| | التاريخ: حزيران ٢٥, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة الحياة | | المسار الانتقالي وإشكاليات الحل السياسي في السودان - حسين معلوم | إلى أين يمضي السودان؟ وإلى أين تتوجه الأزمة التي تتصاعد حدتها في هذا البلد؟ هل يلتقي المجلس العسكري الانتقالي و"تكتل الحرية والتغيير" عند نقطة توافق تسهم في انفراج الأزمة؛ أم يظل الخلاف قائماً بينهما؟ ثم، ماذا سيكون عليه موقف الطرفين، في حال دخول القوى الدولية على خط الأزمة، في محاولة لتدويلها، خاصة أن هذه المحاولات تبدو ملامحها في الآفاق؟ هذه التساؤلات، وغيرها، تطرح نفسها كـ"تعبير" عن عدد من الإشكاليات التي تعترض الحل السياسي للأزمة السودانية؛ وبالتالي، فهي، في حال استمرارها، ستسهم في تعقيد الأزمة وتفاقمها، وخروجها عن السيطرة؛ بل، ودفع الأزمة على طريق "التدويل" والتدخل الخارجي، سواء الدولي أم الإقليمي. كلامنا الأخير، هذا، يتأكد إذا تأملنا أهم هذه الإشكاليات التي فجرتها الأزمة، منذ أن تم عزل البشير واعتقاله، بعد ثلاثة عقود من الحكم.
هناك إشكالية "الانتخابات"، والخلاف في شأنها بين المجلس العسكري الانتقالي و"تكتل الحرية والتغيير". فبعد تعثر المفاوضات حول الحكم الانتقالي، والتعنت عبر رفع سقف المطالب من قبل كلا الطرفين، خصوصاً بعد واقعة فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالقوة، تبدت هذه الإشكالية بوضوح. ففي حين ترفض القوى المدنية مسألة الانتخابات في المرحلة الحالية، وتُفضل تشكيل حكومة انتقالية لها فيها أغلبية المقاعد، تراجع المجلس العسكري عما طُرِح من قبل حول المسافة الزمنية لإجراء الانتخابات، من عامين أو ثلاثة، إلى تسعة أشهر فقط، حتى يُقرر الشعب السوداني من يريده أن يحكم. وهناك، أيضاً، إشكالية "تمثيل" الشعب السوداني، ففي حين يرى المجلس العسكري، وفق تصريح نائب رئيس المجلس الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بأن لدى المجلس "تفويضاً من الشعب لتشكيل حكومة تكنوقراط من الكفاءات السودانية"، يرفض "تكتل الحرية والتغيير" مشاركة المجلس العسكري في الحكم، ويُطالب بـ"لجنة تحقيق دولية" حول واقعة فض الاعتصام بالقوة، وما تبعه من أحداث أسفرت عن مقتل وجرح العشرات؛ بل، ويربط العودة إلى المفاوضات بموافقة المجلس العسكري على تشكيل هذه اللجنة. أضف إلى ذلك، أن التكتل يرى في المجلس العسكري مجرد امتداد لحكم البشير ونظامه، في حين يرى المجلس العسكري أن قوى "الحرية والتغيير" لا تُمثل أغلبية الشعب السوداني، كما تطرح نفسها، فهي قوى لا يوجد لديها تفويض أو توكيل من الشعب لها بالزعامة، أو حتى الحديث باسمه.
ثم هناك كذلك إشكالية "قوى الحرية والتغيير" نفسها، إذ أن هذه القوى التي تتزعم المشهد السوداني (إعلامياً)، لا يعلم أحد حجمها الحقيقي على مستوى الشارع السوداني. هذا، فضلاً عن أنها قوى تشمل أطيافاً سياسية واسعة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بما يعنيه ذلك من صعوبة التوافق بين المجموعات الأربع التي يتشكل منها هذا "التجمع" حول أسس إدارة الدولة ورسم مستقبلها؛ ولعل الاتفاق الوحيد بينها يتمثل في أن يُغادر المجلس العسكري، ويتولى المدنيون السلطة. يؤكد هذا رفض قوى الحرية والتغيير لمسألة الانتخابات، وتأجيلها، حيث أن قادة هذه القوى هي من أحزاب وتيارات تتنافس على الفوز بالسلطة. يؤكد هذا، أيضاً، ملاحظة أن مجموع الأحزاب المشاركة في "تكتل الحرية والتغيير" يتجاوز ثلاثون حزباً: "الإجماع الوطني" (17 حزباً)، "التجمع الاتحادي" (ثمانية أحزاب)، "نداء السودان" (عدد من الأحزاب والحركات السياسية، للبعض منها جناح عسكري)، إضافة إلى "تجمع المهنيين".
