دخل الاحتجاج في البحرين أسبوعه الثاني، وعشية تظاهرة كبيرة دعت إليها المعارضة، ارتفع عدد الضحايا إلى ثمانية قتلى على الأقل، وعلا سقف مطالب بعض فئات المحتجين في "دوار اللؤلؤة" إلى إطاحة النظام برمته. وبإلغاء سباق الجائزة الكبرى للبحرين في افتتاح بطولة العالم لـ"فورمولا 1" وخفض مؤسسة "ستاندارد أند بورز" تصنيفها الائتماني للدين السيادي وإقفال أكثر المدارس، تكون الأزمة تركت آثارها على البلاد من غير أن يلوح في الأفق تقدم على المستوى السياسي مع استمرار تشكيك المعارضة في جدية عرض الحوار، وإن يكن استرعى الانتباه إعلان المعارض حسن مشيمع أنه سيعود إلى البحرين اليوم.
وبوفاة الشاب رضا محمد (32 سنة) الذي كان في حال موت سريري منذ الجمعة لإصابته برصاصات في رأسه، ارتفعت حصيلة ضحايا الاحتجاج إلى ثمانية قتلى على الأقل. في غضون ذلك، أصدرت جماعة تسمي نفسها "شباب 14 شباط"، تاريخ بدء الاحتجاجات، بياناً جاء فيه :"نطالب بإطاحة نظام آل خليفة القمعي. الشعب سيختار النظام الذي يريده". ودعت إلى محاكمة مهاجمي التظاهرات السلمية وقيام حكومة منتخبة ونزع الجنسية عن الأجانب الذين حصلوا عليها.
وفي "دوار اللؤلؤة" ترددت للمرة الأولى شعارات وهتافات تطالب بإلغاء الملكية. ووضع المعتصمون كرسيا يمثل عرشاً يسقط وكتبوا تحته: "هل يدوم عرش المستبد". وقالت الشابة شريفة بغضب: "لا نريد آل خليفة ولا حكمهم... "لا نريد لا (الملك) حمد (بن عيسى آل خليفة) ولا (رئيس الوزراء) خليفة (بن سلمان آل خليفة) ولا (ولي العهد) سلمان (بن حمد آل خليفة)". ووصفت الملك بأنه "مجرم حرب".
وبثت قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية أن الدوار امتلأ بعشرة آلاف شخص، كان بينهم نحو 1500 معلم قالوا إن أكثر مدارس البلاد أقفلت. غير أن الوكيل المساعد للتعليم العام والفني ناصر محمد الشيخ تحدث عن عكس ذلك، ملوحاً باتخاذ إجراءات في حق المدرسين الغائبين. وقد انضم إلى المعتصمين طلاب ومهندسون وصيادون ورياضيون ورجال اعمال، وذلك عشية تظاهرة كبيرة دعي إليها "وفاء للشهداء" توقعت المعارضة مشاركة مئة ألف شخص فيها. وفي المقابل، سار آلاف من البحرينيين دعماً للعائلة المالكة.
الحوار وجدد ولي العهد دعوة "جميع الأطراف إلى المشاركة (في الحوار) وعدم جر البلاد إلى مزيد من الفوضى والتطرف والاستقطاب، وأن تضع نصب أعينها المصلحة العليا للبحرين". وقال إنه يجب "أن يكون هدف الجميع المضي قدماً في إصلاح حقيقي شامل ومتواصل يضم كل الاتجاهات، ويشمل ما يطرحه الجميع من قضايا ومواضيع أساسية تلبي تطلعات شعب البحرين بكل مكوناته وآماله، وذلك للحفاظ على مكتسبات الوطن ودعم أمنه واستقراره ومسيرة التنمية فيه". لكن القيادي في جمعية "الوفاق الوطني الإسلامية" خليل المرزوق نفى أن يكون موعد الحوار حُدد، مشيرا الى أن أسسه غير مهيأة بعد "القمع الوحشي"، كما ان مضمونه وجدول أعماله ومدته غير معروفة. وأضاف ان "البحرين خسرت الكثير من سمعتها الدولية"، محذراً من أن العودة إلى استخدام العنف "قد تفتح الباب أمام احتمالات غير متوقعة وستغير خريطة المطالب". ووصف رجل الدين الشيعي حبيب الجمري عرض الحوار بأنه "مؤامرة على الثورة".
