التاريخ: كانون الأول ٢٩, ٢٠١٠
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
 
مصر: مسؤوليات الرئيس والمعارضة

عمرو حمزاوي

 

للمواطن في مصر إن نظر إلى تعامل مؤسسة الحكم والمعارضة مع المشهد السياسي الذي أفرزته انتخابات 2010 البرلمانية، أن يشعر بإحباط عظيم من جراء عجز الطرفين عن الارتقاء إلى مستوى التحديات المطروحة اليوم على الوطن.


بعد عملية انتخابية شابتها تجاوزات خطيرة ومع مجلس شعب أخرجت منه المعارضة المنظمة وقضى تشكيله الاحادي الطابع على إمكان اضطلاعه بدوره التشريعي والرقابي باستقلالية نسبية عن السلطة التنفيذية وفي ظل عزوف خطير لغالبية المواطنين المصريين عن المشاركة في الانتخابات، تقارب مؤسسة الحكم المشهد السياسي الراهن بنزوع استعلائي وتوجه إقصائي كارثيين. نعم أشار رئيس الجمهورية إلى حدوث "بعض التجاوزات" في العملية الانتخابية وتأسف لمحدودية تمثيل المعارضة الحزبية في المجلس الجديد، إلا أنه سرعان ما قطع بنزاهة الانتخابات وشرعية المجلس وهنأ مرشحي الحزب الوطني على نجاحهم الباهر.


وسبق الحديث الرئاسي وتلاه اعتماد قيادات الحزب الوطني وجموع كتبته في الصحافة الرسمية توصيف نتائج انتخابات 2010 على أنها دليل فوز مستحق لمرشحي الوطني بفضل العمل الجماهيري والتنظيمي للحزب منذ 2005 وفي مواجهة أحزاب وحركات معارضة ضعيفة لم تستعد جيدا للسباق الانتخابي ومن ثم عجزت عن المنافسة.


مثل هذا النزوع الاستعلائي، وكما هو معلوم لكل مواطن مهموم بالشأن العام والسياسي، يتحايل على الحقائق الأربع الأبرز لانتخابات 2010؛ 1) الإجراءات القمعية والقيود التي واجهتها المعارضة الحزبية وغير الحزبية قبل الانتخابات، 2) النواقص الخطيرة للنزاهة والشفافية التي اعترت العملية الانتخابية وبدت معها اللجنة العليا للانتخابات غير قادرة على الإشراف بحيادية على مراحلها المتعاقبة، 3) تعويل مرشحي الحزب الوطني على إمكانات أجهزة الدولة الترغيبية والترهيبية لضمان الفوز في العديد من الدوائر، 4) شيوع العنف وتوظيف المال الانتخابي في بعض الدوائر وتداعياتهما الخطيرة على نتائج الانتخابات.


أما الأسوأ من استعلاء قيادات الوطني، وكذلك من تهافت استخفاف كتبتهم بمعارضة عانت الأمرين من أجل المشاركة في انتخابات غير نزيهة وانتهى الحال بمعظمها إلى المقاطعة والانسحاب، فيتمثل في التوجه الإقصائي المهيمن اليوم على تعاطي مؤسسة الحكم والحزب الوطني مع المعارضة. فإخراج جماعة الإخوان من مجلس الشعب هو عنوان مواجهة كبرى يقودها الحزب الوطني باسم المجتمع وبالنيابة عن القوى المدنية ضد فصيل غير شرعي، وحزب الوفد تحول بعد أن قرر مقاطعة جولة الإعادة والانسحاب من الانتخابات إلى كيان ضعيف يتستر على محدودية شعبيته بالطعن في نزاهة الانتخابات، وأحزاب وحركات المعارضة التي أعلنت مقاطعة الانتخابات قبل إجراءها هي "مجموعات هامشية" و"جماعات للتهريج السياسي"، إلى غير التهريج من أوصاف يعف القلم عن تدوينها ويستسيغ كتبة الحزب الوطني ترديدها في مطبوعاتهم بلا حياء.


والسؤال الآن هو حول ما إذا كانت إدارة شؤون السياسة استنادا إلى الاستعلاء والإقصاء، ومجلس الشعب الجديد يشكل ترجمة مباشرة لفعلهما على الأرض وحصادهما، هي الخيار الراهن لمؤسسة الحكم وإلى أن ينجلي أمر الانتخابات الرئاسية في 2011 وربما إلى ما بعدها؟ وهل تدبر العقلاء بمؤسسة الحكم في مصادر الخطر الكامنة في إخراج المعارضة المنظمة من السلطة التشريعية ومن ثم إبعادها عن السياقات الرسمية بكل ما يرتبه ذلك من أزمة شرعية ومن حالة استقطاب بين الحكم والمعارضة سنخسر جميعا إن استمرت طويلا؟


وهل تعتقد قيادات الحزب الوطني أن الانفراد شبه الكامل بمجلس الشعب وبعد انتخابات كانت محل نقد وتشكيك في مصر واكتسبت سمعة سيئة خارجها سيسهل من مهمة الحزب في إدارة الانتخابات الرئاسية في 2011 على نحو لا يهدد استقرار الحكم ويحظى بشيء من القبول الداخلي والاحترام الخارجي؟ وما هو موقف رئيس الجمهورية من كل هذه التحديات، وهو الطرف الوحيد بمؤسسة الحكم الذي لا زال يحظى بقبول شعبي حقيقي وهو من تأسف على محدودية تمثيل المعارضة في المجلس الجديد ونبه إلى خطورة تدني معدلات مشاركة المواطنين في الانتخابات؟


هل سيطالب الرئيس قيادات الوطني بالتعقل وبالانفتاح على المعارضة، حزبية وغير حزبية، والعودة إلى شكل من أشكال الحوار الوطني حول السياسة وإصلاح مسارها والانتخابات وضماناتها قبل الاستحقاق الرئاسي في خريف 2011 أم سيغلب منطق "خليهم يتسلوا" على فعله، وهو ما لا أتمناه ولا أتوقعه.


