيا السيادي التي تستثمر في الخارج وهي ملك الشعب الليبي وليست ملكي ولا ملك معمر القذافي".

طرابلس
ووقت سيطرت المعارضة المسلحة على المنطقة الشرقية حيث  مواقع  نفطية، وبدأت تقيم ادارة جديدة، بدت  طرابلس هادئة صباح أمس، ولزم السكان منازلهم، فيما جابت الشوارع سيارات رباعية الدفع على متنها ميليشيات موالية للنظام، بعد ليل سمع  فيه اطلاق نار في بعض احياء طرابلس.
ونشر سكان في حي تاجوراء في شرق العاصمة عوائق إسمنتية وحجاراً كبيرة وأشجار نخيل في الشوارع، لمنع الاليات التي كانت تنقل مسلحين من دخول منطقتهم التي كانت شهدت احتجاجات وتناثرت فيها القمامة وكتبت شعارات على العديد من جدرانها ومنها: "القذافي انت يهودي"، و"تاجوراء حرة".
وفيما اختفت قوى الامن الموالية للقذافي من شوارع تاجوراء، بدت آثار الاعيرة النارية على جدران المنازل المتلاصقة شاهداً على العنف الذي وقع في الايام الاخيرة.
وخرج آلاف لتشييع رجل في الرابعة والاربعين قضى بـ "رصاصة في الرأس" في مواجهات مع قوى مؤيدة للنظام، وتحولت الجنازة تظاهرة معادية للنظام أطلقت فيها هتافات:"القذافي عدو الله".
وقال شخص يدعى اسماعيل:"جاءت قوات القذافي الجمعة الى هنا واطلقت النار على كل شيء خلال تظاهرة كانت سلمية".
وقال رجل آخر انه رأى 20 جثة خلال اليومين الاخيرين.
وفي أماكن أخرى من العاصمة،  روى رجل أربعيني أنه شاهد مناصرين للقذافي يدخلون احد مقرات اللجنة الثورية ويخرجون مع أسلحة. وقال إن النظام يعرض سيارة ومالاً لاي مناصر ينجح في تعبئة ثلاثة أشخاص للقتال الى جانب النظام.


وتحدث  آخرون عن شاحنات تجوب الشوارع وعلى متنها مدنيون مسلحون ببنادق آلية. وأوضحوا أن غالبيتهم من الشبان وحتى المراهقين.  
وكانت قوى الامن الموالية  للقذافي انتشرت الجمعة بكثافة حول المساجد وأطلقت النار على محتجين.
وقتل متظاهران على الاقل الجمعة على ايدي انصار القذافي في حي الفشلوم الشعبي.
وقال شهود ان هذا الحي وحي بن عاشور شهدا "اطلاق رصاص حي على كل من وجد في الشارع". وأضاف آخر أن قتيلاً سقط في سوق الجمعة.
وتكدست أكوام من الرماد أمام مركز للشرطة محترق في حي سوق الجمعة، وكتبت على الجدران شعارات مناهضة للنظام، بينها: "يسقط، يسقط القذافي". وتناثر الزجاج والركام في أماكن عدة.
وفي الساحة الخضراء حيث أظهر التلفزيون الرسمي الجمعة حشوداً تهتف للقذافي، تمركز رجال أمن ببزات زرق، ونشرت اللافتات المؤيدة للنظام.وبدا مطعم محترق الاثر الوحيد لاحتجاجات.

مصراتة
وفي مصراتة على مسافة نحو150 كيلومتراً شرق طرابلس، قال سكان إن معارضين يسيطرون على المدينة التي كانت هادئة أمس، مع فتح عدد من المحال التجارية أبوابها وتولي لجنة محلية ادارة الشؤون المحلية.الا أنه لفت الى أن المعارضة لم تعد تمسك الا بجزء من القاعدة الجوية الشاسعة، بعدما نجحت ميليشيات النظام في استعادة أجزاء منها الجمعة.
وقال طبيب إن 25 شخصاً قتلوا في القاعدة منذ الخميس.
 وروى شاهد ان "مرتزقة" نقلهم نظام معمر القذافي بمروحيتين فتحوا النار على متظاهرين كانوا يتوجهون الى جنازة ضحايا سقطوا في معارك الجمعة.وقال ان المرتزقة اطلقوا ايضا النار على مبنى الاذاعة المحلية.
وكشف ان زعيم قبيلة مصراتة تلقى اتصالاً من مقربين من القذافي اقترحوا عليه انشاء دولة مستقلة في المدينة في مقابل  تعهد لعدم مهاجمة طرابلس، ورفض الاقتراح. وقال: "ليس لدينا اسلحة كثيرة في مصراتة ونحن محاصرون بمدينتين تدعمان النظام زليتن وسرت"، الا ان "مدن مصراتة وبنغازي ودرنة وطبرق والبيضاء ستعين ناطقاً باسم ثورة 17 فبراير".