مشيمع وفي خطوة مفاجئة، صرح مشيمع المقيم في لندن: "قررت العودة الى بلدي، وسأكون في مطار المنامة غداً (اليوم) الثلثاء في حدود الساعة 19:00 (16:00 بتوقيت غرينيتش)". وأضاف انه "في ظل الظروف الحالية لا يمكنني البقاء خارجاً". وشدد على انه لم يحصل "على اي ضمانة" لعدم اعتقاله لدى عودته. غير أنه أورد في صفحته على موقع "فايسبوك" للتواصل الاجتماعي انه يعتزم التحقق مما إذا كانت السلطات جدية في عرض الحوار أم أنها ستبادر إلى اعتقاله. ويذكر أن مشيمع هو الأمين العام لحركة الحريات والديموقراطية (حق)، وهو يحاكم غيابياً بتهمة تأسيس منظمة تستخدم الارهاب وتهدف إلى إطاحة النظام.
مواقف وفي الدوحة، صرح رئيس هيئة الاركان المشتركة الأميركية الاميرال مايكل مولن:"لا أزال أعتقد ان ايران بلد يواصل تغذية عدم الاستقرار في المنطقة واستغلال كل فرصة، لكنني اعتقد ان هذا لم يكن المحرك الرئيس لاحداث مصر أو البحرين أو الدول الأخرى". ذلك ان الاضطرابات "بمجملها ناجمة عن مشاكل داخلية لا مخططات وضعتها قوة خارجية". وهو قد يزور البحرين حيث مقر الاسطول الخامس في وقت لاحق من الاسبوع، استنادا الى مصادر مقربة منه. وكانت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون شددت في اتصال هاتفي مع نظيرها السعودي الأمير سعود الفيصل على "ضرورة ان تلزم قوات الامن في البحرين ضبط النفس"، كما رحبت بعرض الحوار، على ما جاء في بيان لوزارة الخارجية الأميركية.
وأكد وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز في اتصال مع العاهل البحريني أن الرياض تدعم المنامة "في مواجهة كل ما يؤذي امنها واستقرارها ووحدتها الوطنية". كذلك أجرى نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم اتصالاً هاتفياً مع الملك حمد. وصرح وزير الثقافة والإعلام السعودي عبدالعزيز الخوجة بعد الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء السعودي برئاسة نائب الملك الأمير سلطان بن عبد العزيز بأن "المجلس أكد وقوف المملكة بكل إمكاناتها خلف دولة البحرين الشقيق وشعبها". وفي تحرك استرعى الانتباه، تجمع عشرات من الكويتيين أمام مجلس الأمة تأييداً للمحتجين في البحرين. ورفعوا لافتات كتب فيها: "كرامة البحرينيين من كرامتنا" لوحوا بصور للجرحى تحت تعليق "أين الديموقراطية".
"ستاندارد أند بورز" وبسبب الأزمة الحالية خفضت مؤسسة "ستاندارد اند بورز" تصنيفها الائتماني للدين السيادي البحريني للأجلين الطويل والقصير. وحددت تصنيف البحرين عند (A-/A-2) من (A/A-1) ووضعتها قيد المراقبة مع توقعات سلبية. وكذلك خفضت تصنيفها للمصرف المركزي البحريني وشركة "ممتلكات" القابضة، وهي صندوق الثروة السيادية، إلى (A-/A-2) من (A/A-1). وتزامن ذلك مع إلغاء سباق "الفورمولا 1" الذي يعد الحدث الأكبر في البلاد منذ عام 2004. وقال ولي العهد، مالك العقد، في بيان إن الملكة يجب أن "تركز فوراً على مسائل مصلحتها القومية وتترك استضافة سباق الفورمولا واحد إلى موعد لاحق". (و ص ف، رويترز، أ ب، ي ب أ، أ ش أ، "الجزيرة. نت")
|