التاريخ: تموز ١١, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
اللاجئون السوريون والقانون الدولي: نظرة شاملة - مصطفى أوسو
مع بداية الأزمة السورية وتفاقمها، وامتداداتها على كل مساحة الجغرافيا السورية، وما رافقها ونجم عنها من استخدام القوة والعنف وعمليات القتل والاعتقال والخطف والتعذيب بحق السوريين في مختلف مناطقهم، وما أدت إليه من تخريب مدنهم وبلداتهم وقراهم، وتدمير جميع مرافق الحياة فيها.

ومع غياب أفق الحل وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا، وتحولها إلى "دولة فاشلة"، عاجزة عن حماية أمن مواطنيها، وانتشار الإرهاب في طولها وعرضها، اضطر ملايين السوريين إلى الهجرة منها باتجاه الدول المجاورة، أو إلى الدول الأوروبية، بحثاً عن الأمان والاستقرار وضمان مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم.

مفهوم اللاجئ وحقوقه في القانون الدولي

قامت الأمم المتحدة في إطار سعيها لمعالجة قضية اللاجئين - خصوصا بعد تفاقم الأعباء الناجمة عنها خلال الحرب العالمية الثانية وما تلاها - بإصدار "الاتفاقية الخاصة بـوضع اللاجئين" في 28 تموز/يوليو1951، والبروتوكول الإضافي الملحق بها عام 1967.

وقد حددت هذه الاتفاقية مفهوم اللاجئين وصاغت حقوقهم وبينت الأسس القانونية لقضيتهم وكيفية التعاطي معها، فعرَّفت مادتها الأولى "اللاجئ" بأنه: (كل شخص يوجد، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد).

أما حقوق اللاجئين التي نصت عليها، فهي: 1- حق التقاضي أمام المحاكم (المادة 16) 2- الحق في العمل المأجور والضمان الاجتماعي (المادتان 17 و24) 3- الحق في السكن (المادة 21) 4 – الحق في التعليم الرسمي (المادة 22) 5 - حرية التنقل (المادة 26) 6 - الحق في الحصول على وثائق السفر (المادة 28) 7- الحماية القانونية من الملاحقة بجرم الدخول غير القانوني للدول الموقعة عليها (المادة (31) 8- حظر طرد اللاجئين أو ردّهم (المادتان 32 و33).

وإذا كانت هذه الاتفاقية موقعة من 142 دولة، إلا أنها تعتبر ملزمة أيضاً بمعايير الحماية الأساسية فيها للدول التي لم توقع عليها، لأنها جزء من القانون الدولي العام.

اللاجئون السوريون في البلدان/الدول المجاورة

تؤكد الأمم المتحدة أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى هذه الدول يفوق خمسة ملايين، وأن العدد الأكبر منهم يتواجد في تركيا ولبنان والأردن، وأن هناك أعدادا غير قليلة منهم في العراق ومصر ودول أخرى. كما تؤكد ان أعداداً متزايدة من هؤلاء اللاجئين يصلون إلى تلك الدول في حالة "مروعة" و"منهكة"، وأن هناك أيضاً بوادر ومؤشرات "مقلقة" على أن رحلة الخروج من سوريا أصبحت أكثر "صعوبة" و"خطورة"، بسبب: إقفال تلك الدول حدودها بوجههم ومنعهم من دخولها بكل الطرق، بما فيها إطلاق الرصاص الحي عليهم - تركيا الأردن - وكذلك فرض "تأشيرة" الدخول عليهم - لبنان تركيا - وتعرّضهم لعمليات الابتزاز والإهانة والضرب والاعتداء على الحدود.

أما أوضاعهم في "مخيمات اللجوء" في هذه الدول، فانها مأسوية جداً وغير منسجمة مع ما تقرره القوانين الدولية، ففي بعض تلك "المخيمات" يمنع خروج اللاجئين منها، إضافة إلى التجاوزات التي تجري بحقهم داخلها من قبل "قوات الأمن"، مثل: الإهانة والضرب والاعتداء والتحرش، وإدخال الأطعمة الملوثة والفاسدة واللقاحات السامة، التي أودت بحياة الكثيرين منهم - بخاصة الأطفال – إضافة الى حوادث الحريق التي تتعرض لها خيامهم.