هذه الإشكاليات تؤشر إلى مدى الحذر، بل الهواجس لدى "طرفي" الأزمة في السودان، حيث أن التجارب السودانية ذاتها، فضلاً عن بعض التجارب الإقليمية، تُمثل عاملاً رئيساً في مثل هذه الهواجس؛ فالطرف المدني ("الحرية والتغيير")، يخشى أن ينفرد المجلس العسكري الانتقالي بالحكم، و"المجلس" العسكري، يخشى من الصراعات المتوقعة داخل "الحرية والتغيير"، التي يمكن أن تهدد استقرار البلاد.
في هذا السياق، نكون أمام احتمالين: الأول، أن تتفهم قوى المعارضة حساسية الوضع الحالي على الساحة السودانية، فضلاً عن حساسية السودان المجتمعية والجغرافية بالنسبة إلى دول جواره الإقليمي، وهو ما يحتاج إلى خبرة سياسية كافية، تتوافر بالطبع لدى بعض من قياداتها؛ وأن تعلن استعدادها للتفاوض مع المجلس العسكري، مع دعوتها إلى تشكيل لجنة تحقيق "سودانية".
هذا الاحتمال، وإن كان مستبعداً في الوقت الراهن، إلا أنه يُمثل أنسب الحلول للأزمة السودانية، من أجل وضع المسار الانتقالي على الطريق الصحيح؛ أي الطريق الذي يؤدي إلى الانتخابات.. ويبتعد بالبلاد عن الانشقاقات التي بدأت، وسوف تزداد بمرور الوقت، سواء بين المجلس العسكري والمعارضة، أو في ما بين قوى المعارضة نفسها.
أما الاحتمال الآخر، فيتمثل في أن يستمر الوضع الحالي على ما هو عليه، حيث لا تفاوض بين المجلس العسكري و"قوى الحرية والتغيير"؛ بمعنى أن تظل الأخيرة على موقفها، واشتراطها موافقة المجلس على تشكيل لجنة تحقيق دولية. وهذا، في نظرنا، خطأ استراتيجي، ليس فقط من منظور إتاحة الفرصة لقوى خارجية، دولية وإقليمية، للتدخل في الشأن السوداني، والعمل على تدويل الأزمة، بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات على مستقبل هذا البلد؛ ولكن، أيضاً، من زاوية أن المجلس العسكري، أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، لا يرفض التفاوض مع "قوى الحرية والتغيير"، ولكن بشرط وحيد هو "عدم وضع شروط مسبقة".
ومن ثم، سيسعى المجلس، في هذه الحال، إلى تشكيل حكومة تكنوقراط، لا تُشارك فيها هذه القوى؛ وتكون هذه هي الخطوة الأولى لاستفراد المجلس العسكري بالحكم، على الأقل خلال المرحلة الانتقالية. ولعل هذا ما يتبدى بوضوح من خلال تصريحات نائب رئيس المجلس الأخيرة.
أياً يكن الأمر، فإن الاحتمال الأخير هو الأقرب إلى التحقق، باعتبار ما هو كائن فعلاً، وليس بما يجب أن يكون. وهنا، لا تلوم القوى المدنية إلا أنفسها، خاصة أنها تعطي الفرصة كاملة للمجلس العسكري لكي يفرض الأمر الواقع، والتأكيد بأنه يُمثل السيادة في السودان؛ وبالتالي، سيحظى بالتأييد من الخارج عاجلاً أم آجلاً.
* كاتب مصري
| |
|