التاريخ: شباط ٢٥, ٢٠١١
المصدر: جريدة الراي الكويتية
الحكومة اللبنانية العتيدة معلّقة في انتظار «كلمة سر»... سورية
البابا وسليمان يأملان في أن يسهل تشكيل الحكومة «الاستقرار»

لم تعد اوساط قوى عدة في فريق 8 آذار تخفي قلقها من التأخير الحاصل في تأليف الحكومة الجديدة في لبنان وانعكاس هذا التأخير «غير المحسوب» على المكسب السياسي الضخم الذي حققته هذه القوى حين تمكنت من تشكيل اكثرية نيابية جديدة وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري.


ذلك انه بعد شهر تماماً على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة، بدأت تتصاعد في كواليس القوى التي دعمته علامات التساؤلات عما اذا كان هذا التأخير في انجاز مهمته سيكفل لقوى 8 آذار استمرار زخم مكسبها السياسي ام ان هذا المكسب سيتجه، او هو اتجه فعلياً، الى التآكل التدريجي.


والمفارقة اللافتة في هذا الامر ان حلفاء زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون، ولا سيما منهم «حزب الله» وحركة «أمل» ومن هم مصنّفون اصلاً من غير حلفائه كالنائب وليد جنبلاط لا يُظهرون اي حماسة او تبرير لمعركة عون المتدرجة والتصاعدية مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان التي تأتي على حساب تأخير الحكومة الجديدة. لكن احداً من هؤلاء الذين باتت تجمعهم «زمالة» الطريق السياسية بعد تكوين الاكثرية الجديدة، لا يتمكن او لا يجرؤ او لا يريد حرق اصابعه في التدخل لثني عون عن رفع سقف مطالبه، ربما لخشية لديهم او لانطباعات او لمعرفة بأن عون يحظى بغطاء سوري، او على الاقل فإن دمشق لم تتدخل بعد معه لحمله على تسهيل مهمة تشكيل الحكومة.


طبعاً لا تعترق قوى 8 آذار علناً بالعلامات المحيرة التي تنتابها حيال موقف زعيم «التيار الحر» و«دفتر شروطه»، الا ان ثمة من يعترف بأن كل يوم يمر وتتأخر معه عملية تشكيل الحكومة يترك انعكاسات سلبية متراكمة على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وكذلك على زخم المكسب السياسي لقوى 8 آذار، بل ان هناك من بدأ يضرب الحسابات للمدى الذي يتسع امام قوى 14 آذار، كمعارضة جديدة، لتوظيف الواقع الذي برز في الشهر الاخير اذ عجزت فيه قوى الاكثرية الجديدة عن استكمال «انقلابها» وأصيبت بما يشبه «العارض المفاجئ» فيما كانت تتأهب لقطف ثمار هذا الانقلاب.


والتعقيدات الكبيرة التي اصيب بها هذا الفريق تبدأ «بعقدة عون» في الظاهر وتمر بعقدة التمثيل السني ايضاً في الحكومة الجديدة، ولا تنتهي عند «سر» الانكفاء السوري حتى الآن عن اي تدخل مؤثر وفعال. فثمة من يقول ان سورية تستدرج عروض الاميركيين والاوروبيين، وثمة من يتحدث عن خوف سوري من انتقال عدوى الانتفاضات اليها، وثمة من يهمس بالاستعداد السوري لإبراز رزمة تغييرات في لبنان وسورية. وكلها لا تزال في اطار التكهنات، لكن لكل منها ما يبررها. وهذا ما يفسر كل الجمود الذي يسود لبنان والمخاوف المتصاعدة لدى 8 آذار من هدر فرصة لن تتكرر.
وكان لافتاً ما نقله زوار العاصمة السورية من أن الجواب الذي يسمعونه في دمشق على سؤالهم حول مآل تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان هو أن سورية لا تُريد التدخّل في تأليف الحكومة، مشيرين الى ان الجانب السوري ينتظر شيئاً ما من السعوديّة أو فرنسا أو حتى الولايات المتحدة، إذ إن الحوار مستمر مع قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي دافيد بترايوس، إضافة إلى عودة زيارات وفود الكونغرس الأميركي لدمشق حيث التقى الرئيس بشار الأسد يوم الثلاثاء وفداً من الكونغرس برئاسة السيناتور ريتشارد شيلبي.