ورغم حالتهم البائسة هذه وحاجتهم وعوزهم، فإن حكومات هذه الدول تتغاضى عن الاستغلال الذي يتعرض له العمال اللاجئون على يد أصحاب العمل - تشغيلهم برواتب زهيدة ومتدنية - وعدم الاعتراف لهم بالحقوق المنصوص عنها في القوانين الدولية، مثل: "التأمينات الاجتماعية" أو "التعويضات".

ويشار إلى أن هذه الدول لم تمنحهم - اللاجئين السوريين - الصفة القانونية التي تنص عليها "الاتفاقية الدولية لحماية اللاجئين"، وما يترتب عليها من حقوق، كـ"توفير التعليم" و"الضمان الصحي" و"لم الشمل"، متهربة من استحقاقاتها بتسميات، مثل: نازحين، مهجرين، ضيوف...

وفي الفترة الأخيرة وبالتزامن مع إطلاق روسيا "مبادرة عودة اللاجئين السوريين" وحراكها المتصل بذلك في عدد من هذه الدول، كَثر الحديث فيها عن ترحيل اللاجئين السوريين، حيث قامت بعضها - لبنان والأردن وتركيا – بترحيل عدد من اللاجئين السوريين فيها بحجج "التجاوز على القوانين وإثارة المشاكل"، علماً أنه في ظل الوضع القائم في سوريا، هناك مخاوف حقيقية على أمنهم الشخصي وحياتهم.

نستطيع القول هنا إن حكومات هذه الدول لا تتعامل مع قضية اللاجئين السوريين إلا من منطلق الاستغلال السياسي، ولتحقيق أجنداتها الخاصة على حسابهم، ما يؤدي إلى تفاقم هذه المشكلة بدل حلها، ولعل التدخل التركي في منطقة "عفرين" خير دليل على هذا القول.

اللاجئون السوريون في الدول الأوروبية والاسكندينافية

في طريق رحلتهم الشاقة والمتعبة إلى هذه الدول، يتعرض اللاجئون السوريون للكثير من المخاطر التي ينجم عنها وقوع الآلاف من الضحايا، سواء الناجمة منها عن "الغرق في البحر"، أو "الضياع في الغابات والموت جوعاً فيها"، أو "المشاكل في مخيمات اللجوء في بعض دول العبور"، أو "حوادث الطرق وتسلق أسوارها هرباً من متابعة السلطات وملاحقتها" أو "الاختناق في السيارات والحافلات المغلقة"، ناهيك بـ"العنصرية" و"الإهانة" التي يواجهونها في عدد من دول العبور - بخاصة دول أوروبا الشرقية سابقاً – وإذا كان صحيحاً أن من يصل من هؤلاء اللاجئين إلى هذه الدول يحصل بدرجة كبيرة على "حقوق اللجوء فيها" بموجب القوانين الدولية، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود بعض التعقيدات والمنغصات المتعلقة ببعض القضايا، خصوصا: "الإقامة" و"لمّ الشمل"، فقد لجأت سلطات هذه الدول في السنوات الأخيرة إلى تأخير منح اللاجئين فيها "الإقامة" وأحياناً منحهم "إقامة" لا يستطيعون بموجبها "لم شمل" عائلاتهم، بدون وجود أسباب ومبررات مقنعة لذلك، ما يشكل برأينا أيضاً مخالفة للقوانين الدولية.

خاتمة

عموماً، الوضع الصعب والمزري للاجئين السوريين في جميع أماكن لجوئهم، يضع على عاتق المجتمع الدولي جدية العمل لتوفير مستلزمات الحماية القانونية لهم وفق القوانين الصادرة عن الأمم المتحدة، وبخاصة اتفاقات جنيف لعام 1949 وبروتوكولَيها الإضافيين لعام 1977 واتفاقية جنيف لعام 1951 والبروتوكول الخاص بها حول حقوق اللاجئين لعام 1967، مع أن هذه الجهود الدولية في قضية اللاجئين عموماً والسوريين خصوصاً، مهما كانت كبيرة وعظيمة، تبقى موقتة وغير كافية لحلها، لأنها ناجمة عن "أزمة"، لا بد من حلها بشكل نهائي وشامل وفق القرارات الدولية المتعلقة بها، تؤدي في النهاية الى عودتهم الطوعية إلى بلادهم.

محامٍ وكاتب كردي