| | التاريخ: آب ٢٠, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | هل تنتهي وحدة اليمن؟ | القاهرة - لطفي نعمان
لن نقول: مثلت إعادة الوحدة اليمنية بارقة أمل للوحدة العربية المستحيلة (...) لكنها مثلت هدفاً رئيسياً لأحرار اليمن وثواره الكبار في الشمال اليمني المعتل والجنوب اليمني المحتل، مطلع وأواسط القرن العشرين حتى تحقق في العقد الأخير من القرن، يوم 22 مايو 1990م وذابت دولتا الشطرين وشخصيتهما الدولية في كيان واحد: الجمهورية اليمنية.
شهد صيف 1994م حرباً بين طرفي الوحدة اليمنية، وأعلن نائب رئيس مجلس الرئاسة الأسبق علي سالم البيض في مايو 1994م قيام جمهورية يمنية جنوبية هدفها إعادة الوحدة!
وحين صدرت قرارات مجلس الأمن الدولي في يونيو ويوليو 1994م، لم تعترف بهذه الجمهورية اليمنية الجنوبية، وظلت تدعو إلى وقف إطلاق النار وإجراء الحوار برغم أن بعض الدول الشقيقة بادرت إلى الاعتراف بهذا الكيان العربي الجديد المنسلخ عن كيانه السابق، *لكن هذا الاعتراف الأحادي (أو الاستعداد الجماعي) لم يسعف مسعى الانفصال أو ينفعه في المستوى الدولي.*
يرجع تثبيت الوحدة في تلك الحرب حينذاك إلى وجود الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي يتحمل (وحملوه حياً وميتاً) النصيب الأكبر من المسئولية عن مجمل التطورات اليمنية، وإدارته للمعركة السياسية والعسكرية وقتها مستعيناً بعناصر سياسية وعسكرية مقتدرة وكذلك بعض التيارات الدينية التي أفادها اشتراكها بالحرب واستخدام لغة الدين وفتاوى المتدينين وحشد أتباعهم، كذلك الحماس الشعبي الجارف للوحدة ما أدى إلى وقف حرب الانفصال دون إنهاء نوازع الانفصال، تحت مختلف الدعاوى السياسية والحقوقية التي انبرت تعلن عن نفسها في الحراك الجنوبي 2007م بعد ثلاث سنين من الحراك الحوثي 2004م.
من الثابت حقيقة أن الوحدة لم تأتِ بحل لمشاكل اليمن، بل كشفت عن مشاكله بشكل أكثر سفوراً. وكيف أخذت تتنامى باطنياً حتى انفجرت بوجه الجميع داخلياً وخارجياً. إذ ما أمكن علاج المشكل "الجنوبي اليمني" ولا "الحوثي اليمني" وفقاً للدستور والقانون، حتى سنت الفوضى قانونها الخاص وطفا على السطح من يجهل وقائع التاريخ ويتجاهل حقيقة أن "كل اليمن جنوب وكل الجنوب يمن"، وسار من سار في ركاب الجاهلين يعتبر الانفصال حلاً، والرجوع إلى سابق عهد لم يكن كله محموداً. أي ما قبل 22 مايو 1990م، بل زادوا يستدعون تعابير كانت توصف بالاستعمارية وإن خدع ببريق وصفة العروبة: "الجنوب العربي". قبل الاستقلال عن بريطانيا 1967م.
حالة فرض الأمر الواقع، ساعدت الحرب الأخيرة - وليس المفاوضات - على تثبيته في مناطق سيطرة الحوثيين اليمنيين، شجعت القوى الجنوبية اليمنية على فرض الأمر الواقع في المناطق المحررة باسم الشرعية (...) مثلما تشجع الحراك الجنوبي بتمرد الحوثيين ومحاربتهم حتى صاروا قوة على الأرض تحت مظلة "المظالم" أو "المظلومية" حتى أظلم اليمن كله بما حل فيه وأربك المنطقة ككل.
في ظل هذا الواقع المظلم: هل انتهت الوحدة اليمنية بسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني على العاصمة الموقتة للشرعية اليمنية: عدن.. أغسطس 2019م.. على غرار سيطرة جماعة أنصار الله اليمنية الحوثية على العاصمة التاريخية: صنعاء.. سبتمبر 2014م.
وهل تنتقل الوحدة من عهدة الرؤساء إلى المرؤوسين، باعتبارها ليست حكراً على أسماء أعادتها بكل فخر، أو تيارات باتت تنحرها بكل وسائل النحر.
من دون تجاوز لمسار الأمور منذ بدء الحرب جنوبي شبه الجزيرة العربية، فإن القيمة القانونية للشرعية - غير المقيمة على أراضيها - لم تسقط استناداً على الاعتراف الإقليمي والدولي، ولم يفلح قانون الأمر الواقع في إعلاء مكانة الميليشيات اليمنية إلى مستوى قيادة دولة معترف بها دولياً. لذا فإن حالة فيدرالية الميليشيات والمذهبيات الموزعة على أراضي اليمن الواحد - حتى الآن - لا تلغي وحدة اليمن الذي تعلن دول التحالف العربي هدف الحفاظ عليه.
غير أن وحدةً لا يحميها أبناؤها بمختلف اتجاهاتهم المتعارضة لن ينفعها أشقاؤها، وما لم يستشعر أبناء اليمن مسئوليتهم الحقيقية تجاه وحدتهم، بالتخلي عن لغة الانفصال النفسي الذي تطفح به وسائل التقاتل الاجتماعي لا التواصل الاجتماعي، وتنتظم جهودهم وتوجههم صوب تشجيع مساعي تحقيق السلام لليمن فعلى اليمن واليمنيين السلام.
صحافي يمني | |
|