|
|
التاريخ: تشرين الثاني ١٠, ٢٠٢٠ |
المصدر: موقع النهار العربي - لبنان |
|
الجزائر... السير على الرمال المتحركة |
روعة قاسم
تدل معظم المؤشرات على أن الأوضاع في الجزائر لم تستقر بعد، وما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات، وذلك رغم تصويت أغلب المشاركين في الاستفتاء بـ"نعم" على مشروع التعديلات الدستورية الجديدة وذلك بنسبة قاربت السبعين في المئة. لكن المتمعن في نسبة الإقبال على الصناديق والتي لم تتجاوز الـ23.7 في المئة من عموم الناخبين الجزائريين يدرك خطورة الأوضاع وإلى أي مدى الشارع الجزائري ومعه غالبية الطبقة السياسية في وادٍ، والفريق الحاكم في وادٍ آخر.
ويفسر البعض نسبة الإقبال الضعيفة على الاستفتاء على التعديلات الدستورية، بالمواد التي تضمنتها هذه التعديلات، والتي لم تنل استحسان عدد مهم من الجزائريين، خصوصاً أولئك الذين يخشون على الوحدة الترابية للبلد، ناهيك بعدم رضا عموم الناخبين الجزائريين على أداء الفريق الحاكم سواء تعلق الأمر بالرئيس عبدالمجيد تبّون أو بالحكومة، وحتى بالبرلمان الذي لم يتم حلّه إثر الحراك وواصل مهماته وكأن شيئاً لم يكن فيما يلقى أداؤه انتقادات واسعة من الشارع الجزائري.
ولعل أكثر ما يؤخذ على هذه التعديلات هو تكريسها للفدرالية بين أقاليم الجزائر وهو ما يرى فيه كثير من الجزائريين خطوة تمهيدية لتقسيم بلدهم من قبل قوى خارجية تتربص بهم من خلال أياديها التي في الداخل والتي تحتل مواقع مهمة وفاعلة في مفاصل الدولة. فمخاوف الجزائريين لم تأتِ من فراغ باعتبار أن جرح منطقة القبائل، التي يرفع بعض سكانها راية خاصة بهم، ما زال ماثلاً في الأذهان. فهذه المنطقة هي الخاصرة الرخوة للجزائر وشهدت انتفاضة أولى عام 1980 إثر وفاة الزعيم هواري بومدين فيما سمي يومها بالربيع الأمازيغي وعرفت حوادث مؤلمة عام 1994 وأخرى مماثلة في 2001 انتهت باعتراف السلطات الجزائرية باللغة الأمازيغية كلغة وطنية.
ولعل أكثر ما يثير المخاوف أن الزمن تغير ولم يعد زمن الزعيم التاريخي لمنطقة القبائل حسين آيت أحمد الحريص على وحدة الجزائر أرضاً وشعباً، وتقتصر مطالب حزبه على الحقوق الثقافية للأمازيغ في مدينتي تيزي أوزو وبجاية وغيرهما من مدن بلاد القبائل، بل هو زمن أصحاب الأجندات المشبوهة على غرار فرحات مهني الملقب بـ "فرحات إيمازيغن" مؤسس حزب "الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل"، والذي يطالب من باريس بانفصال منطقة القبائل مردداً شعارات من قبيل "القبائل ليست جزائرية، والجزائر ليست أمة، بل صناعة استعمارية" وغيرها من الشعارات الإنفصالية.
وتعتبر غرداية بدورها خاصرة رخوة جديدة برزت في السنوات الأخيرة كموطن للإضطرابات المذهبية والعرقية بعد أن كانت لقرون موطناً للتعايش بين مختلف مكوناتها من المزابيين الأمازيغ الذين يعتنقون المذهب الإباضي والعرب الشعانبة السنّة المالكيين. وما زالت الاضطرابات التي شهدتها هذه المدينة في 2015 تلقي بظلالها على المشهد العام، خصوصاً أن هناك اتهامات بتورط أياد خارجية في هذه الحوادث الأليمة التي سالت فيها دماء الجزائريين بإياد جزائرية. ولا يتصور أن هذه الأيادي الخارجية الآثمة التي حركت الفتنة في غرداية قد تركت الجزائريين وشأنهم، بل هي متواجدة وتسعى باستمرار إلى زعزعة استقرار البلد وتقويض وحدته، وهو ما يجعل المخاوف الإنفصالية حقيقية.
ومن البنود المثيرة للجدل في هذه التعديلات الدستورية مسألة اللغة الأمازيغية التي أصبحت منذ سنوات لغة رسمية في الجزائر ولاقى هذا التوجه معارضة شديدة وانتقادات واسعة من الأطراف العروبية على وجه الخصوص التي تتحسس من مثل هكذا بنود. وأيضاً مسألة شكل النظام السياسي الأنسب، خصوصاً بعد إسقاط خطة نائب الرئيس، وإقرار نظام رئاسي على النمط الفرنسي فيه وزير أول مختلف على النمط الأميركي.
ومن المسائل التي أثارت الجدل أيضاً مسألة اكتفاء المترشح للرئاسة بولايتين فقط باعتبار أن الدستور الجزائري، ومنذ زمن الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة يعطي الإمكانية لرئيس الجمهورية ليترشح ويخلف نفسه ما دام حياً يرزق ويرغب بذلك وتم انتخابه، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للرئاسة مدى الحياة، وقد طالبت أطراف عديدة بالتعديل في هذا الإطار وحصر إمكانية الترشح بولايتين فقط. لكن ذلك لم يحصل وتم عرض التعديلات على الاستفتاء من دون أن يقع تحديد عدد الترشحات للراغب بسكن المرادية، وهو ما يبدو أنه أزعج فئات عديدة من الجزائريين بخاصة أن الفريق الحاكم الحالي لم يأخذ العبرة ممن سبقه والذي تسببت له الرغبة في الحكم مدى الحياة في مغادرة المرادية من الباب الصغير.
ويشار إلى أن التعديلات الدستورية لا تصبح نافذه إلا إذا ختمها رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبّون قبل مرور ثلاثين يوماً من تاريخ الاستفتاء، لكن الإشكال يكمن في أن الرئيس خارج البلاد للعلاج وقد تطول مدة علاجه. و بالتالي يأمل المعارضون لمشروع التعديل الدستوري في أن يمر أجل الثلاثين يوماً من دون أن يصدّق الرئيس البنود التعديلية وبالتالي تسقط هذه التعديلات من الناحية القانونية ولا يتم اعتمادها.
ومع إصرار مراكز قوة معلومة في الجزائر على تمرير التعديلات الدستورية الجديدة في إطار ما عرف بخطاب التغيير والجزائر الجديدة، والخروج من تركة العصابة أي النظام السابق كما تنعته أطراف جزائرية، يبدو أن هناك أزمة في الأفق سيعرفها البلد خلال الفترة المقبلة بسبب افتقاد التعديلات الدستورية للتوافق وللشرعية الشعبية، وهو ما يؤكد على أن بلد المليون شهيد يسير على رمال متحركة وأن الاستقرار التام ووضوح ملامح الخريطة السياسية والمشهد العام ما زالا بعيدين المنال في الوقت الراهن.
|
|