|
|
التاريخ: تشرين الأول ٢٧, ٢٠٢٠ |
المصدر: موقع النهار العربي - لبنان |
|
"الاستفتاء على الدستور"... هل ينقذ الجزائر من التفكّك؟ |
أزراج عمر
لم يتبق لموعد "الاستفتاء" على الدستور في الجزائر إلا أقل من أسبوع واحد، إذ يعتقد النظام الجزائري الحاكم أن مجرد إقبال المواطنين والمواطنات على صناديق الاقتراح كفيل بكسب معركة الشرعية السياسية والقانونية ضد فسيفساء الحراك الشعبي الذي يرفض هذا الاستفتاء، وضد أطياف من المعارضة الحزبية غير المحسوبة على الموالاة والتي تشهد بدورها راهناً انقساماً حقيقياً في صفوفها، وحول عدد كبير من بنود الدستور وفي المقدمة البند الخاص باللغة الأمازيغية والبند المتعلق بإقرار الإسلام كدين للدولة واستبعاد فصله عن الشأن السياسي وإبعاده عن وصاية الحكومة، إضافة إلى وجود خلافات جوهرية بين أطياف ما يسمى بأحزاب وتيارات المعارضة بسبب ارتماء بعضها في أحضان النظام الحاكم بهدف التموضع بعد الاستفتاء مباشرة مثل حزب "جيل جديد" الذي يتزعمه جيلالي سفيان، وحزب "حركة البناء الوطني" بقيادة عبدالقادر بن قرينة.
في المشهدين السياسي والشعبي الجزائريين، هناك من ينظر إلى الاستفتاء على الدستور، على أنه يدخل في إطار توظيف السلطات الجزائرية مجدَداً لجرعات الترقيع الشكلي الذي يعتبر أحد الأسباب الأساسية وراء التفريخ المستمر للأسلوب التقليدي العقيم المتبع حتى الآن في معالجة جوهر تعقيدات الوضع السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي في الجزائر، مرة بإجراء الاستفتاء، أو الانتخابات الشكلية، وثانية بواسطة حجب أو إقالة بعض الوجوه البغيضة على مستوى الحكومة، أو على مستوى المؤسسات المركزية التابعة مباشرة للرئاسة في عاصمة البلاد، مثل المديريات المركزية، والبرلمان بغرفتيه العامة والعليا أو على مستوى دوائر تطبيق القرارات في المحافظات في الجزائر، ومرة ثالثة بالقيام بسيناريو إحالة بعض المسؤولين المتورطين في نهب الأموال أو تجاوز حدود مسؤولياتهم، على المحاكم. ولكن الشعب الجزائري يدرك جيداً أن هذا الترقيع لم يُحدث حتى الآن أي تحول جذري سواء في بنية الحكم نفسه أو في إيجاد حلول للمشكلات الكبرى التي تتسبب حقيقة في ترسيخ التخلف البنيوي في المجتمع الجزائري، والذي خسر رهان التحديث والعصرنة على كل المستويات.
من الواضح أن صقور النظام الجزائري يخطئون كثيراً في التقدير إذا أصروا على الاعتقاد في أن تمرير الاستفتاء على الدستور يوم الأحد المقبل سيوصل البلاد إلى برَ الأمان ويفك لغز تخلّف أبي الهول الجزائري دفعة واحدة أو يخترع مجتمعاً منسجماً، أو يزج بكل أطياف المعارضة الجماهيرية أو الحزبية إلى بيت الطاعة.
وفي هذا الخصوص، يُجمع مراقبون سياسيون جزائريون ينتمون إلى المجتمع المدني المستقل، على أنه حان الوقت لأن تقلع السلطات الجزائرية عن هذا النمط من التفكير غير الواقعي وأن تكف عن اختزال المشكلة لحل أزمة الجزائر بوهم الحصول على نسبة ترجح كفّة المراهنين على الدستور، لأن مثل هذا النمط من الحلول المتولدة عن التفكير الساذج قد جُرّب مرات عدة في الماضي القريب ولم ينفع.
