نيويورك ( الامم المتحدة) - من علي بردى / العواصم - الوكالات:
في الوقت الذي شدد الرئيس الاميركي باراك أوباما لهجته حيال الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، مطالباً اياه بالرحيل "الآن"، لأنه "فقد الشرعية" للبقاء في الحكم، كان متوقعاً أن يصوّت أعضاء مجلس الأمن ليل أمس بتوقيت نيويورك (فجر اليوم بتوقيت بيروت) على قرار يفرض عقوبات واسعة على نظام القذافي وأولاده وأعوانه وقادة قواته بسبب ما يرتكبونه ضد الشعب الليبي. وإذ حرصوا على استبعاد أي تدخل عسكري خارجي، اتفقوا على صيغة تسوية لإحالة المسؤولين عن العنف المسلح ضد المدنيين الى المحكمة الجنائية الدولية على ألاّ تبدأ التحقيقات أو الملاحقات إلا بعد 12 شهراً من صدور قرار مجلس الأمن.
وكان أعضاء المجلس الـ15 توصلوا الى تسوية مُرْضية وافق عليها ممثلو 14 دولة. بيد أن المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة لي باودونغ أفاد أنه ينتظر التعليمات الأخيرة من حكومته، طالباً بضع ساعات للحصول على التعليمات النهائية. وإذا لم تحصل أي مفاجأة ليلاً، توقع ديبلوماسيون أن يصدر القرار بموجب البند 41 من الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية، أي بما لا يجيز التدخل عسكرياً، بعدما واجه أعضاء المجلس اعتراضات وتحفظات متعددة الجانب من ممثلي عدد من الدول الأعضاء.
ومنذ بدء المشاورات صباح أمس، استبعد ديبلوماسيون مسألة فرض حظر طيران فوق ليبيا "لعدم فاعليته"، مسترشدين بسابقة "عدم الفاعلية عندما فرض مجلس الأمن حظر طيران فوق البوسنة والهرسك". وكشف ديبلوماسي غربي أن "هناك اعتبارات أخرى، بعضها تقني"، موضحاً أن "ثمة خشية من أن يفهم فرض حظر الطيران على أنه تدخل عسكري مباشر بين نظام عربي وشعب ثائر ضده". وأضاف أن "فرض حظر الطيران يتطلب مصادر هائلة غير متوافرة. وفي حال توافرها، لن يكون في الإمكان تنفيذ هذه المهمة بصورة سريعة بدرجة تغير الواقع على الأرض".
وأفاد الديبلوماسي الغربي الذي طلب عدم ذكر اسمه أن "ممثلي روسيا والصين لم يُبدوا في البدء اعتراضات أساسية على مشروع القرار. غير أن روسيا طلبت لاحقاً عدم تفعيل المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، التي لا تتيح استخدام القوة العسكرية إلا بعد استنفاد كل الوسائل الأخرى المتاحة". ووافقت الدول الراعية لمشروع القرار على تلبية مطلب روسيا التي بدا أيضاً أنها مترددة حيال موضوع آخر يتعلق باحالة ملف أحداث ليبيا على المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وشاطرها في هذه التحفظات ممثلو الصين والهند، وهما على غرار روسيا، دولتان غير موقعتين على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وعلى بروتوكولها الاختياري. وعلى رغم أن الولايات المتحدة ليست موقعة أيضاً، فإنها وافقت على إحالة الملف على هذه المحكمة مستفيدة من سابقة أقدمت عليها عندما صوتت لمصلحة إحالة ملف أحداث دارفور قبل سنوات.
وأدت هذه التحفظات أولاً الى ارجاء الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن قرابة ساعة، في محاولة للتغلب على ما سماه المندوب البريطاني الدائم لدى الأمم المتحدة السير مارك ليال غرانت "قضايا تقنية وقانونية عديدة تتعلق بموضوع احالة ملف ليبيا على المحكمة الجنائية الدولية".
وأجريت مشاورات ثنائية ومتعددة الطرف في محاولة للتغلب على صعوبات أخرى ظهرت خصوصاً لدى الصين والبرتغال بسبب "مخاوف على رعاياهما الموجودين على الأراضي الليبية". وحيال هذا السجال، دخل المندوب الليبي الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم على الخط ليحرج الدول المترددة أو المتحفظة، إذ وجه رسالة الى أعضاء مجلس الأمن يفيد فيها أنه "بالإشارة الى مشروع القرار عن ليبيا أمام مجلس الأمن، يشرفني أن أؤكد أن البعثة الليبية لدى الأمم المتحدة تدعم الإجراءات المقترحة في مشروع القرار لمحاسبة المسؤولين عن الهجمات المسلحة ضد المدنيين الليبيين، بما في ذلك عبر المحكمة الجنائية الدولية".
وعلق مجلس الأمن مشاوراته وعاد الى الاجتماع بعد الظهر ليعبر عن "قلق بالغ" من الوضع في ليبيا، ويدعو الى "انهاء فوري للعنف" والى "اتخاذ خطوات للتعامل مع المطالب المشروعة" للشعب الليبي. وإذ أخذ علماً برسالة شلقم الى رئيسة مجلس الأمن للشهر الجاري المندوبة البرازيلية الدائمة لدى الأمم المتحدة ماريا لويزا ريبييرو فيوتي، دعا السلطات الليبية الى "ضبط النفس، واحترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي والسماح بوصول فوري لمراقبين دوليين لحقوق الإنسان" الى ليبيا. كما دعا الى "تأمين ممر آمن" للغذاء والأدوية والى "رفع فوري للقيود عن كل اشكال الإعلام" و"تأمين سلامة الرعايا الأجانب". وكذلك قرر المجلس أن "تتخذ الدول الأعضاء فوراً كل الإجراءات الضرورية لمنع التزويد أو البيع أو النقل المباشر أو غير المباشر، من أراضيها أو عبرها أو من خلال رعاياها، أو باستخدام أعلام سفنها أو طائراتها، للأسلحة من كل أنواعها أو للمواد ذات الصلة، بما في ذلك الأسلحة والذخائر والعربات والمعدات العسكرية، والمعدات شبه العسكرية، وقطع الغيار". ومنع ليبيا من تصدير كل أنواع الأسلحة. ودعا كل الدول "بما في ذلك الدول المجاورة لليبيا" الى "تفتيش" الشحنات الداخلة والخارجة من ليبيا.