أما المعارضة، وبعد أن أضاع عليها وعلى المصريين غياب وحدة قرارها في ما خص مقاطعة الانتخابات أو المشاركة بها فرص التأثير الفعلي على المشهد الانتخابي ودفع بعض أحزابها وحركاتها التي كانت قد قررت المشاركة بعد جولة أولى مؤسفة إلى المقاطعة والانسحاب في سياق تذبذب إستراتيجي وحركي مضر، فتخرج اليوم على الرأي العام المصري وعلى جموع المواطنين بأكثر خصائصها سلبية، الشقاق الداخلي وشخصنته وضعف التنسيق في ما بينها.


وإن كان من المؤكد، وكما أشرت في مقالات سابقة، أن تحديات المشاركة في حياة سياسية تدار في ظل هيمنة واستعلاء مؤسسة الحكم تنتج داخل أحزاب وحركات المعارضة أزمات متواصلة تتعلق بالتنازع حول هوية الخيارات الأفضل من شاكلة: المقاطعة أم المشاركة، الانسحاب أم الاستمرار، التواصل مع مؤسسة الحكم والبحث عن توافقات / مساومات أم تفضيل المعارضة المبدئية والدعوة إلى إصلاحات جذرية، العمل من داخل السياقات الرسمية أم من خارجها، وغيرها؟ إلا أن الثابت أيضا هو أن الشقاق داخل هذه الأحزاب والحركات في مصر، وبغض النظر عن كونه بات بمثابة المسوغ للتعامل الاستخفافي من قبل قيادات الحزب الوطني وكتبتهم مع المعارضة، قد أصبح ظاهرة مرضية ومدعاة لقلق أولئك المواطنين الذين يرون في بعض المعارضين عنوان الأمل في تحول ديموقراطي قريب.


فهل يعتقد الوفديون أن حزبهم يقوى على التفاعل مع المشهد السياسي الذي أفرزته انتخابات 2010 بكل تحدياته في ظل تنازع وخلاف القيادات الحزبية حول كل الخيارات والقرارات، كبيرها وصغيرها؟ ألا يملك البعض داخل الجمعية الوطنية للتغيير من الحصافة والمسؤولية ما يكفي للبعد عن إثارة الخلاف داخلها والترفع عن شخصنة الأمور وإدعاء احتكار الحقيقة المطلقة، وكأن كل طالب تغيير وإصلاح في مصر قد أضحى زعيما سياسيا علينا أن نتعرف على مكنونات ذاته، أو مشروع بطل منقذ يتآمر عليه آخرون وله دون غيره حق الاستئثار بالتأييد الشعبي؟


ولست معنيا هنا بهذا العضو أو ذاك في الجمعية الوطنية (فلهم جميعا مني على المستوى الشخصي بالغ الاحترام والتقدير)، كما أنني لا أرغب في هذا السياق في اختزال أمر الشقاق الداخلي إلى البعض المنتقى من بين أحداث الأيام الأخيرة. فقط أنبه إلى خطورة وسلبية هذه الظاهرة المرضية ودلالاتها بالغة السلبية على الثقافة السياسية لمعارضة لا ترقى بخلافاتها ونزوعها نحو الشخصنة إلى مقام التعامل الجاد مع التحديات المطروحة على الوطن. والامر ذاته ينطبق على الضعف المستمر للتنسيق الإستراتيجي والحركي بين المعارضة، حزبية وغير حزبية، غياب توافقها على أجندة وطنية للمرحلة الراهنة تتجاوز الحديث المعتاد عن العمل المشترك ولا تستهلك الطاقة الجماعية في فرقعات إعلامية قصيرة العمر ومحدودة المضمون (العصيان المدني، البرلمان الموازي، وغيرهما).


الوطن اليوم يمر بلحظة بالغة الدقة وحياتنا السياسية تعاني من أزمة شرعية واستقطاب لا جدال في خطورتهما، وكما ينبغي على مؤسسة الحكم إعادة النظر في خياراتها يتعين على المعارضة التفكير المنظم في كيفية تجاوز الأزمة الراهنة والفرص الفعلية للانفتاح على الحكم في حوار وطني وشروط الأخير والمرجو منه. آن الأوان، وبعد ما يقرب من شهر على إجراء الانتخابات البرلمانية ومع بداية باتت قريبة لعام جديد أرجو من الله أن يحمل لنا جميعا الخير، أن تتجاوز مؤسسة الحكم استعلاءها وتنفتح على المعارضة وأن تستثمر الأخيرة طاقتها في التوافق على أجندة وطنية تحاور بها الحكم وتدعوه من خلالها لإدخال إصلاحات دستورية وسياسية أضحت لازمة وقبل أن يجري بنا قطار 2011 ونجد أنفسنا مجددا بلا خيارات إيجابية أمام انتخابات حاسمة.

 

(باحث مصري في مركز كارنيغي للسلام)