التاريخ: شباط ٢٤, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
القذافي يحشد ميليشيات ومرتزقة والمحتجون يستعدون والدول تجلي رعاياها
أوباما: ندرس مجموعة خيارات

واشنطن – من هشام ملحم:
نيويورك – من علي بردى:
العواصم الاخرى – الوكالات:


وقت تسعى الميليشيات الموالية للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الى تشديد قبضتها على طرابلس، برز مزيد من التشققات في النظام الذي فقد سيطرته على شرق البلاد، اذ رفض طياران تنفيذ أوامر بقصف ثانية كبرى المدن بنغازي التي سقطت في أيدي المحتجين في الايام الاولى للاحتجاجات. وأعلن المحتجون ان مدينة مصراطة التي تقع في الشطر الغربي من البلاد قرب طرابلس سقطت ايضا في أيديهم.


وفي اليوم الثامن للاحتجاجات كثفت الولايات المتحدة والدول الاوروبية تحركاتها لاجلاء رعاياها من طرابلس، وتزامن ذلك مع تصعيد اميركي – أوروبي للتنديد بالقمع الدموي للاحتجاجات وبالتلويح بامكان الانتقال الى مرحلة فرض عقوبات على طرابلس. وشدد الرئيس الاميركي باراك أوباما على وجوب منح الشعب الليبي الحق في تقرير مصيره. وقال ان التغيير في المنطقة يمثل طموحات الشعوب التي تسعى الى حياة أفضل. وأكد ان العنف يجب ان يتوقف.

الساعدي
وفي إقرار رسمي بفقدان الشطر الشرقي من ليبيا، صرح الساعدي القذافي نجل الزعيم الليبي في مقابلة مع صحيفة "الفايننشال تايمس" البريطانية، بأن القيادة ستسترد هذه المنطقة "عاجلا أم آجلا".
وقال ان والده سيضطلع بدور رئيسي في أي نظام سيتشكل في البلاد، لكن ثمة حاجة الى دماء جديدة لتولي السيطرة المباشرة والقيام بالاصلاحات. وأضاف في حديث عبر الهاتف من طرابلس: "أبي سيبقى بصفته الوالد الكبير الذي يقدم النصيحة". وأشار الى ان ما يصل الى 85 في المئة من ليبيا "هادىء جدا وآمن جدا".

حشود في طرابلس
وروى شهود عيان ان الآلاف من المرتزقة الافارقة ورجال الميليشيا الموالين للقذافي كانوا يحتشدون أمس على الطرق المؤدية الى طرابلس لتشديد قبضة النظام على العاصمة.
وفي المقابل، قال أحد سكان طرابلس ان المناهضين للقذافي يخططون لتنظيم أول احتجاج منسق في ما بينهم. وأوضح ان "رسالة نصية وصلت الى كل هاتف محمول عن احتجاج عام  في طرابلس الجمعة".

مصراطة
وروى شهود عيان ان قوى الامن المحلية التابعة للقذافي هاجمت متظاهرين في مصراطة ثالثة كبرى المدن الليبية، مما أدى الى سقوط قتلى.
وقال أحد هؤلاء الشهود في اتصال هاتفي ان "أنصار النظام هاجموا المتظاهرين العزل بالرشاشات وقذائف "آر بي جي" وان "عددا من الشهداء" سقط. واضاف ان مئات المتظاهرين كانوا لا يزالون مساء الاربعاء في وسط المدينة التي تبعد 200 كيلومتر شرق طرابلس و"تطوقهم قوى الامن التي يمكن ان تهاجمهم في أي وقت".
وفي 19 شباط، حصلت مواجهات في مصراطة بين متظاهرين وقوى الامن التي يدعمها "مرتزقة أفارقة"، استنادا الى شهادات.

خطة عسكرية؟
ومع الغموض الذي يكتنف الوضع الميداني، نقلت قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية عن مركز "ستراتفور" للدراسات الاميركي ان مجموعة من الضباط الليبيين السابقين تعتزم اطاحة القذافي. وقال ان المجموعة تعد خططا للعودة الى ليبيا لاحياء مجلس قيادة الثورة. وأوضح ان الاسماء المتداولة للمشاركة في الخطة تضم وجوها من "الضباط الاحرار" الذين شاركوا الى جانب القذافي في اطاحة النظام الملكي عام 1969. وأفاد ان هؤلاء الضباط يسعون الى التأكد من انهم لن يتعرضوا للقصف من سلاح الجو الليبي الذي لا يزال مواليا للقذافي بعد الانشقاقات التي حصلت في باقي صفوف الجيش على غرار ما حصل في السلك الديبلوماسي وأجهزة الحكم الاخرى.
وتحدثت "الجزيرة" عن اعلان قائد المنطقة الشرقية في الجيش الليبي اللواء سليمان محمود سليمان انضمامه الى المحتجين ضد القذافي.

