| بيروت - من وسام أبو حرفوش |
دخلت عملية تشكيل الحكومة في لبنان «غيبوبة»، تعددت التكهنات حيال اسبابها، كالقول انها لن تبصر النور قبل معرفة إتجاهات الريح العاصفة في المنطقة، او تعليقها في انتظار صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، او تأجيلها الى حين نضوج المناخ الكفيل بتذليل العقبات الفعلية التي تعترض ولادتها، او ارجاء البت بها سعياً لحمايتها بـ «شبكة أمان» داخلية وخارجية، او لكل تلك الاسباب مجتمعة. هذه الحصيلة «المعاشة» في بيروت، قللت من حجم الاهتمام بمجريات تشكيل الحكومة مع المعاينة الدؤوبة لما يجري في ليبيا والبحرين واليمن، حتى بدا «الشعب في لبنان يدير ظهره لحكاية ابريق الزيت وخبرياتها».
والأكيد، ان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، الذي يقاوم احباطه بالقول انه «لن يعتذر» ولن ينزلق الى تشكيل حكومة من «لون واحد»، ربما لا يستطيع هو نفسه رسم تصور اولي لـ «الوقت السياسي» الذي يحتاجه لإنضاج طبخته الحكومية، خصوصاً بعدما ادرك حجم الصعوبات الداخلية التي تعترضه، وطبيعة الخطوط الحمر الدولية التي رفعت في وجهه، في لحظة انعطافية تعيشها المنطقة برمتها وتفرض على اللاعبين الاقليميين اجراء مقاربات دقيقة لأدوارهم، لا سيما في لبنان. بعض الذين التقوا ميقاتي اخيراً، قالوا لـ «الراي» انه بدا وكأنه في «إستراحة محارب» لأن الامور معلقة وما من احد مستعجل لتشكيل الحكومة، لا سورية ولا «حزب الله» ولا ميقاتي نفسه. وحده زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، على عجلة من امره.
ولفتوا الى ان سورية و«حزب الله» يجدان في الستاتيكو الحالي (المراوحة) افضل من اي خطوة ناقصة، وتالياً فإن «عملية التشكيل مطوّله» لإعتبارات تتصل بتطورات الوضع في المنطقة اولاً، وربما لأسباب ترتبط بالقرار الاتهامي وموعد صدوره و«الوضع الافضل» لاستيعاب صدمته الاولية. وكشف الذين تسنى لهم الاستماع الى «تقويم» ميقاتي لنحو شهر من المفاوضات لتشكيل الحكومة، عن استنتاجات تؤشر الى وجود نوعين من المصاعب تعترض مهمة ميقاتي، خارجية على صلة بـ «تبدل» المزاج الدولي في غير مصلحة ميقاتي، وداخلية على ارتباط بسلوك العماد عون وبالتمثيل السني في الحكومة العتيدة. وتحدث هؤلاء الى «الراي» عن إنزعاج قطري ـ فرنسي ـ تركي من المعلومات التي جرى ترويجها عن «حماسة» سعودية لاقصاء رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري والاتيان بميقاتي، الامر الذي ترجم بـ «اصداء غير مريحة» في العواصم الثلاث، المتفاوتة التأثير في الوضع اللبناني.
وأشاروا الى ان ميقاتي بدأ يدرك صعوبة مهمته بعد تأكده من التوجهات الصارمة لعواصم المجتمع الدولي حيال الخيارات الاساسية، وفي مقدمها الموقف من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. فهو سمع كلاماً واضحاً من وفد الكونغرس الاميركي الذي زاره اول من امس، بعدما كان ابلغ الموقف عينه الى ابن شقيقه عزمي ميقاتي من مسؤولين اميركيين التقاهم في واشنطن في وقت سابق. فميقاتي، وبحسب هؤلاء، اصبح على يقين بأنه يحتاج الى غطاء دولي لن يتمتع به الا في حال انضمام تحالف «14 آذار» الى حكومته، والتأكيد على التزامات لبنان تجاه المحكمة الدولية، الامر الذي لن يكون سهلاً بسبب الانقسام التناحري. ورغم ان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة ما زال متمسكاً بقنوات التفاوض مع «14 آذار»، فإنه يشكك في امكان انضمام هذه القوى لحكومته، لكنه يحافظ على خطوط الاتصال معها كـ «ذريعة» للحد من اندفاعة العماد عون ومطالبه التي يستحيل التسليم بها.