وقرر أن "كل الدول الأعضاء ينبغي أن تتخذ الإجراءات الضرورية لمنع دخول الأشخاص (الواردة أسماؤهم في ملحق خاص بالقرار) أو عبورهم أراضيها". وكذلك قرر أن تجمد كل الدول "من دون تأخير كل الحسابات، وغيرها من الأصول المالية والمصادر الاقتصادية الموجودة على أراضيها، والتي يملكها أو يسيطر عليها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أفراد أو كيانات منشورة في اللائحة". وحدد المجلس الأشخاص الذين يمكن اضافتهم الى اللائحة. وشجع بقوة الدول الأعضاء على تقديم أسماء الى اللجنة التي ستتألف بموجب هذا القرار.
وكذلك قرر المجلس "انشاء (...) لجنة من مجلس الأمن تتألف من كل أعضاء المجلس" لمراقبة تنفيذ الإجراءات الواردة في القرار، داعياً الدول الأعضاء الى ابلاغ المجلس بالمستجدات في غضون 120 يوماً. وسمح لكل الدول الأعضاء باتخاذ الإجراءات الضرورية للسماح للمنظمات الإنسانية بالعودة الى ليبيا. وقرر أخيراً "ابقاء أفعال السلطات الليبية تحت الرقابة المتواصلة".
وبالنسبة الى موضوع المحكمة الجنائية الدولية، عمل الديبلوماسيون على ايجاد لغة مُرْضِية لجميع الأطراف، فقرر المجلس في نهاية المطاف أنه استناداً الى المادة 16 من قانون روما الأساسي الذي بموجبه لا يبدأ تحقيق أو محاكمة من المحكمة الجنائية الدولية إلا بعد 12 شهراً من طلب مجلس الأمن ذلك. وتبعاً لذلك قرر "إحالة الوضع في ليبيا منذ 15 شباط 2011 على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية"، على أن "تتعاون السلطات الليبية بالكامل" مع المحكمة وأن تفعل كذلك المنظمات الدولية والإقليمية. وطلب من المحكمة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي "مناقشة التدابير العملية التي تسهل عمل المدعي العام للمحكمة"، على أن يقدم المدعي العام للمحكمة لويس مورينو أوكامبو تقريراً الى المجلس بعد شهرين. وبقيت عقدة متعلقة بالفقرة 25 التي تنص على "السماح لكل الدول الأعضاء باستخدام كل الإجراءات الضرورية لعودة المنظمات الإنسانية الى ليبيا". وطالبت الصين بإزالة عبارة "استخدام كل الإجراءات الضرورية".
أوباما وكان الرئيس أوباما قال قبل ذلك ، في اتصال مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل "إنه حينما لا تكون لدى زعيم من وسائل البقاء إلا استخدام العنف الشامل ضد شعبه فقط، فإنه يكون قد فقد الشرعية في أن يحكم وينبغي أن يفعل الشيء الصواب للبلاد من خلال المغادرة الآن". وأوضح البيت الأبيض أن ميركل أكدت تأييدها مطلب الشعب الليبي الحصول على حقوقه، وأيدت وجوب محاسبة حكومة القذافي.
المواجهات وحاول النظام الليبي أمس تشديد قبضته على طرابلس وترهيب الثوار، وبدأ توزيع أسلحة على مناصرين له، وجابت آليات له تنقل مسلحين الشوارع المقفرة، غداة "جمعة الغضب" الذي خلف بصمات واضحة على أحياء شهدت الجمعة عمليات كر وفر بين الثوار، وميليشيات النظام، مخلفة قتلى وجرحى انضموا الى الضحايا الآخرين الذين سقطوا برصاص القمع الدموي للثورة الاكثر دموية يشهدها العالم العربي. ومع سعي النظام الى تحصين أحد آخر معاقله، توالت التقارير عن سقوط مزيد من المناطق في يد الثوار، وتزايدت المؤشرات لانضمام وحدات اضافية من الجيش الى هؤلاء، فيما مضت المعارضة في تكريس سيطرتها على شرق البلاد الغني بالنفط. وأفادت صحيفة "قورينا" أن وزير العدل السابق مصطفى محمد عبد الجليل قاد تأليف حكومة موقتة مقرها مدينة بنغازي. ونقلت الصحيفة عن عبد الجليل أن معمر القذافي وحده يتحمل مسؤولية "كل الجرائم التي وقعت" في ليبيا. وإن قبيلته القذاذفة قد تم الصفح عنها، مصراً على وحدة أراضي البلاد، وإن ليبيا حرة وعاصمتها طرابلس.
وفيما تواصل اجلاء الاجانب من ليبيا براً وبحراً وجواً، ازدادت عزلة نظام القذافي مع اعلان وزارة الخارجية البريطانية تعليق عمل سفارتها في طرابلس، بعد اجلاء معظم موظفيها في الطائرة البريطانية التي حطت في مطار طرابلس. كذلك، اعلنت وزارة الخارجية الفرنسية توقف عمل سفارتها في طرابلس بعد اجلاء جميع العاملين فيها في طائرة عسكرية أجلت ايضا رعايا فرنسيين واجانب.
|