بعد حديث المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي عن "جرائم ضد الإنسانية"، أشارت إلى إمكان إقامة مناطق لحظر الطيران في ليبيا لحماية المدنيين. لكن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو اوضح ان هذه الهيئة القضائية لا تستطيع التحقيق في الانتهاكات إلا بموافقة حكومة طرابلس أو اذا احال مجلس الأمن القضية عليها. وقرر مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان عقد جلسة غداً الجمعة لمناقشة الوضع في ليبيا. وغداة وقف مجلس جامعة الدول العربية مشاركة طرابلس في اجتماعاته، ندد الاتحاد الافريقي بـ"الاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين"، وتوافقت حكومات الاتحاد الأوروبي على الإعداد لفرض عقوبات محتملة على ليبيا.
وعلى رغم التقارير الدولية عن حجم الانتهاكات في ليبيا، فإن المحكمة الجنائية الدولية حرصت على التأكيد أن لا سلطة لها على ليبيا لأنها لم توقع معاهدة إنشائها عام 1998. وأصدر أوكامبو بياناً جاء فيه: "إن قرار تنفيذ العدالة في ليبيا يجب أن يتخذه الشعب الليبي، وبما أن ليبيا ليست من الدول الموقعة لنظام روما الأساسي، لذا لا يمكن المحكمة الجنائية الدولية أن تتدخل إلا اذا قبلت السلطات الليبية بولاية المحكمة". وفي غياب خطوة مماثلة "يمكن مجلس الأمن أن يقرر احالة القضية على المحكمة". وأضاف أن مكتبه لن يتحرك إلا عند اتخاذ احدى هاتين الخطوتين. وفي جنيف، أعلن المسؤول الكبير في مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان أليساندرو مارا، أن المجلس سيعقد الجمعة جلسة خاصة في شأن الوضع في ليبيا، بناء على طلب من الاتحاد الاوروبي. وقال ان "هناك 47 دولة تدعم الطلب، وليست كلها اعضاء في مجلس حقوق الانسان".
وأمس كررت بيلاي تنديدها بالانتهاكات في ليبيا، مشيرة إلى أنه اذا صحت التقارير عن استخدام الطائرات لقصف المدنيين، فإن "ذلك يعني حاجة فورية الى هذا النوع من الحماية"، في إشارة إلى فرض مناطق لحظر الطيران في ليبيا. وأضافت: "أنا مندهشة لأنهم يطلقون النار ويستخدمون العنف في وجه مدنيين يطلبون حقوقهم الإنسانية".
عقوبات أوروبية وفي بروكسيل، أفاد ديبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي أن الدول الـ27 اتفقت على الإعداد لفرض عقوبات محتملة على ليبيا. وصرح أحدهم بعد اجتماع في بروكسيل :"اتفقوا في بيان على اتخاذ مزيد من الإجراءات. وفي المصطلحات الديبلوماسية، يعني ذلك عقوبات". وفي وقت لاحق، أكدت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كاثرين آشتون ان الاتحاد "أبدى استعداده لاتخاذ تدابير اضافية" حيال النظام الليبي، وذلك غداة تجميد المفاوضات التي بدأت عام 2008 في شأن اتفاق شركة مع طرابلس.
وسيضع خبراء لائحة بالإجراءات المقترحة التي قد تشمل منع إعطاء تأشيرات لمسؤولين ليبيين وإمكان مقاضاتهم، وكذلك تجميد أصول وحظر بيع السلاح. وقالت الرئاسة المجرية للاتحاد ان هذه التدابير لن ينتهي اعدادها قبل اليوم الخميس. وكانت دول أوروبية عدة علقت صادرات الاسلحة الى طرابلس. كما أرسلت المفوضية الأوروبية خبراء الى الحدود التونسية والمصرية مع ليبيا لتقويم الحاجات في حال حصول موجة نزوح للسكان.
وكشف ديبلوماسي أن دولاً أوروبية كانت لا تزال مترددة الثلثاء، إذ اعتبرت أن الأولوية يجب ان تكون لإجلاء رعاياها قبل العقوبات. الا ان الخطاب العدائي للقذافي غيّر المعطيات. حتى ايطاليا، القوة الاستعمارية السابقة، شددت مواقفها. فقال رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني: "علينا ان نحذر من العنف غير المبرر والتوجه نحو الاصولية الاسلامية". واستنكر استخدام "العنف المفرط" ورحب بـ"رياح الديموقراطية التي تهب على هذه الدول (في شمال افريقيا)".
وفي روما نزع متظاهرون ليبيون وعرب العلم الليبي المرفوع على مقر السفارة وأحرقوه ورفعوا علم الملكية مكانه. ورأت وزيرة الخارجية الاسبانية ترينيداد خيمينيث ان "الزعيم السياسي الذي يقرر قصف مواطنيه يكون قد فقد شرعيته الكاملة لمواصلة قيادة بلاده". وفي مدريد ايضا صرح الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس بان "الناس لن تغفر للقذافي استخدامه السلاح وقتله مئات الاشخاص بشكل بشع، لأن حق التظاهر من حقوق الانسان". ولاحظ نائب الناطق باسم المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، كريستوف ستيغمانس انه "مرة اخرى تظهر الأنباء والصور الآتية من ليبيا ان العقيد القذافي اعلن الحرب على الشعب الليبي. ومثل هذه الحكومة فقدت الشرعية كاملة".
ودعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى تجميد العلاقات الاقتصادية والمالية مع طرابلس. وقال بعد الجلسة الاسبوعية لمجلس الوزراء: "أطلب من وزير الخارجية أن يقترح على شركائنا الأوروبيين تبني فرض عقوبات سريعة وملموسة كي يعلم جميع المتورطين في أعمال العنف أنه سيكون عليهم مواجهة تبعات أفعالهم. أود تعليق العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية إلى إشعار آخر"، ذلك انه "لا يمكن المجتمع الدولي أن يقف موقف المتفرج من هذا الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان". وكان جان دافيد ليفيت، كبير المستشارين الديبلوماسيين لساركوزي صرح في وقت سابق بأن على الدول الأوروبية أن تبحث في فرض عقوبات تشمل حظر السفر وتجميد أصول.
وأشارت وزارة الخارجية الى ان قيمة صادرات فرنسا الى ليبيا بلغت نحو مليار دولار عام 2009. وفي الدوحة، ندد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بـ"استخدام القوة المفرطة وما يحدث من استخدام للعنف ضد الشعب لا يمكن قبوله والسماح به". وقال نظيره القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ان "الوضع في ليبيا مقلق للغاية"، وان "استخدام القوة المفرطة لا تقبله قطر".
مواقف أفريقية وعربية وفي بيان صدر في أديس أبابا، قال رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي جان بينغ انه "يتابع بقلق كبير الوضع في ليبيا. وهو يندد بالاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين ويأسف لسقوط العديد من القتلى". وشدد وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري في لشبونة على ان العنف في ليبيا "غير مقبول". وقال ان "استقرار ليبيا على المحك، وعندما نتحدث عن استقرار بلاد في قلب افريقيا وشمال افريقيا تطل على المتوسط، فاننا قلقون أيضاً على الأمن الاقليمي". ودعت الحكومة السودانية القيادة الليبية الى "تحكيم صوت العقل والتحلي بالحكمة وضبط النفس وحقن الدماء، بما يحقق تطلعات الشعب الليبي في السلام والأمن والاستقرار". وأبدى مجلس الأمة الكويتي قلقه البالغ من "الأحداث الدامية التي تشهدها ليبيا حالياً، واستخدام القوة المفرطة والأسلحة الحية ضد الشعب الليبي الأعزل والمدنيين الأبرياء".
أحمدي نجاد وفي حديثه الأول عن الثورات الشعبية في البلدان العربية، تساءل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد: "كيف يمكن زعيما أن يعرض شعبه لوابل من (نيران) الأسلحة الرشاشة والدبابات والقنابل؟ كيف يمكن زعيما أن يقصف شعبه ثم يقول: سأقتل كل من يفتح فمه؟" وأضاف: "أريد جديا من كل زعماء الدول الانتباه إلى شعوبهم وأن يتعاونوا ويجلسوا ويتحدثوا ويستمعوا إلى كلامهم. لماذا يتصرفون بهذا الشكل السيئ الذي يجعل شعوبهم في حاجة الى الضغط من أجل الاصلاحات". وحذر الحكام من "مغبة عدم الاستجابة لمطالب شعوبهم لأن ذلك سينتهي بهم الى نتائج محسومة سلفا". وخلص الى أن المطالب الشعبية من أجل التغيير ستضع حداً لـ"الاضطهاد" الذي تمارسه "القوى المتعجرفة"، متوقعاً انتقالها إلى أميركا وأوروبا الغربية.
إجلاء رعايا واعلن مسؤولون أتراك ان المخاوف تزايدت بعد قتل عامل تركي بالرصاص في موقع بناء قرب طرابلس. وتجري تركيا التي يعمل 25 ألفاً من مواطنيها في ليبيا، أكبر عملية إجلاء في تاريخها. وقال وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو إن 21 دولة طلبت مساعدة أنقرة. وقال ناطق باسم مفوضية الاتحاد الاوروبي إن الاتحاد يجلي نحو عشرة آلاف شخص. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن عبارة مستأجرة تسع 600 راكب ستغادر طرابلس قريباً إلى مالطا. وأوردت المنظمة الدولية للهجرة ان رعايا من لبنان وسوريا وألمانيا وتركيا والصين انضموا الى آلاف التونسيين الذين يسافرون إلى بلادهم. كما عبرت باصات صغيرة مكتظة بالعاملين المصريين الى مصر.
وتعتزم وزارة الخارجية البرازيلية إرسال سفينة لاجلاء 180 عاملاً وأسرهم. وعاد الى موسكو 118 روسياً في طائرة لوزارة الحالات الطارئة. وتحركت سفن سورية الى الشواطئ الليبية، كما أجلي سوريون في رحلات جوية. ومنعت السلطات اعتصاماً لأكثر من 100 شخص من الاقتراب من السفارة الليبية في دمشق. وكان هؤلاء يحملون لافتات كتب فيها: "ارحل يا مجرم"، و"النصر للجرذان يا صرصور". و ص ف، أ ب، رويترز، ي ب أ، أ ش أ
|