واشنطن
وفي واشنطن، ندد الرئيس اوباما بقوة باعمال العنف التي يقوم بها نظام القذافي ضد الشعب الليبي وأيد الحقوق الجوهرية لليبيين ومنها حقوق التعبير والتجمع "وقدرة الشعب الليبي على تقرير مصيره".
وقال انه طلب من حكومته "التحضير لطيف واسع من الخيارات للرد على هذه الازمة، بما فيها الخيارات الاحادية الجانب، وتلك التي يمكن تنسيقها مع الحلفاء والشركاء وتلك التي يمكن اتخاذها عبر المؤسسات الدولية"، في اشارة ضمنية الى مؤسسات الامم المتحدة.


واعلن في كلمة متلفزة القاها بعد ظهر أمس اثر اجتماع مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، انه سيوفد كلينتون الاثنين الى جنيف للاجتماع مع عدد من نظرائها الاعضاء مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان ولاجراء مشاورات معهم حول مجمل التطورات التي تشهدها المنطقة وضمان استمرار المجتمع الدولي في التحدث بصوت واحد لحكومة ليبيا وشعبها. كما اعلن عن ايفاد وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية السفير وليم بيرنز لزيارة عدد من العواصم الاوروبية والشرق الاوسطية "لتكثيف مشاوراتنا مع حلفائنا وشركائنا في شأن الوضع في ليبيا". وكانت مصادر مطلعة قد قالت ان المشاورات تهدف الى التحضير لاجراءات عقابية اما عبر مجلس الامن واما من خلال تعاون بين واشنطن وحلفائها الاوروبيين لتفرض على نظام القذافي في حال استمراره في تصعيد العنف ضد الليبيين. ولاحظ ان المسألة لا تعكس قلقا اميركيا صرفا، "لان العالم بكامله يراقب، وسوف ننسق مساعداتنا ومذلك اجراءات محاسبة (الحكومة الليبية) مع المجتمع الدولي".
وكان اوباما قد تعرض للانتقادات وواجه تساؤلات من عدد كبير من المعنيين بالوضع في ليبيا لانه لم يتحدث علنا او بقوة قبل أمس، على رغم ان الوزيرة كلينتون كانت قد نددت قبل يومين وبقوة باعمال العنف في ليبيا وحملت الحكومة الليبية المسؤولية عنها.


وقالت مصادر اميركية مسؤولة ان تردد اوباما في الحديث علنا عن ليبيا كان يعود الى قلقه وقلق حكومته على مصير وسلامة مئات الرعايا الاميركيين في ليبيا قبل اجلائهم أمس، واحتمال تعرضهم للعنف او لخطفهم رهائن. واضافت  ان تهديدات واتهامات القذافي يوم أول من امس للولايات المتحدة أكدت صحة  هذه المخاوف.


ولفت اوباما الى ان مواقف حكومته من الانتفاضات والحركات الشعبية التي سجلت في عدد من دول المنطقة في الاسابيع الاخيرة كانت ولا تزال تتمحور على  المبادئ العامة التي تنطبق على مختلف الدول بما فيها ليبيا. وبعدما ذكر بأن حكومته نددت في الاسبوع الماضي بأعمال العنف في ليبيا، وبعدما قدم تعازيه لعائلات الضحايا، اضاف  ان "معاناة الشعب الليبي وسفك الدماء أمر مشين وغير مقبول، وكذلك التهديدات وأوامر اطلاق النار على المتظاهرين سلميا ومعاقبة الشعب الليبي... هذه الاجراءات تشكل انتهاكا للاعراف الدولية وجميع مقاييس الاخلاق. هذا العنف يجب ان يتوقف".
وقال ان الولايات المتحدة "تدعم ايضا وبقوة الحقوق الدولية المشروعة للشعب الليبي، وهذا يشمل حقوق التجمع السلمي وحرية التعبير وقدرة الشعب الليبي على تقرير مصيره . هذه حقوق انسانية وغير قابلة للتفاوض".


واشار الى ان مجلس الامن الدولي بعث أول من امس برسالة واضحة بادانة العنف في ليبيا، وبدعم محاسبة المسؤولين عنها وبالتضامن مع الشعب الليبي. كذلك بعث بالرسالة ذاتها كل من الاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي ومنظمة المؤتمر الاسلامي ودول عدة. و"من الشمال والجنوب والشرق والغرب ترتفع الاصوات مجتمعة لمعارضة القمع ولدعم حقوق الشعب الليبي". وأبرز مسؤولية الحكومة الليبية في التوقف عن استخدام العنف والسماح للمساعدات الانسانية بالوصول الى الذين يحتاجون اليها واحترام حقوق شعبها، و"يجب تحميلها تبعة اخفاقها في تحمل هذه الواجيات ومواجهة ثمن مواصلة انتهاك الحقوق الانسانية".


ثم قال ان حكومته تواصل ايضا مراقبة ما يجري في المنطقة بما في ذلك ما يمكن المجتمع الدولي ان يفعله بشكل فعال لمساعدة عملية الانتقال السلمي الى الديموقراطية في تونس ومصر. وأكد ان التغيير الذي تشهده المنطقة بكاملها هو مدفوع من شعوب المنطقة، و"هذا التغيير لا يمثل عمل الولايات المتحدة او اي قوة اجنبية. وهو يمثل تطلعات شعوب تسعى الى حياة افضل. وكما قال احد الليبيين: نريد فقط ان نكون قادرين على العيش كبشر... هذا أكثر التطلعات جوهرية، وهذا ما يدفع بالتغيير. وخلال هذه المرحلة الانتقالية، فان الولايات المتحدة ستواصل وقوفها الى جانب الحرية ووقوفها الى جانب العدالة ووقوفها الى جانب كرامة جميع الناس".
 
