بينما تواصل دول عدة إجلاء رعاياها عن ليبيا بكل الوسائل الممكنة، تواصلت الدعوات إلى تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات المستمرة، وأكدت باريس وجود "عناصر محددة ومتطابقة" للتحقيق في جرائم ضد الإنسانية، وذلك عشية اجتماع مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي يُنتظر أن يطرد طرابلس من عضويته. وفي حين رفضت روسيا وتركيا فرض عقوبات على ليبيا لآثارها المحتملة على الشعب الليبي، سارعت سويسرا إلى تجميد الأرصدة المحتملة للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، وأكد حلف شمال الأطلسي أن لا خطط لديه لتدخل عسكري في ذلك البلد.
وأعلنت الحكومة السويسرية انها قررت، "في ضوء التطورات في ليبيا"، تجميد الأرصدة التي قد يكون يملكها القذافي والمقربون منه في البلاد، "بمفعول فوري"، وذلك لـ"استباق أي إساءة استعمال لأموال الدولة"، وهذا القرار يشمل حظر بيع ممتلكات لـ"هؤلاء الأشخاص". وأعربت الحكومة الهولندية عن عزمها على "التحرك بسرعة" لاتخاذ قرار في شأن إمكان تجميد الأرصدة الليبية في أراضيها.
لا ضربة عسكرية وفي كييف، قال الأمين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فوغ راسموسن إن "الحلف في حد ذاته ليست لديه خطط للتدخل. لم نتلق أي طلب في هذا الخصوص. وفي أي حال، يجب أن يستند أي تحرك إلى تفويض واضح من الأمم المتحدة". وكان وزير الدفاع الفرنسي آلان جوبيه الذي أمل ان يكون القذافي "يعيش آخر لحظاته" زعيماً لليبيا، صرح بأن الخيار العسكري "ليس مطروحاً في الوقت الحاضر"، وإن يكن أشار إلى إمكان إقامة منطقة لحظر الطيران، مع التشديد على عمل الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات مالية وتجارية وسياسية، مع إمكان وقف شراء النفط الليبي.
انتهاكات حقوق الإنسان في غضون ذلك، يعكف ديبلوماسيون أوروبيون على إدخال تعديلات على نص مقترح في اجتماع مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وخصوصاً من حيث طرد ليبيا من عضويته وعدم الاكتفاء بالإدانة أو تعليق العضوية، وهي خطوة تحظى بتأييد أميركي. كما يريد الاتحاد الأوروبي من المجلس تبني تحقيق في "انتهاكات كبيرة ومنهجية لحقوق الانسان قامت بها السلطات الليبية"، وتصنيف الانتهاكات بأنها "جرائم ضد الإنسانية".
وفي باريس قال السفير الفرنسي المكلف حقوق الانسان فرنسوا زيميراي إن هناك "عناصر محددة ومتقاطعة لإجراء تحقيق في جرائم ضد الانسانية على قاعدة معلومات ترد الينا وصور وتصريحات للقذافي ونجله (سيف الإسلام). سمعت أرقاماً من كل المصادر تتحدث عن سقوط ما بين ألف وألفي قتيل، لكنني لا أملك الوسائل للتثبت منها. هذا الامر لا يبدو لي مستحيلاً". وأضاف: "ما هو اكيد ان القذافي سيسقط. ليست ثمة أوهام من حيث قدرته من حيث الصمود في الظرف الراهن، نرى جيداً انه يتهاوى. عندما يقدم وزراء ومسؤولون حكوميون كبار استقالاتهم لا يبقى الكثير في الدولة. السؤال هو متى وبأي كلفة بشرية". ووصف تهديدات الزعيم الليبي بفتح ابواب الهجرة غير الشرعية نحو اوروبا، بأنه "أمر فيه من الخبث الذي يثير الصدمة الكبيرة". ودعت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان إلى قيام لجنة تحقيق مستقلة ونزيهة وذات صدقية في رعاية الأمم المتحدة، وأكدت ضرورة إبقاء كل الخيارات متاحة، بما في ذلك الطلب من المحكمة الجنائية الدولية مباشرة عملها لـ"وقف المذابح". وأشارت إلى ان مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان "سيدين بشدة أعمال العنف الضخمة وغير المقبولة المرتكبة حالياً... أعمال العنف هذه قد تشكل جرائم ضد الإنسانية".
