التاريخ: شباط ٢٠, ٢٠١١
المصدر: جريدة الراي الكويتية
لبنان: ثلاثة عوامل تمدد المرحلة الانتقالية بين... الحكومتين
في انتظار «كلمة السر» لتفكيك العقد الـ «كأداء»

| بيروت - من وسام ابو حرفوش |

 

تلهو بيروت بـ «لعبة» تركيب «بازل» حكومة «السلطة الجديدة» التي اعقبت «الانقلاب الدستوري»، في وقت يتم «تفكيك» أنظمة في المنطقة القابعة فوق «فوهة» من الفوضى التي تحولت «بقعة زيت» انفلشت من تونس إلى مصر فاليمن والبحرين وليبيا وايران و... الحبل على الجرار.
لم تنجح التمارين على تشكيل حكومة «السلطة الجديدة» على مدى ثلاثة اسابيع خلت، رغم الايحاء بأن ضابط الايقاع المحلي «حزب الله» والاقليمي (سورية) قادران على انجازها في «خمس دقائق» من خلال كاسحة ألغام تفتح الطريق امام الرئيس المكلف نجيب ميقاتي لاتمام مهمته على وجه السرعة عندما يقتضي الامر.


ثمة عقبات علنية، يجري تصويرها على انها «كأداء»، تعترض اخراج الحكومة الجديدة إلى العلن، وتقتصر على المعركة المزدوجة التي يخوضها زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون للامساك بـ «حصة الاسد» في الحكومة، ومحاصرة الرئيس ميشال سليمان عبر اسقاط «دوره السياسي» في التركيبة الجديدة.
غير ان الانطباع السائد ان لعبة «القط والفأر» في المفاوضات حول «الحصص» داخل الحكومة العتيدة، لا سيما بين ميقاتي وعون، من دون تدخل «اولياء امر» السلطة الجديدة، المحليين والاقليميين، لا يعدو كونه عملية «تمديد» للمرحلة الانتقالية لاعتبارات تتصل بحسابات لا صلة لها بالمنازعات على الأحجام والحقائب.


وفي تقدير اوساط مراقبة ان ثلاث مسائل ربما تكون الدافع «الخفي» لتمديد الفترة الانتقالية بين اسقاط حكومة زعيم تحالف «14 آذار» سعد الحريري وتشكيل حكومة قوى «8 آذار» برئاسة نجيب ميقاتي، وهي:


• القرار الاتهامي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، المرتقب صدوره في غضون اسبوعين، فالاستعجال في اسقاط حكومة الحريري ضبط على ايقاع القرار الاتهامي وموعد صدوره، ومن غير المستبعد ان يكون التريث في تشكيل حكومة ميقاتي على صلة بهذا الاستحقاق، وسط «تدقيق» في تقديرات تتحدث عن اتجاه سورية و«حزب الله» إلى ملاقاة القرار الاتهامي من دون حكومة لتجنيبها شظاياه ولامتصاص «صدمته» بفراغ ما بين الحكومتين.


• الوعاء الاقليمي لـ «السلطة الجديدة» واتجاهاتها، فسورية التي تشكل بمؤازرة ايران، الرافعة الاقليمية لحكومة نجيب ميقاتي تراقب الاتجاهات الجديدة في المنطقة عن كثب لـ «يُبنى على الشيء مقتضاه»، خصوصاً وان التطورات في المنطقة مع «انفجار» النظام الاقليمي العربي ليست من النوع العادي، الامر الذي يفرض على دمشق درس خياراتها ملياً في ضوء التحديات التي تواجه نظامها وعلاقته بـ «الشرعيتين» العربية والدولية، اضافة إلى ما ينتظره من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.