كلينتون
وصرحت كلينتون خلال مؤتمر صحافي بأن "كل شيء سيكون على الطاولة. سننظر في كل الخيارات المحتملة في محاولة لانهاء العنف ومحاولة التأثير على الحكومة، ولكن كما قلت امس... في كل الاحوال... همنا الاول هو سلامة مواطنينا وأمننا".
وقبل ذلك، صرح الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية فيليب كراولي: "ندرس كل الوسائل والخيارات المتاحة أمامنا... والتي تشمل بالتأكيد البحث في العقوبات التي يمكن فرضها". وأوضح ان واشنطن تدرس امكان تجميد أصول ليبية بما في ذلك أصول للقذافي، ولكن لم يتخذ قرار بعد.

بان كي – مون
وفي نيويورك وصف الامين العام للأمم المتحدة بان كي – مون الوضع في ليبيا بأنه "خطير جدا "لأن طبيعة الهجمات على المدنيين تمثل "انتهاكات فاضحة للقانون الانساني الدولي وقانون حقوق الانسان"، مؤكدا ان المسؤولين عن "السفك الوحشي لدماء الابرياء يجب أن يعاقبوا".
وعقب اجتماع طارئ مع مستشاريه الكبار في مقر المنظمة الدولية بنيويورك أبلغ بان الصحافيين أنه "يراقب عن كثب التطورات في البحرين واليمن ودول أخرى". وقال: "ننظر الى الاحداث الاخيرة في ليبيا تحديدا ببالغ القلق. فالوضع هناك لا يمكن توقعه ويمكن ان يتجه في اتجاهات عدة، عدد منها  خطر". واضاف انه "في هذا المنعطف الحرج، لا بد ان يحافظ المجتمع الدولي على وحدته وان يتصرف معا لضمان تحول سلمي وسريع".


واذ أشار الى بيان أصدره مستشاروه الخاصون لمنع المجازر ومسؤولية الحماية أول من أمس، أفاد أن "طبيعة الهجمات على المدنيين وحدتها تمثلان انتهاكات فاضحة للقانون الانساني الدولي وقانون حقوق الانسان"، ندد بها. ورأى ان "المسؤولين عنها يجب ان يحاسبوا في المحاكم".


ولاحظ ان في الشرق الاوسط اليوم "أناسا وخصوصا الشباب، يضغطون لتوسيع حدود الحرية"، مشيرا الى ان مجلس الامن وجامعة الدول العربية وجها رسالتين "قويتين ولا لبس بهما" وأن "العالم تحدث بصوت واحد: يجب على حكومة ليبيا ان تفي بمسؤوليتها عن حماية شعبها". وأعلن انه سيجري محادثات مع زعماء العالم بعدما تحدث امس مع الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. كما سيوفد اليوم الى القاهرة وكيل الامم المتحدة للشؤون السيايسة لين باسكو والمديرة التنفيذية للجنة الاقتصادية لغرب آسيا "الاسكوا" ريما خلف ومسؤولين آخرين، الى ايفاد مسؤولين آخرين ايضا اليوم الى تونس لمتابعة الاوضاع عن كثب.


ورحب بقرار مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان عقد جلسة خاصة غدا وامكان القيام بتحقيق دولي في الاحداث الجارية في ليبيا. وكرر ان "العنف يجب ان يتوقف"، محذرا من ان "الهجمات على المدنيين انتهاك خطير للقانون الانساني الدولي ولقانون حقوق الانسان" وأن "أولئك المسؤولين عن السفك الوحشي لدماء الابرياء يجب ان يعاقبوا".


وسئل عما يمكن ان تفعله الامم المتحدة للضغط على القذافي لوقف ما يحصل، فأجاب: "انا نددت مرارا بما فعله القذافي... هذا غير مقبول اطلاقا". وأضاف أنه حض القذافي في محادثته الهاتفية قبل أيام "لكنه لم يستمع". وعبر عن ثقته بأن "المجتمع الدولي يدرس خيارات واسعة"، وأنه يترك لمجلس الامن تحديد الاعمال التي يمكن القيام بها مستقبلا وأكد ان خيارات فرض عقوبات او منطقة حظر طيران او غير ذلك موجودة و"هناك تطورات سريعة والوضع خطير جدا".
وسألته "النهار" عما اذا كان يطالب القذافي بالتنحي، فأجاب: "علينا ان نرى تطور الوضع. المجتمع الدولي تحدث بقوة. ومجددا، كل هذه الامور يجب ان يقررها الشعب الليبي من أجل مستقبله. نحن نراقب الوضع عن كثب وباستمرار، وستكون لدي فرصة للتحدث عن هذا الموضوع".