التاريخ: شباط ٢٠, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
البحرينيون يستعيدون "دوار اللؤلؤة" ويواصلون الاحتجاج
ولي العهد يسحب الجيش ويقرّ بـ"إهمال" مطالب شعبية

بعد يومين من فض اعتصام المعارضة في "دوار اللؤلؤة" بوسط المنامة بالقوة، وغداة استخدام الجيش الرصاص في مواجهة المحتجين، عاد آلاف المتظاهرين إلى المكان - الرمز وقالوا إنهم "حرروه" بعدما غادره الجيش بناء على أوامر ولي العهد الأمير سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، وفر عناصر من الشرطة. وبإعلان إضراب عمالي مفتوح يبدأ اليوم، يزداد الضغط على السلطات التي تواجه انتقادات دولية متزايدة. وعلى رغم إعلان الأمير سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة الحداد وإقراره بأن الأزمة الحالية قامت بسبب "التهميش" و"إهمال" بعض المطالب الشعبية، تضاربت الأنباء بشأن مصير الحوار الذي كان دعا إليه الخميس، إذ أُعلن رسمياً بدأه بينما كانت المعارضة رفضته في مواقف سابقة.  


وكان المحتجون، وبينهم نساء، تمكنوا من اقتلاع الاسلاك الشائكة والوصول الى "دوار اللؤلؤة" وقبّلوا أرضه، وسارع بعض الشبان الى نصب الخيام، في تحد واضح لمن كان لا يزال موجوداً من رجال الأمن. ووقف العائدون إلى المكان في مواجهة شرطة مكافحة الشغب التي كانت لا تزال منتشرة لتحل محل الجيش المنسحب بناء على أوامر ملكية. وفجأة اندفع رجال الشرطة الى آلياتهم التي سارت فوق الارصفة في فرار سريع من المكان.


وأفاد صحافيون أن المتظاهرين دخلوا الى الدوار من ثلاثة شوارع مؤدية اليه، وسجل اطلاق لقنابل مسيلة للدموع كانت أطلقتها الشرطة في أحدها. واستقبل مستشفى السلمانية بعض المصابين بحالات اختناق. ونقلت صحيفة "الوسط" المستقلة عن مصادر طبية فيه أنه لا يزال يعالج 96 شخصاً أصيبوا الخميس، بينهم ثلاثة في حال الخطر لتعرضهم لإطلاق نار في الرأس، مع العلم ان تقارير سابقة تحدثت عن سقوط 50 جريحاً. ونقلت الصحيفة عن مصادر طبية الحاجة إلى دماء من فئات عدة، وحذرت من عدم وجود كميات كافية من الاوكسيجين لعلاج المصابين. واحتشد مئات النساء امام المستشفى ورددن هتافات مناهضة للعائلة الحاكمة.


وفي الدوار حمل المتظاهرون، وبعضهم يرقص ويغني، أعلام البحرين ولافتات كتب عليها "سلمية" وكلمة "بيس" (سلام بالانكليزية). ورددوا "بالروح بالدم نفديك يا بحرين"، و"الشعب يريد اسقاط النظام"، وهو الشعار الذي استخدمته الثورة المصرية. وعلقت لافتات صغيرة كتب فيها "لا حوار ولا مبادرة مع الخداعين والكذابين والقتلة".


وقال الشاب ابرهيم (23 سنة): "قلنا إننا سنعود". ورأى الإمام الشيعي فاضل دهمين "ان رجوع الناس الى الدوار يعني انهم فرضوا ارادتهم على الظلم في سبيل تحقيق مطالبهم المشروعة". وأكد المدرس حسن جعفر (40 سنة) ان "الاعتصام سيستمر، إما موت واما حرية". وصرخت المدرّسة أم محمد :"لم نعد نخشى الموت. فليأت الجيش ويقتلنا ليظهر للعالم مدى وحشيته". وأعلن رجل :"حررنا جزءاً صغيراً من البحرين اليوم. سنحرر كل البحرين". وأكد شاب: "سيطرنا على هذا الدوار بصورة سلمية. رجال آل خليفة (الأسرة الحاكمة) قتلوا أصدقائي هنا".
ومساء أقام متطوعون خيمة إسعافات طبية، كما كانت الحال في ميدان التحرير بوسط القاهرة. وأضاؤوا الشموع حداداً على الضحايا. وارتدى البعض الأكفان وبكوا الضحايا التي سقطت.

انسحاب عسكري
وكان ولي العهد، بصفته نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أمر "جميع قوات الامن بالانسحاب الفوري من مناطق التجمع". وكذلك طلب من "الموجودين في هذه المناطق المغادرة لتفادي الاصطدام بين قوات الأمن والمتجمهرين، وذلك انطلاقا من مبادرة (ولي العهد) لضبط النفس والتهدئة والبدء في مرحلة جديدة من العمل الوطني يشارك فيها جميع الأطراف".
وفي رسالة إلى الأمة، تعهد "البدء في مرحلة جديدة من الحوار يستطيع خلالها الناس ان يعبروا عن بواعث قلقهم علانية وبصدق".