• تجليات الموقف الدولي مما يجري في لبنان، وهو الامر الذي يعني الحاضنتين، المحلية (حزب الله) والاقليمية (سورية) لـ «السلطة الجديدة»، اضافة إلى ميقاتي، وان بدرجات متفاوتة. فسورية ومعها ميقاتي يستشعران حجم الاضرار التي ستصيبهما مع اي جنوح نحو تشكيل حكومة أحادية في بيروت تعمل على التنصل من التزامات لبنان تجاه المجتمع الدولي، وليس ادل على هذه «الخشية» من حركة موفدي ميقاتي في اتجاه واشنطن وباريس لـ «طمأنتهما»، التي تبدو غير مطمئنة حتى الآن، بدليل ما يحضر في الولايات المتحدة لـ «الملياردير» ميقاتي، الذي يفهم جيداً معنى اجراء الخزانة الاميركية الأخير، بحق احد المصارف اللبنانية.


وبهذا المعنى فإن الدوائر المراقبة في بيروت تبدي ميلاً للقول بأنه تبعاً لهذه «المسائل الثلاث» فان «كلمة السر» بالافراج عن الحكومة العتيدة لم تصدر بعد، وان الكلام عن «عقدة عون» الأبرز، المتمثلة في اصراره «الشرس» على انتزاع حقيبة «الداخلية» من رئيس الجمهورية، على أهميته، فانه لا يعود كونه تغطية لـ «تمهل مقصود» في انتظار اللحظة الحاسمة التي لن يكون من الصعب معها فك كل العقد مهما كانت استقصاءاتها.


وثمة اسئلة في بيروت تطرح عن سبب اصرار زعيم «التيار الوطني الحر» على الامساك بـ «الداخلية» او «الدفاع»، وهو ما تجيب عليه اوساط «عارفة» بالقول ان لدى «قوى 8 آذار» توجهاً بـ «تصفية تركة» قوى «14 آذار» في «الداخلية» التي كانت محسوبة الاجهزة الامنية فيها على «تيار المستقبل»، اضافة إلى انها الوزارة التي ستشرف على الانتخابات النيابية في سنة 2013.
وتحدثت معلومات صحافية في بيروت عن ان عون تعدى في موقفه اخيراً رفض التخلي عن المطالبة بوزارة الداخلية، إلى التهديد بمقاطعة الحكومة، والذهاب أبعد من ذلك، إلى وضع مصير رئيس الجمهورية على طاولة البحث، ضمن معادلة كشف عنها احد نواب تياره (نبيل نقولا) بأن «من جاء مع عمر سليمان عليه ان يرحل معه»، في اشارة فهمت انها تعني الرئيس سليمان.

 

وكان «البازار» الحكومي سجل في الساعات الماضية المفارقات الآتية:
• استمرار تمسك عون بحقيبة الداخلية الا في مقابل حصوله على وزارة المال التي قرر الرئيس ميقاتي اسنادها إلى الوزير محمد الصفدي.
• رفض عون الاقتراح الذي تم تقديمه كمخرج على قاعدة ان يتخلى نبيه بري عن وزارة الخارجية لتكتل الاول على ان يأخذ مكانها حقيبة الدفاع والطاقة، وهو ما رفضه عون لتمسكّه بالداخلية كما بالطاقة.
• ابلاغ سليمان إلى الرئيس المكلّف تمسكه بالداخلية والدفاع معاً فيما نقل عنه زواره انه يرفض وضع شروط عليه أو المس بصلاحياته، مشيرا إلى ان له كلمته التي سيقولها عندما تعرض عليه التشكيلة الحكومية.
• كل المقترحات التي قدمتها الاكثرية الجديدة، لم تعط الرئيس المكلف ومعه رئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط مجتمعين، سوى تسعة او عشرة وزراء من اصل 30 وزيراً، بحيث ان مجموع ما كانت تعرضه لفريقها لم يخرج عن العدد 20 أو 21 وزيراً.
• التقارير عن ان جنبلاط يريد حصة من 4 وزراء موزعة كالآتي: اثنان من الطائفة الدرزية، هما الوزيران غازي العريضي ووائل ابو فاعور، وواحد من السنّة هو النائب علاء الدين ترو، وواحد من الكاثوليك هو النائب نعمة طعمة.