وفي سلطنة عُمان، كرر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ان القمع الذي يتعرض له المحتجون "غير مقبول"، و"كل ذلك ستكون له تبعات أمام مجلس الأمن وعواقب على المسؤولين عنه، وعلينا درس مجموعة واسعة من الخيارات على ما قال (الرئيس الاميركي) باراك اوباما". وأيد وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ فتح تحقيق دولي في استخدام العنف في ليبيا. وفي بروكسيل ندد الاتحاد الاوروبي وروسيا في بيان مشترك عن الوضع في شمال افريقيا والشرق الأوسط صدر على هامش زيارة رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين للعاصمة البلجيكية، بـ"اللجوء الى القوة لقمع تظاهرات سلمية"، واعتبراه "غير مقبول".
العقوبات وفي موسكو، صرح الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش بأن "العقوبات قد تكون فعالة في بعض الأحيان، إلاّ انه بشكل عام لا يمكن القول انها تعد بالنسبة الى المجتمع الدولي وسيلة فعالة للتأثير في مختلف الاوضاع". وأضاف: "ننطلق في تقديرنا للأحداث في ليبيا والشرق الاوسط وشمال افريقيا من ان العنف أمر مرفوض. ويجب على المجتمع الدولي والعربي إيجاد سبل لحل القضايا في اطار التسوية السلمية والقانون". كذلك لاحظ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن "فرض العقوبات على طرابلس سيلحق الضرر بالشعب الليبي، وليس بالنظام". ودعت المعارضة التركية أردوغان إلى إعادة جائزة القذافي لحقوق الإنسان.
أزمة لاجئين وإجلاء من جهة أخرى، انعقد في بروكسيل اجتماع اوروبي للبحث في إمكان تدفق اللاجئين الليبيين الى أوروبا. وقال وزير الداخلية الايطالي روبرتو ماروني: "أطالب اوروبا باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمواجهة حال طوارئ انسانية كارثية. لا يمكن ان يتركونا وحدنا. إن اجتياح مليون أو مليون ونصف مليون لاجئ سينهك اي دولة، لهذا السبب نطالب بالتضامن". وكانت منظمة الهجرة الدولية في جنيف أفادت أن 30 ألف شخص على الأقل، معظمهم عمال مهاجرون تونسيون ومصريون، فروا من ليبيا. وقدرت أن نحو 15 ألفاً عبروا إلى تونس، معظمهم من التونسيين، وبينهم نحو ألف مصري و830 صينياً و300 ليبي. وأشار الناطق باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين اندريه ماهيسيتش إلى أنه من المقرر أن تبدأ المفوضية تسيير جسر جوي لنقل خيام وإمدادات عاجلة أخرى إلى جربة في تونس. ونُقلت إلى منفذ السلوم البري جثث ثلاثة مصريين قتلهم مرتزقة في بنغازي. وأمر وزير الصحة المصري أشرف حاتم بإرسال مزيد من الامدادات الطبية الى هناك. ويبحث الاتحاد الاوروبي في تقديم دعم عسكري بحري لإجلاء نحو ستة آلاف من رعاياه لا يزالون في لبييا. كما تنفذ دول آسيوية عملية إجلاء ضخمة مشتركة.
مواقف أخرى وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية ما تشاو شيوي بأن بلاده "تتابع عن كثب التطورات في ليبيا". وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ان "الوضع الراهن لا يمكن قبوله". وأمر الرئيس الاماراتي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بتقديم مساعدات انسانية عاجلة. ودعا عدد من السعوديين إلى التظاهر اليوم الجمعة في مدينة جدة بغرب المملكة تضامناً مع الشعب الليبي. ونددت ست جماعات معارضة في البحرين بـ"المجازر وعمليات القمع الوحشية" في ليبيا". وفي القدس، وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو القمع في ليبيا بأنه "مروع"، ودعا الى ادانات دولية "قوية". و ص ف، رويترز، أ ب، ي ب أ، أ ش أ
|