التاريخ: شباط ٢١, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
بنغازي ساحة حرب والقتلى والجرحى بالمئات والاحتجاجات تلامس طرابلس
علماء مسلمون يناشدون "وقف القتل" والمندوب في الجامعة العربية ينضم إلى "الثورة"

على رغم محاولات التعتيم الاعلامي على الاحتجاجات التي تشهدها ليبيا منذ الثلثاء الماضي ضد حكم العقيد معمر القذافي المستمر منذ أكثر من أربعة عقود، توالت التقارير أمس عن تفاقم الاضطرابات في هذا البلد، مع قمع واسع للتظاهرات، و"مجازر" و"مذابح" وتنكيل" و"عمليات اغتصاب"، وصولاً الى قصف المحتجين "بالسلاح المضاد للطيران"، وخصوصاً في بنغازي، مما أوقع استناداً الى منظمة "هيومان رايتس ووتش" 173 قتيلاً، حتى صباح أمس، أكثرهم في ثانية كبرى مدن البلاد، حيث أطلقت قوى الامن السبت النار على مواكب كانت تشيع شباناً سقطوا برصاصها أيضاً. وروى شهود أن ضحايا أخرى سقطت أمس مع اطلاق النار على جنازات، فيما تمددت الاحتجاجات الى مدن أخرى ولامست طرابلس.


وفي أول الارتدادات السياسية للاحتجاجات،أفادت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية "أ ش أ" أن مندوب ليبيا الدائم لدى جامعة الدول العربية عبد المنعم الهوني استقال من منصبه احتجاجاً على قمع المحتجين، "وانضم الى الثورة الشعبية".وقالت إنه قدم استقالته إلى وزارة الخارجية الليبية " احتجاجاً على السماح بضرب المتظاهرين العزل وسحقهم، معتبرا أنه كمواطن ليبي لا يمكنه السكوت مطلقا على هذه الجرائم التي تصل إلى حد الإبادة الجماعية...".

بنغازي ومصراتة
وسقطت غالبية الضحايا في بنغازي، ثانية كبرى المدن على مسافة الف كيلومتر شرق طرابلس، لكن شهوداً قالوا إن صدامات دموية حصلت السبت في مصراتة على مسافة 200 كيلومتر شرق العاصمة.


وقال فتحي تربيل لقناة "الجزيرة" الفضائية القطرية إن بنغازي، معقل المعارضة، صارت مسرحاً لـ"مذابح... باتت تشبه ساحة حرب مفتوحة بين المتظاهرين وقوى الامن".
وعلى خلفية أزيز الرصاص في بنغازي، أبلغ طبيب في بنغازي هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" أن "مجزرة حقيقية وقعت"، وأن 20 جثة نقلت الى المستشفى أمس. لكن قناة" الجزيرة" الفضائية القطرية نسبت لاحقاً الى مصادر طبية أن نحو 50 شخصاً قتلوا منذ ظهر الاحد.


وروى شاهد لـ"رويترز": "جرت مذبحة هنا (في بنغازي) الليلة الماضية". وأضاف أن قوى الأمن تستخدم أسلحة ثقيلة، وقد "انضم الكثير من الجنود ورجال الشرطة الى المحتجين".
وقال شاهد آخر إن آلاف الناس أدوا صلاة الجنازة على 60 جثة مسجاة قرب محكمة شمال بنغازي. ولم يسمح للصحافيين بدخول المدينة، لكن وكالات الانباء وشبكات التلفزيون نسبت الى سكان اتصلت بهم أن "المدينة في دائرة من العنف، اذ يقتل الناس، وعند تشييع الجنازات لدفن القتلى في اليوم التالي تطلق قوى الأمن النار "على مزيد من المحتجين.


وصرح المحامي الليبي محمد المغربي لـ"وكالة الصحافة الفرنسية" ان تظاهرات جديدة خرجت أمس في المدينة حيث تعرض متظاهرون لاطلاق نار، وأن 200 شخص قتلوا منذ بدء الاضطرابات.
وأفادت قوى الامن ان احدى الثكن في بنغازي تعرضت لهجوم من المتظاهرين، مما ادى الى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المهاجمين والعسكريين. وقال الداعية الاسلامي صادق الغرياني لـ"الجزيرة" إن "الوضع لا يحتمل، وأن جنوداً مرتزقة يطلقون النار على المتظاهرين"، وأن السلطات تقصفهم بـ"السلاح المضاد للطيران والمروحيات". وأكد أن "جسراً جوياً بين طرابلس وبنغازي ينقل المرتزقة والسلاح". وحض الجيش وزعماء القبائل على الوقوف في وجه النظام ونصرة المتظاهرين.
ولاحقاً، بثت"الجزيرة" أن السلطات الليبية اوقفت الغرياني.

