|
|
التاريخ: تشرين الأول ٣٠, ٢٠٢٠ |
المصدر: موقع النهار العربي - لبنان |
|
"هوس" توحيد الثورة اللبنانية - مكرم رباح |
منذ انطلاق الثورة اللبنانية في 17 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي والشعب اللبناني عامة والثوار خاصة مهووسون في توحيد مجموعات الثورة وخلق قيادة صالحة لتقديم خطة وبرنامج واضح لتحقيق التغيير الجذري الذي يطمح له العامة.
قد يكون هذا الهوس أحد أهم المعوقات التي منعت تلك الثورة من أن تواجه السلطة بشكل أكثر فعالية وتحافظ على الزخم نفسه الذي انطلقت به في الشهور الأولى حيث دقت أبواب الزعماء وأمراء الطوائف وحتى "أسوار" البيئة الحاضنة لحزب الله وحركة أمل في الوسط الشيعي قبل أن تُقمع بالقوة.
ليست المشكلة في المطالبة بتوحيد الثورة والمجموعات المختلفة بل في فاشية هذا الطرح و مقاربته الكلاسيكية التي توحي بأن الثوار ينتمون الى مدرسة واحدة وبأنهم يتمتعون بالمستوى عينه من الشجاعة والصفاء الذهني، والأخطر من ذلك أن الثورة اللبنانية مخترقة من قبل العديد من الانتهازيين الذين يريدون فقط الحلول مكان الطبقة السياسية الفاسدة وممارسة إقطاع أو زعامة "تايوانية" مقلدة على الناس من دون القيام بالإصلاحات المطلوبة واستعادة سيادة الدولة المخطوفة من قبل سلاح إيران في لبنان، حزب الله.
فهذه الثلة من الثوار عادة ما تتفادى وبشكل متعمد التطرق إلى سلاح حزب الله، وإن صادف وأتوا على ذكره يستعملون كلمتي "السلاح المتفلت" في عبارة خبيثة تروج لفرضية أن كل الاحزاب السياسية اللبنانية تملك السلاح، وأن سلاح حزب الله الإيراني لا يختلف عن غيره، متغاضين عن أن الأخير يملك ترسانة صواريخ وجنوده يقاتلون في سوريا والعراق واليمن ويتحكمون بقرار السلم والحرب.
وهوس هؤلاء يصل حد الإصرار على أن الإصلاح ممكن بالتعاون مع جمهور "المقاومة" -و هي عبارة يستخدمها أصلاً حزب الله لخطف مشيئة الشيعة اللبنانيين- إذ أن حزب الله -حسب زعمهم- غير متورط بفساد الدولة بل إنه من الرافضين لنظام المحاصصة المالية الموجودة ولو خُيّر لكان عاد إلى موقعه العسكري الطبيعي وهجر السياسية .
وهي نظرية مغايرة تماماً للواقع، فحزب الله ليس متورطاً في الفساد فحسب بل هو يؤمن الحماية المعنوية والقانونية للفاسدين سواء انتموا لبيئته أو للأحزاب الحليفة وعلى رأسها التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل المتهم بأكبر سرقات العصر في قطاع الكهرباء.
وإلى هذه الأحزاب تُضاف حفنة من الأحزاب السيادية المزعومة التي تعترض علناً على سلاح حزب الله من دون أن تجد مشكلة في انتخاب الرئيس ميشال عون أو تقديم تنازلات أساسية أدت إلى انهيار الدولة. و الاسوأ من ذلك أنها تستخدم ذريعة وجود سلاح حزب الله لتبرير السرقات والصفقات التي تجريها تحت وضح النهار.
المعضلة الحقيقية هي الاعتقاد الساذج السائد بأن أفكار الثورة يجب أن تحظى بإجماع مطلق وبأنه يجب على الثوار أن يفتحوا باب الدعوة أمام الراغبين في الدخول اليها ويعملوا سوياً لإيجاد برنامج عمل مفصّل يتضمن الخطوات المطلوبة للوصول إلى الدولة العصرية التي تطالب بها الثورة. وهو اعتقاد، لسخرية القدر، يُروّج له أمراء الطوائف الذين يعيبون الثورة على عدم تقديم بديل عن النظام المجرم الحالي.
من اللحظة الأولى لانطلاق الثورة حاول حزب الله استغلال الغضب الشعبي لإضعاف وتركيع حكومة سعد الحريري من أجل الحصول على المزيد من التنازلات، لكنه ما لبث أن تنبه لخطورة الوحش الذي أراد ترويضه على بيئته الداخلية فتراجع واتجه نحو تخوين الثورة واتهامها بتلقي التمويل من السفارات.
في كل مرة حاولت فيها الثورة أن تطمر قضية السلاح غير الشرعي تحت جبل من المطالب المحقة والسخيفة أحياناً، انبرى المندسون التابعون لحزب الله، وغالبيتهم من الأحزاب التي تدعي العلمانية ولكنها تقدس حسن نصر الله، لتخوين الثوار واتهامهم بتطبيق مخطط صهيوني.
قد يتمكن بعض الثوار من جمع الثورة تحت راية أو رايات واحدة، لكنهم مهما فعلوا لن يستطيعوا الفرار من واقع أن الطريق الى إصلاح الدولة يمر باستعادة السيادة المطلقة والاتجاه نحو الحياد الاقليمي، وهو طريق لن يُعبّد من دون الوقوف في وجه السلاح الإيراني الذي يجعل من أمراء الطوائف المجرمين أولياء على هذا النظام، إنما بقوة السلاح والفساد.
وفي نهاية المطاف، إن أصرّ جمهور المقاومة أو أي جمهور آخر تابع لحزب أو حتى نادٍ لكرة القدم على أن سلاح حزب الله شرعي فإن مطالبة لبناني واحد أو حفنة من الشجعان بتطبيق الدستور والقانون هي أكثر من كافية، فكلمتهم أصدق ووَقْعها أقوى من النفاق السياسي وتخاذل بعض من جانب من يدّعون الثورة. |
|