الغرب
وفي زوارة، على مسافة 120 كيلومتراً غرب العاصمة، لا يزال الوضع متوتراً.
وقال شهود إن قوات القذافي التي انسحبت من المدينة لا تزال تسيطر عليها من خلال تطويقها.
وفي الزاوية، روى شهود أن المعارضين للنظام صدوا هجوماً شنته كتائب أمنية تابعة للنظام الليبي خلال الليل.
وأفادت منظمة "هيومان رايتس ووتش" أن قوى الأمن الليبية هاجمت المحتجين الذين يحاولون السيطرة على مدينة الزاوية، وأطلقت النار على المتظاهرين، "مما أدى إلى سفك دماء وفوضى".
وقال عمال فروا إلى تونس  إن  المعارضة فرضت سيطرتها على قطاع كبير من الزاوية، لكن القوات الحكومية تسيطر على المناطق المحيطة بها، وأقامت نقاط تفتيش على مشارف المدينة.
كذلك، سيطر الثوار على سبراطة التي تكتسب شهرتها من الاثار الرومانية القريبة منها.
وقال خالد أحمد الذي يسكن في المدينة إن رجال القبائل يحاولون تنظيم مسيرة في اتجاه طرابلس، الا أن قوات النظام لن تدع أحداً يصل الى هناك.
ونشرت صحيفة "قورينا" أن العشرات أصيبوا برصاص قوى الامن الليبية. وقالت إن كتيبة الخويلدي الحميدي فتحت النار في منطقة على ساحل البحر المتوسط بين مدينتي سبراطة وسرمان.
ولم تحدد الصحيفة ملابسات إطلاق النار ولا هوية الضحايا.

الشرق
أما في الشرق، على مسافة الف كيلومتر من طرابلس، فتواصل المعارضة تنظيم صفوفها وتحلم بتحرير العاصمة.
وصرح الناطق باسم "تحالف ثورة 17 فبراير " عبد الحفيظ غوقة:"نحن ننسق عمل لجان المدن المحررة وفي مصراتة. وننتظر ان تحسم طرابلس الامر مع نظام القذافي وابنائه ثم نبدأ العمل على تأليف حكومة انتقالية". واضاف: "هناك متطوعون يقصدون يومياً طرابلس" للقتال، مشيرا الى انشقاق ضباط جدد وانضمامهم الى القوى المعارضة للنظام.

الامير السنوسي
ومن منفاه في لندن، يضاعف الامير الليبي محمد السنوسي (48 سنة) البيانات التي تدعم "ابطال الثورة الشعبية" والتي تطالب بتنحية العقيد معمر القذافي "قاتل شعبه"، قائلاً: "على المجتمع الدولي ان يمارس ضغوطا على القذافي، وان يطالبه بالكف عن قتل ابناء شعبه وبالرحيل هو وابناؤه ونظامه. هذا الشخص يجب ان يرحل".
وكان العقيد معمر القذافي اطاح في انقلاب عمه الاكبر الملك ادريس السنوسي الاول عام 1969. كما حدد اقامة والده حسن الرضا المهدي السنوسي بعيد تعيينه ولياً للعهد مع زوجته وابنائه الثمانية، ومن بينهم محمد الذي كان آنذاك في السابعة من عمره. وفي النهاية طرد القذافي الاسرة المالكة من البلاد لتلجأ الى بريطانيا عام 1988.
وأكد أن "لدي اتصالات بالكثيرين في كل انحاء البلاد، في الشرق والغرب وكل مكان. وهم يصفون لي الكارثة الانسانية. الامر مروع والناس تقتل كل يوم". ورفض تفسير اتخاذ العلم الملكي رمزاً للثورة على انه تطلع الى عودة الملكية، مؤكدا ان ذلك ليس هدفه  قط.
وص ف، رويترز، أب، أش أ، ي ب أ