طرابلس
ومع ورود تقارير عن انضمام قبيلة ورفلة، احدى كبرى القبائل الليبية، الى المحتجين، بلغ التوتر العاصمة طرابلس حيث تجمع عشرات من المحامين امام مقر احدى المحاكم احتجاجاً على قمع التظاهرات، استناداً الى شهود ومواقع للمعارضة، مما دفع قوى الامن الى محاصرتهم، في حين طلب من الصحافيين الابتعاد من المكان.
وأقبل سكان طرابلس بكثافة على التمون خوفاً من تدهور الاوضاع في العاصمة ووصول التظاهرات اليها.


وتجول افراد من حركة اللجان الثورية، الحرس القديم في النظام، باللباس المدني في شوارع العاصمة في سيارات مدنية بعضها من دون لوحات تسجيل.
كذلك، تحدث شهود عن مواجهات بين متظاهرين وقوى الامن في مدينة الزاوية الواقعة على مسافة 60 كيلومتراً غرب طرابلس.


وفي بعض من التعليقات الرسمية المحدودة التي وردت أمس، افاد مصدر امني ليبي ان ضابطا برتبة عقيد انشق عن الجيش وانضم الى "جماعة ارهابية" قال انها تضم عناصر من تنظيم "القاعدة" هاجموا ميناء درنة في شرق البلاد، بعدما استولوا على مخزن اسلحة وقتلوا اربعة جنود.
وقال مصدر آخر إن "مجموعة من الاصوليين الاسلاميين" احتجزت عناصر من قوى الامن ومواطنين رهائن في مدينة البيضا بشرق البلاد، وهددت بقتل الرهائن اذا لم تفك قوى الامن حصارها حول المكان.
ونقلت وكالة الجماهيرية للانباء "أوج" الليبية ان السلطات اعتقلت عشرات المواطنين العرب الذين ينتمون الى "شبكة" تعمل على زعزعة الاستقرار في البلاد.

"هيومان رايتس ووتش"
وفي حصيلة محدثة، نسبت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الى مصادر طبية ان 173 شخصا على الاقل قتلوا في ليبيا منذ بدء حركة الاحتجاج.
وقال مدير المنظمة في لندن طوم بورتيوس ان "هذه حصيلة لا تزال غير مكتملة وضعت استنادا الى مصادر طبية أمكن الاتصال بها في شرق ليبيا" في اربع مدن احداها بنغازي، مضيفاً أن "هناك ايضا عدداً كبيراً من الجرحى". ونسب الى مصادر طبية ان "الجروح ناجمة عن اصابات بالسلاح الثقيل". واوضح ان الحصيلة تشمل ضحايا سقطت بين الثلثاء والسبت.
وكانت حصيلة سابقة اوردتها المنظمة نفسها تحدثت عن سقوط 104 قتلى على الاقل.


وفيما يطالب المحتجون بسقوط النظام، يستبعد محللون ليبيون حصول ذلك "لأن الاضطرابات تقتصر على منطقة" يتمتع فيها القذافي بتأييد أقل من العاصمة طرابلس.
ولم تعلن الحكومة الليبية أي أعداد للخسائر البشرية. وجاء في رسالة نصية أرسلت إلى مشتركي الهواتف المحمولة أن المحتجين في شرق البلاد يحاولون الانفصال عن الحكم المركزي. وقالت الرسالة أن الوفيات التي سجلت في بنغازي والبيضا كانت نتيجة لهجمات على متاجر السلاح في محاولات لسرقتها وترويع الناس وقتل الأبرياء. ودعت الليبيين الى الوقوف جميعا في مواجهة حلقة الانفصال "والفتنة والدمار" التي تستهدف ليبيا.

نداء لوقف القتل
وفي ظل هذا القمع الدامي، ناشد 50 من علماء المسلمين في ليبيا قوى الامن وقف عمليات القتل كمسلمين.
وقالوا إن هذا نداء عاجل من علماء الدين والمفكرين وزعماء العشائر من طرابلس وبني وليد والزنتان وجادو ومسلاتة ومصراته والزاوية وبلدات وقرى اخرى في المنطقة الغربية.
وقالت منظمة العفو الدولية: "يبدو ان الزعيم الليبي أمر قواته الامنية بالقضاء على المتظاهرين مهما كلّف الامر والليبيون هم الذين يدفعون الثمن".
و ص ف، رويترز، أ ب، أ ش أ، "الجزيرة"