| | التاريخ: آب ١١, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة الشرق الأوسط | | الجزائر بين المطرقة والسندان - روبرت فورد | تقترب الجزائر من مفترق طرق، لكن من غير الواضح حتى هذه اللحظة أي الطرق ستختار من مساري: التطور أو الثورة العنيفة.
حالياً، تعمل لجنة معنية بالحوار الوطني على صياغة خطة لعقد انتخابات تحظى بقبول الشعب الجزائري. وتجد هذه اللجنة نفسها محاصرة بين مطرقة الجيش وسندان حركة المظاهرات الشعبية (التي يطلق عليها الجزائريون اسم الحراك). من ناحية، حذر رئيس هيئة الأركان قايد صالح من جديد الأسبوع الماضي من أن المؤسسة العسكرية لن تقبل بشروط من جانب لجنة الحوار الجديدة أو الحراك قبل انطلاق الحوار. وأكد أنه لن يطلق سراح المتظاهرين الذين ألقي القبض عليهم، وسيستمر في حظر لافتات تمثل الأمازيغ، وسيستمر في نشر قوات الأمن على أطراف المظاهرات. وشدد قايد صالح على أن الانتخابات الرئاسية ستجري في أسرع وقت ممكن تحت سلطة الحكومة القائمة.
ورداً على خطاب قايد الأخير، شهدنا مسيرات حاشدة بالشوارع في 9 أغسطس (آب) الذي يتزامن مع الأسبوع الـ25 من المظاهرات التي اشتعلت عبر الجزائر. وحملت واحدة من اللافتات التي جرى رفعها خلال المظاهرات عبارة «قايد صالح هو بوتفليقة الثاني»، بينما حمل بعض المتظاهرين لافتات أمازيغية. وانطلقت من جديد مظاهرات بشتى أرجاء البلاد تطالب بقطيعة كاملة مع الحكومة الحالية، وترفض عقد انتخابات حتى يجري التخلص تماماً من الحكومة الحالية، وإحلال أخرى جديدة بدلاً منها. ويرفض كثير من المشاركين في حركة المظاهرات وبعض أحزاب المعارضة الالتقاء بأعضاء لجنة الحوار، لتخوفهم من أن يكون هدفها بث الروح في النظام القديم.
ومن المهم هنا أن نلحظ أن كلاً من الجيش والحراك لديهما نقاط ضعف. ففيما يخص الحراك، تفتقد الحركة قائداً واضحاً، في الوقت الذي تضاءل فيه حجم المظاهرات الأسبوعية التي تجوب الشوارع كل جمعة وثلاثاء. وهناك شعور بالإحباط من أنه رغم مرور ستة شهور، لم يتمكن الحراك من إسقاط النظام القديم بشكل كامل. من ناحيتهم، بدأ بعض المتظاهرين يدعون إلى العصيان المدني. ومن شأن اتباع هذه الاستراتيجية تكثيف حدة المواجهة بين الجيش والحراك. في الوقت نفسه، لا تزال ذكريات عقد التسعينات الأسود حية في أذهان كثير من الجزائريين، لكن لم يتم التوصل داخل الحراك حتى الآن إلى الشروع في عصيان مدني.
أيضاً، لدى الجيش مشكلات خاصة به، أبرزها أنه معزول، وقايد صالح والرئيس عبد القادر بن صالح لا يتفقان دائماً. مثلاً، أشار بن صالح الأسبوع الماضي إلى أنه ربما يتم النظر في بعض مطالب المتظاهرين، مثل إطلاق سراح سجناء الرأي بهدف بناء الثقة. ورحب، من ناحيته، رئيس لجنة الحوار كريم يونس بهذا التصريح من جانب بن صالح، وأكد على أن لجنة الحوار ربما تنجح فقط إذا قدمت الحكومة بعض التنازلات للحراك.
ومع هذا، ما يزال قايد صالح رافضاً لفكرة تقديم تنازلات. أما الحزبان السياسيان الوحيدان المتفقان مع قائد الجيش فينتميان إلى النظام القديم، ويفتقدان المصداقية، وليست لديهما قاعدة شعبية. وقالت لجنة الحوار التي عينتها حكومة الجيش إنها لن تلتقي بالحزبين لأنه ليس بإمكانهما المساعدة في تسوية المواجهة السياسية القائمة. في الوقت نفسه، أطلقت محكمة في مدينة عنابة سراح متظاهر ألقي القبض عليه لرفع لافتة أمازيغية. وينتقد كثيرون داخل النظام القضائي الحكومة، لذلك يحاول بن صالح إجراء تغييرات في وزارة العدل والقضاة. وكتب الصحافي الجزائري القاضي إحسان الأسبوع الماضي أن قائد صالح يظن أن باستطاعته إنقاذ النظام الحالي من خلال تخويف الشعب من دون تقديم أي تنازلات. ووصف الصحافي الجزائري هذا الموقف بـ«الانتحار السياسي».
من ناحية أخرى، يأمل أصدقاء الجزائر المتميزة بتاريخ ثقافي ثري ومتنوع بأن تنجح البلاد في تجنب هذا الانتحار السياسي. وهناك تقدير بمختلف أرجاء العالم تجاه مسألة أن جميع الأطراف المعنية مارست ضبط النفس في المواجهة القائمة بينها حتى الآن. والسؤال: هل باستطاعة الجزائر تجنب مصير دول أخرى مثل ليبيا وسوريا؟ ربما يمكن أن تلعب لجنة الحوار دوراً مفيداً على هذا الجانب، لكل هل سيقبل قايد صالح بتقديم تنازلات للحراك، بحيث تكتسب اللجنة بعض المصداقية أمامه؟
إن ما عايشته في العراق خلال عامي 2005 و2006، في أثناء تعاوني مع الأمم المتحدة، يؤكد أن بناء آلية انتخابية مستقلة ومحايدة وقوية ومستقلة من الصفر يتطلب كثيراً من جهود التفاوض والوقت. وإذا نجحت لجنة الحوار وخبراء جزائريون في صياغة خطة سياسية، كيف يمكنهم إقناع حركة مظاهرات الشوارع التي تمضي من دون قائد، ولا ترغب في أن يكون لها قائد؟ هل ستستمر حركة المظاهرات في تجنب الدخول في مواجهة قد تنزلق إلى العنف؟
الحقيقة أنني خلال هذا الصيف الساخن، عندما أمعن النظر في أحوال الجزائر، تتبادر إلى ذهني المقولة العربية الشهيرة: «في العجلة الندامة، وفي التأني السلامة».
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
خاص بـ«الشرق الأوسط»
| |
|