وفي هذا الصدد لا بد من التذكير بأن هذا النظام الحاكم نفسه قد عوّل في ثمانينات القرن الماضي على فتح الأبواب للتعددية الحزبية من أجل تجاوز أزماته، ولكن التعددية التي فرضها بقيت ضمن إطار ذهنية تقاليد ثقافة مركزية الحكم وهيمنة الحزب الواحد والرئيس الأوحد، ولهذه الأسباب تبخرت توقعاته وبقي وباء فشل التنمية المادية والرمزية منذ الاستقلال قائماً، وقد ساهم ذلك بقسط وافر في انفجار الصراع المسلح على السلطة وأغرق البلاد في العشرية الدموية التي كادت أن تقلع الدولة من جذورها.
قبل ذلك، حاول النظام الحاكم نفسه معالجة أزمة الهوية الوطنية، بعد خروج المنطقة الأمازيغية لا سيما في محافظات تيزي أوزو وبجاية والبويرة في تظاهرات عارمة للمطالبة بالاعتراف بحقوق الأمازيغ الثقافية واللغوية، وذلك بواسطة "مسكّن" تعديل الميثاق الوطني الذي أدرج فيه، حينذاك، البعد الأمازيغي كركن أساسي من أركان ثالوث الهوية الوطنية المفترضة: (العروبة والإسلام والأمازيغية)، ولكن مماطلة السلطات الجزائرية في إقرار الاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية بوضوح وحسم أعاد القضية إلى المربع الأول. وقد تزامن كل ذلك بظهور تيار قوي داخل حزب "جبهة التحرير الوطني"، رفع شعار الرفض لتشريع اللغة الأمازيغية. وبتمرد التيار الإسلامي الراديكالي الذي تعودّ على نبذ الاعتراف بالبعد الأمازيغي للهوية الجزائرية وكان يصف دعوة المطالبين بهذا البعد بمحاولات التمركز الإثني الغارق في النزعة الإنعزالية التي يسندها، في تقدير هذا التيار الإسلاموي، الحنين المكبوت إلى الماضي الجزائري الأفريقي المتمثل في الدولة النوميدية القديمة حيناً، وبالتبعية لفرنسا حيناً آخر، وهو ينظر إلى دعاة الحكم الذاتي للأمازيغ كمهددين للوحدة الوطنية.
بالنظر إلى هذه التجارب الفاشلة التي تميز بها هذا الماضي القريب، فإن الاستفتاء على الدستور الأحد المقبل، لن يحل عقدة الشرعية السياسية بجرة قلم حتى لو لجأ الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبّون إلى حلّ البرلمان بغرفتيه وإلى خوض الانتخابات البرلمانية ومن ثم تشكيل حكومة جديدة يعينها الحزب الحائز على الغالبية الانتخابية، وذلك لأن المشكلات الكبرى والحقيقية لا تزال قائمة ولم تجد حتى الآن حلولاً حاسمة وفي صدارتها غياب الثقة في الحياة السياسية الجزائرية، وعدم تجاوز الاخفاقات التي أصيب بها الحراك الشعبي، وغياب أي أمل في إمكانية تأليف قيادة وطنية مثقفة وقادرة على بناء وتنفيذ تصور مؤسس على العلم لمشروع وطني متكامل وحداثي يختص بالتنمية المتطورة على مستوى ترقية الثقافة الوطنية وانفتاحها على المستجدات الفكرية والعلمية الراقية في العالم، إضافة إلى تحديث الاقتصاد وترشيد الاستثمارات، والابداع في مجال الصناعات الثقيلة والخفيفة.
وإلى جانب كل هذا، هناك شبح البطالة المتفاقفة الذي يرهب حياة أكثر من أربعة ملايين مواطن ومواطنة، وهناك عنوسة ما لا يقل عن خمسة ملايين امرأة فضلاً عن تراكم أزمات السكن المعقدة جداً وتراجع العملة الوطنية، وأخيراً، عدم تناسب الدخل الفردي مع غلاء المعيشة المتفاقم الذي يضع غالبية الجزائريين تحت خط الفقر. |
|