كما تحدّث زوار دمشق اللبنانيين عن أن المسؤولين السوريين ينظرون بدقة إلى ما يجري في المنطقة العربيّة، ويريدون أن يعرفوا كيف ستنتهي الأمور، وما الخريطة السياسيّة التي سترسو فيها؟
وفي سياق متصل، ثمة مَن يربط التريث السوري بالقمة التي يرتقب ان تُعقد في الرياض بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري الذي اشارت معلومات الى انه سيزور المملكة لتهنئة العاهل السعودي بالعودة بعد فترة العلاج.


واذ أكدت أوساط سورية مطلعة إمكان عقد القمة السورية - السعودية الأسبوع المقبل، لم تستبعد دوائر مراقبة ان يكون لقاء الملك عبد الله - الاسد مناسبة للقيام بجولة في الأفق السياسي للوضع العربي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فضلاً عن الوضع في لبنان»، علماً ان هذا سيكون اول تواصل بين العاهل والسعودي والرئيس السوري منذ إقصاء الرئيس سعد الحريري عن الحكومة وتكليف ميقاتي وما أعقبه من اعلان زعيم «المستقبل» ان لا عودة الى «السين - سين» اي الميادرة السعودية - السورية التي كانت تحاول رسم خريطة طريق لاستيعاب تداعيات القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.


في هذه الأثناء، لفت ما نقلته صحيفة «اللواء» عن مصدر رفيع في الامم المتحدة خلال لقاء لبحث تطورات ملف جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والجرائم المرتبطة، اذ توقّع أن يصادق قاضي الأمور التمهيدية دانيال فرانسين قبل منتصف مارس المقبل على قرار اتهامي أوّل يضم دفعة أولى من الأسماء المحالة إليه من المدعي العام القاضي دانيال بلمار، وهي لعناصر في «حزب الله» ممن ليسوا من القيادات الرفيعة والمعروفة في الحزب.


وأضاف المصدر الأممي أن قراراً اتهامياً ثانياً سيصادق عليه في مايو المقبل، ويضم دفعة ثانية من الأسماء، يتوقع أن يُحدث الإعلان عنها خضات كبرى وخطيرة.
وفي الفاتيكان، اعلن البابا بنديكت السادس عشر والرئيس اللبناني ميشال سليمان، امس، عن «املهما» في ان «يسهل تشكيل الحكومة الجديدة الاستقرار المنشود في البلاد المدعوة الى مواجهة تحديات داخلية ودولية».
واشار الفاتيكان في بيان الى ان البابا وسليمان اللذين عقدا لقاء ثنائيا على مدى نصف ساعة في جو «ودي»، لفتا الى «اهمية التزام السلطات المدنية والدينية لتربية الضمائر على السلام والمصالحة».
وتطرق الرجلان ايضا الى «الوضع في الشرق الاوسط مع تركيز خاص على الاحداث الاخيرة في بعض الدول العربية»، واعربا عن «قناعتهما المشتركة بانه من الملح حل النزاعات القائمة في المنطقة».


واضاف الفاتيكان ان «وضع المسيحيين في كل المنطقة والمساهمة التي بامكانهم تقديمها لصالح المجتمع برمته» حظي «باهتمام خاص».
واشار البابا والرئيس اللبناني الى ان «لبنان يمثل بفعل وجود جماعات مسيحية واسلامية مختلفة، رسالة حرية وتعايش لائق ليس للمنطقة وحسب بل للعالم اجمع». «وفي هذا الاطار، فان الترويج للتعاون والحوار بين المذاهب الدينية يبدو اكثر ضرورة».
وقدم الرئيس اللبناني للبابا هدية هي عبارة عن مبخرة تاريخية من العاج والذهب تعود للقرن السابع عشر من وادي قنوبين في شمال لبنان، والبابا قدم له بدوره ميدالية فاتيكانية تؤرخ لحبريته.