التاريخ: آذار ١٠, ٢٠٢١
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
عشر سنوات من عقاب السوريين! - فايز سارة
ينقسم السوريون اليوم إلى مجالين جغرافيين؛ أحدهما خارج سوريا، والثاني داخلها. وإذا كان المجال الأول رحباً واسعاً منوعاً ومتعدداً، حاضراً في عشرات الدول المختلفة والمتباينة في كل شيء بما فيه عدد السوريين ومكانتهم فيها، فإن المجال الثاني على ضيقه ومحدوديته، فيه من التنوع والاختلاف، كثير مما يتركه على واقع السوريين في حياتهم وفي مستقبلهم أيضاً.

المجال الجغرافي الأول الذي يعني سوريي الشتات، حسم مستقبل السوريين فيه إلى واحد من احتمالين؛ أولهما لاجئون في مسار يصبحون من خلاله مواطنين بعد وقت يطول أو يقصر، والثاني باعتبارهم «لاجئين» أو «مقيمين» أو «ضيوفاً» إلى آخر ما جادت به لغات المستضيفين من تعابير، حيث إقامتهم هناك مؤقتة، بانتظار عودتهم أو أكثرهم إلى بلدهم في إطار حل مقبل للقضية السورية.

أما المجال الثاني الذي يشمل السوريين الباقين في بلدهم، فما زال مستقبلهم فيه مفتوحاً على كل الاحتمالات، كما كانت عليه الحال في السنوات العشر الماضية. فقد يصيرون ضحايا لموجات العنف المتواصلة، التي تتابع فصولها سلطات الأمر الواقع في المناطق السورية الثلاث والداعمين الإقليميين والدوليين لها كل ضد سكان المناطق الأخرى أو ضد بعض سكانها، فتقتل وتسجن وتشرد سوريين هنا وهناك، وهي إلى ما سبق، تطبق سياسات وممارسات، لا ترتبط بعموم السوريين بمقدار ارتباطها بهموم القوة المسيطرة ومصالحها الفئوية وسط مراعاة محدودة للبيئة الحاضنة ولو شكلياً، فيما تنفذ سياسات سيطرة واستغلال ونهب ضد ما تبقى من سكان، تحرمهم من أي حقوق سياسية أو اجتماعية، وهي في كل الأحوال، لا تعدم تقديم مبررات لسياستها، ولعل أسهلها الحرص على تحصين مناطقها في مواجهة الآخرين.

ورغم أهمية ما تقدم في سياسات سلطات الأمر الواقع في المناطق السورية الثلاث، المحكومة بسياسات إقليمية ودولية نافذة على تلك السلطات، فإن السياسات التي تتابعها تتسم بالسوء والتردي المتقارب، لدرجة يكاد يعتقد المتابع لهذه السياسات كأن هناك توافقاً أو تواطؤاً بين الثلاثة على اتباع السياسة ذاتها ولو بفارق بسيط. ففيها جميعاً غياب لأي صوت سياسي مختلف، لا يعزف على أوتار القوى القابضة على السلطة، والأمر في ذلك ينطبق على منع العمل المدني والإعلام المستقل، ويتعداها إلى المجال الاقتصادي والاجتماعي الذي تغيب فيه خطط وبرامج تنمية معلنة، ويجري تعطيل القدرات المحلية في تحسين الأوضاع القائمة، بل إن الأمور تسير بالعكس في تكريس العطالة والاعتماد على المساعدات وعلى الجباية، حيث على السكان أن يدفعوا من أجل كل شيء، وتعزيز شبكات النهب وتكريس فساد في النخبة القابضة ومحيطها القريب، وتردي التعليم والقضاء وفساد ما هو موجود منهما.

لعل أهم جوانب التشابه بين قوى سيطرة الأمر الواقع، هو استنادها جميعاً إلى منظومات آيديولوجية سياسية، وإن كانت مختلفة في خلفياتها، فإنها موحدة في وظيفتها في ادعاء حقها في الوجود والسيطرة. فمن القومية والوطنية البعثية - الأسدية، وشعارات عودة سيطرة الدولة وجيشها إلى آخر أطروحات التضليل، التي يتم استخدامها من أجل إخضاع سكان مناطق سيطرتها، وتكريس نظام الأسد بكل جرائمه وتاريخه مجدداً، وصولاً إلى منطق السلفية الجهادية في إدلب وأخواتها من الجماعات المسلحة، التي تتشارك جميعها السعي لإقامة «نظام إسلامي»، يتراوح بين إمارة، تنتمي إلى «القاعدة» حسبما تتبنى «هيئة تحرير الشام»، أو دولة تقوم على «الشريعة الإسلامية» وسط أفق لا يفتح إلا باتجاه ما يتبناه «القاعدة» و«داعش» على هامش اختلافاتهم الطفيفة، الأمر الذي يرسم الحدود الاجتماعية والثقافية للسياسات المطبقة هناك، والتي تتناقض بصورة كلية مع شعارات ومطالب، أعلنها السوريون، وعملوا عليها طوال سنوات، وقدموا تضحيات هائلة من أجلها، وهو أمر لا يختلف كثيراً عما عليه الحال في مناطق شرق الفرات، التي تستند فيها سلطة الأمر الواقع إلى خليط آيديولوجي بين الأممية الستالينية والنزعة القومية، يجري دعمها بسياسات تخلط بين البراغماتية - النفعية والمظلومية الكردية، لتصب جميعها في مشروع الإدارة الذاتية في سوريا الديمقراطية، ووسط هذا الخليط المتناقض، تطلق سياسات قوة بطش عنصرية، لا توجه نحو سكان المنطقة من العرب والسريان فقط، بل تشمل الأكراد، لا سيما أحزاب المجلس الوطني الكردي وحواضنه الاجتماعية، التي عانت كثيراً من سياسات الإدارة الذاتية وحزبها القابض حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا.

وسط هذه الوقائع، يودع السوريون العام العاشر على ثورة عام 2011. سوريو الشتات مقسمون بين لاجئين على أبواب مواطنة في دول اللجوء، وآخرون ثمة التباس في تسميتهم ومصائرهم، لكن أغلبهم ينتظرون عودة كريمة وآمنة إلى بلدهم، أما سوريو الداخل ففي قلب المقتلة والمعاناة والفقر والجوع، وقد يغادر أكثرهم بلدهم إذا وجدوا مخرجاً لبلد يقبل وجودهم ولو بأي صفة كانت.

واقع حال السوريين، كأنهم في حالة عقاب للسنة العاشرة على حلم بالتغيير سعوا إليه بالتظاهر السلمي، وقدموا من أجله أعظم التضحيات، وتحملوا بسببه كل المصائب والمعاناة والجرائم، التي ارتكبها ضدهم نظام الأسد وحلفاؤه الإيرانيون والروس وأدواتهم المسلحة، وآخرون حسبوا أنفسهم في صف أصدقاء الشعب السوري وثورته، إضافة إلى ما قامت به جماعات التطرف والإرهاب وعصابات الجريمة من أعمال.

لقد آن الأوان لإنهاء معاقبة السوريين على سعيهم من أجل مستقبل أفضل لهم ولبلدهم وللعالم، وآن الأوان لمعاقبة المجرمين الحقيقيين، فهل سيكون ذلك مسار السنوات المقبلة؟!