وهو قال كذلك في حديث مع قناة "العربية" الفضائية السعودية ومقرها دبي إن سبب الأزمة يعود إلى "إهمال بعض مطالب الشعب أو تهميش بعض المطالب الأساسية". غير أن "الحكومة ترغب فى تصحيح خطأ عدم الاهتمام ببعض المطالب الاساسية للشعب، وعدم تكرار ذلك مرة أخرى حتى يشعر المواطن البحريني بوطنيته وحبنا له". وإذ قدم تعازيه إلى "كل الاسر التي فقدت أبناءها في هذه المرحلة المؤلمة"، أعلن الحداد العام. وجدد الدعوة إلى التزام الهدوء و"عدم تشجيع الفتن" إذ "المطلوب الآن ان نجلس كلنا على طاولة واحدة ونتحاور".


واعتبر المسؤول في جمعية "الوفاق الإسلامي" عبدالجليل خليل إن ولي العهد "فعل الصواب" بسحب المظاهر العسكرية من المكان، وأنه "فتح بذلك الدعوة إلى الحوار ومنع قتل المزيد من الضحايا وسمح للناس بالمطالبة بحقوقها". وقال العضو في "الوفاق الإسلامي" ابرهيم مطر إن "انسحاب القوات ليس كافيا في حد ذاته. إذ ليس هناك اي فارق بين سقوط مواطنين قتلى على ايدي الجيش او قوات الأمن". ودعا الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى القبول بمفهوم الملكية الدستورية، حينها "يمكن تأليف حكومة موقتة تضم وجوها جديدة ليس من بينها وزيرا الداخلية والدفاع الحاليين". وكرر مطلب المعارضة عزل رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة الذي يتولى منصبه منذ استقلال البحرين عام 1971.

إضراب
وبالتزامن مع العودة الشعبية إلى "دوار اللؤلؤة"، دعا الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين الى الاضراب العام المفتوح اعتبارا من اليوم الاحد "ما لم يتم سحب الجيش من الشوارع والسماح بحرية التظاهر السلمي من دون اعتداء من قوات الأمن". واكد في بيان ادانته لما "تعرض له المتظاهرون العزل من المزيد من الإصابات التي ادت الى استشهاد البعض واصابة الآخرين بسبب عنف قوات الأمن"، مشيراً إلى أن الإضراب سيراعي "استمرار العمل في الخدمات الاساسية من اجل الحفاظ على حياة المواطنين وصحتهم".

حوار .. لا حوار
وتضاربت الأنباء بشأن نجاح مساعي الحوار الذي دعا إليه ولي العهد. فمساء أفادت هيئة شؤون الإعلام في رسالة على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي ان "عملية حوار في البحرين بدأت بين ولي العهد والجماعات السياسية"، من دون إعطاء تفاصيل أخرى.
غير ان خليل ابرهيم، رئيس كتلة "الوفاق" المستقيلة من مجلس النواب، أكد ان "هذا العرض للحوار ليس جدياً"، إذ "لا بد من خطوات تصحيحية جدية وصادقة مع الناس تتلاءم مع الوضع الحالي". وحذر من ان "الوضع يتعقد واخشى ان تفلت الامور عن السيطرة".
واعتبر ابرهيم شريف، المسؤول في التحالف الوطني الديموقراطي "وعد" اليساري ان مبادرة ولي العهد "ايجابية"، لكن "لا يمكن التحاور والسيوف مسلطة على رقابنا".

مواقف
ودان الرئيس الأميركي باراك أوباما في اتصال هاتفي بالعاهل البحريني "استخدام العنف ضد المتظاهرين المسالمين"، وحض الحكومة على ضبط النفس ومساءلة المسؤولين عن العنف، على ما جاء في بيان أصدره البيت الأبيض. وأضاف ان "الولايات المتحدة، بصفتها شريكة للبحرين منذ زمن طويل، تعتقد ان استقرار البحرين يعتمد على احترام حقوق شعب البحرين، وعلى اعتماد عملية إصلاحات مهمة تستجيب لتطلعات كل البحرينيين".


وتلقى ولي العهد اتصالاً من وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ الذي صرح أنه أبدى "القلق الشديد الذي تشعره المملكة المتحدة واستنكارها لاستخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين".
ودانت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كاثرين آشتون استخدام العنف. وانتقد الناطق باسم وزارة الخارجية الايرانية رامين مهمانباراست "استخدام العنف ضد الشعب فى البحرين"، داعياً السلطات الى ضبط النفس وعدم اللجوء الى القوة. وفي الرياض، جدد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية في بيان رفض دول المجلس أي تدخل خارجي في شؤون البحرين.
(وص ف، رويترز، أب، أش أ، ي ب أ، "الوسط")