لكن الرئيس المكلف، رفض ذلك، على قاعدة ان من غير المقبول بأن تكون حصة تكتل نيابي مؤلف من7 نواب 4 وزراء.
وفي موازاة ذلك، بدا ميقاتي عيناً على «سبحة التعقيدات» الداخلية التي لا تزال «تكرّ»، وعيناً أخرى على العواصم الغربية التي تعاين الوضع اللبناني بدقة منذ التحوّل السياسي الذي حصل مع اقصاء الرئيس سعد الحريري وقلب الأكثرية في البرلمان.


واذا كان الرئيس المكلف يحاول على المستوى اللبناني تدوير الزوايا الحادة وفرْملة «شهية الاستيزار» التي جعلت ميقاتي يدخل حقل ابتزاز بدأ ينذر باستنزاف مبكّر لامكانات نجاحه في مهمة باتت توضع بين خانتيْ «الصعبة» و«المستحيلة»، فإن «همّه» على المستوى الدولي يتركّز على تفادي استفزاز المجتمع الدولي الذي وجّه له رسالتان بأسلوبين مختلفين ولكنهما «يتكاملان» الاول عبر «الديبلوماسية الناعمة» التي رسمت له «خطاً أحمر» عنوانه الوفاء بالتزامات لبنان الدولية ولا سيما تجاه المحكمة الدولية، والثاني عبر «أسنان» القرار الدولي 1929 التي استُخدمت لفرض العقوبات (من الخزانة الاميركية) على البنك «اللبناني ـ الكندي» وهي الخطوة التي اعُتبرت من اوساط ديبلوماسية غربية «انذاراً مبكراً» لبيروت بان ما ينتظرها سيكون من «الوزن الثقيل» في حال قررت الانقلاب على التزاماتها.


وفي حين برز تلقي الرئيس المكلّف دعوة فرنسية لزيارة باريس فور تأليف الحكومة، وثانية من نظيره التركي رجب طيب أردوغان لزيارة أنقرة، برز ما كُشف من ان عزمي ميقاتي ابن شقيق الرئيس المكلف عقد لقاءات في واشنطن مع عدد من المسؤولين الاميركيين غير البارزين لطمأنة الادارة إلى مواقف عمه من التزامات لبنان الدولية ومنها المحكمة الخاصة بلبنان، وللاطلاع على مواقف المسؤولين الاميركيين وتوقعاتهم من الحكومة الجديدة في حال تأليفها.
ونقلت صحيفة «النهار» عن مصادر اميركية مطلعة ان عزمي ميقاتي التقى المسؤولة عن مكتب لبنان في وزارة الخارجية الاميركية سوزان ريغز، والمسؤولة عن مكتب لبنان وسورية في مجلس الامن القومي هاغار حجار، والمسؤولة عن مكتب لبنان في وزارة الدفاع ياسمين الجمال.


في هذه الأثناء، استكمل الرئيس سعد الحريري لقاءاته «اليومية» مع الوفود الشعبية، التي قال امامها «ان الشراكة الوطنية تعني شراكة جميع اللبنانيين بكل المسائل والامور، وألا يستثنى فريق من هذه الشراكة، او ان تقتصر على امور دون اخرى كما يفعل البعض اليوم» لافتاً في اشارة غير مباشرة إلى «حزب الله» إلى «ان البعض يريد الشراكة في كل المسائل والامور، لكنه يريد ان يستأثر لنفسه بموضوع السلاح بحجة مقاومة إسرائيل، وعندما تدعو الحاجة يبدل وجهته إلى الداخل، كما حصل في 7 مايو 2008 وغيره».
وأعلن رئيس الهيئة التنفيذية لـ «القوات اللبنانية» سمير جعجع «ان عملية تأليف الحكومة في الشكل الذي تحصل فيه «جرصة كبيرة».