وفي تقدير هؤلاء ان ميقاتي يعاني «إنزعاجاً شديداً» من الجنوح المتمادي لعون، والذي يبدو معه وكأن الحكومة تشكل في الرابية (دارة عون)، وما على «رئيسها الصوري» الا الانصياع، وهو الامر الذي يرفضه ميقاتي بشدة، ملمحاً الى امكان اعتماده خيارات بديلة كتشكيل حكومة تكنوقراط في غالبيتها. ولفت هؤلاء الى ان مطالب عون ليست العقدة الوحيدة التي تواجه ميقاتي، فثمة مشكلة تواجهه في ضمان الفوز بتمثيل سني وازن يتيح له تحصين موقعه في مواجهة ما يتعرض له من تشكيك من التيار السني الاوسع، المتمثل بـ «تيار المستقبل» بزعامة الحريري.
ولوحظ ان عون رسم سقفاً عالياً لموقفه من تشكيل الحكومة وحجم «حصته» ونوعية الوزارات التي يريدها، اضافة الى هجومه التصاعدي على رئيس الجمهورية ميشال سليمان ودوره. ورأى «الخصم التقليدي» لعون، رئيس الهيئة التنفيذية لـ «القوات اللبنانية» سمير جعجع ان الهجوم الذي يشنه عون على رئيس الجمهورية الهدف منه، إما تقصير ولاية سليمان وإما دفعه الى الاستقالة. وكان عون اتهم سليمان بأنه لم يعد توافقياً، رافضا منحه حصة وزارية في الحكومة العتيدة على أساس أنّ «ما حصل في العامين 2008 و2009 هو بمثابة عملية سطو على حقوقنا، فهو أخذ الرئاسة الأولى والوزارتين السيادتين في الحكومة الماضية وأصبحنا خارج إطار القرار، وهذا لن يحدث من الآن وصاعداً، فالقصة ليست إحسان بل حقوق، وبالقانون أفرض رأيي على كل العالم»، ومشددا في هذا السياق على كون رئيس الجمهورية «يلي الأحكام ولا يحكم»، ومتسائلاً: «أين النص الدستوري الذي يتيح منح رئيس الجمهورية حصة وزارية في التشكيلات الحكومية... شو منعطي BONBON».
في موازاة ذلك، وفيما استمرّت تقاعلات رسائل التحذير الواضحة التي حملها الى لبنان السناتور الجمهوري عضو لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الاميركي جون ماكين وزميله السيناتور المستقل رئيس لجنة الامن القومي والشؤون الحكومية في الكونغرس جوزف ليبرمان في ملفيْ المحكمة الدولية وسلاح «حزب الله»، بدأت دوائر مراقبة تراهن على امكان ان تشكّل عودة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الى الرياض امس محطة لتسريع الانتهاء من مرحلة الـ on hold في لبنان، ولا سيما في ضوء ما تردّد عن احتمال ان يقوم الرئيس بشار الاسد بزيارة للرياض لتهنئة الملك عبد الله بالسلامة، والبحث معه في اوضاع المنطقة ولا سيما ما يجري في لبنان والبحرين.
على ان مجمل هذه العناوين لم تحجب الانظار عن الحدَث الديني الذي شهدته الفاتيكان امس، اذ أزاح البابا بنديكت السادس عشر، الستار عن تمثال القديس مارون، امام بازيليك القديس بطرس، في حضور البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير وسليمان. يذكر ان طول التمثال، وهو الأخير الذي سيُرفع امام بازيليك القديس بطرس، اكثر من 5 امتار، نحته فنان ايطالي، ويحمل في يده عصا من البرونز، ومحفور عليه «اب الطائفة المارونية» من جهة ومن الجهة المقابلة كتب عليه انه وضع بمباركة البابا وصفير، وبتمويل من مؤسسة الراحل انطوان شويري.
|