| | التاريخ: أيار ٢٥, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة الشرق الأوسط | | الجزائريون يريدون الحرية الآن والانتخابات لاحقاً - روبرت فورد | رغم أن حركة الاحتجاجات التي شهدتها شوارع الجزائر لا تزال سلمية بعد مرور ثلاثة أشهر على اندلاعها، ورغم أنها نجحت في الإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحرمانه من الفوز بولاية خامسة لرئاسة البلاد، ورغم حقيقة عدم تدخل أي دولة أجنبية في شؤون الجزائر الداخلية حتى الآن، فإن الجزائر وصلت إلى طريق مسدود. ومن الواضح تماماً أن الرئيس المؤقت الحالي عبد القادر بن صالح يدرك دوره الحقيقي تماماً، وينفّذ التعليمات الصادرة من مصدر السلطة الحقيقية (صاحب القرار)، قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال أحمد قايد صالح. ومن الواضح أن قائد أركان الجيش يصر على إجراء الانتخابات الرئاسية في 4 يوليو (تموز) المقبل على الرغم من اعتراض حركة الاحتجاجات في الشوارع على تلك الخطوة. وتحدث الجنرال قايد صالح بكل صراحة ومباشرة بشأن هذا الأمر في 20 مايو (أيار) الجاري، وحذر من أن الجزائر على مشارف كارثة محققة إن لم تُعقد الانتخابات الرئاسية في ميعادها المقرر سالف الذكر.
يبدو أن النظام السياسي يحاول الرجوع بعد رحيل بوتفليقة، ويبدو أن الأحزاب السياسية التي أيدت بوتفليقة لفترة رئاسة خامسة تتفق الآن على إجراء الانتخابات الرئاسية في 4 يوليو المقبل. وجدير بالذكر أن جبهة التحرير الوطني، التي اعتذر زعيمها إلى الشعب الجزائري الشهر الماضي عن خطأ الجبهة في دعم بوتفليقة، عادت لتؤكد في 21 مايو الجاري دعمها الجاد والتام للجيش الجزائري ولانتخابات 4 يوليو الرئاسية. كما وافق التجمع الوطني الديمقراطي، الذي ترأس زعيمه أحمد أويحيى رئاسة وزراء البلاد لعدة سنوات ويواجه الآن اتهامات عديدة بالفساد، على رؤية الجيش وقرار إجراء الانتخابات الرئاسية. يبدو أن بوتفليقة وبعض الوجوه المعتادة لنظام حكمه قد غادرت المشهد السياسي الجزائري، ولكن الجيش وحلفاءه السياسيين ما زالوا في أماكنهم لم يبرحوها. ومن شأن الانتخابات الرئاسية المتوقعة أن تدفع بوجه جديد إلى واجهة الرئاسة، ولكنها لن تسفر عن تغيير حقيقي في نظام حكم البلاد.
وتدرك حركة الاحتجاجات الجزائرية، التي يطلق عليها الشعب الجزائري مسمى (الحراك)، هذه اللعبة السياسية تماماً. وشهد الشعب الجزائري خلال ربع القرن الماضي العديد من الانتخابات على اختلاف الأحزاب السياسية المتعددة. ونزل الشعب إلى الشوارع الآن لأنه لم تسفر الاستفتاءات والانتخابات الماضية عن نتيجة تُذكر في نهاية المطاف. فهناك نفس الرئيس، ونفس رؤساء الوزراء، ونفس أعضاء مجالس الوزراء، ونفس المشكلات الاقتصادية، ونفس أزمة الإسكان، ونفس معدلات البطالة، ونفس مستويات الفساد، ونفس القمع والاضطهاد. وقال طالب في مسيرة الاحتجاج بتاريخ 21 مايو الجاري في مدينة وهران لإحدى الصحف الجزائرية: «نفس النظام يجلب نفس النتائج». وليس للحراك الشعبي الجزائري من قائد معروف، وليس هناك برنامج محدد المعالم باستثناء رحيل كبار المسؤولين كافة من الحكومة، بما في ذلك الآن الجنرال قايد صالح نفسه. ويقترح بعض المفكرين من أطياف المعارضة الجزائرية إجراء مفاوضات بين الجيش والحراك، والمعارضة والمجتمع المدني تؤدي إلى تشكيل حكومة انتقالية برئيس جديد أو مجلس رئاسي جديد للبلاد. ومن شأن الرئاسة الجديدة أن تتضمن شخصيات مستقلة تشرع على الفور في إجراء الإصلاحات وتعقد الانتخابات في وقت لاحق. وكان الجنرال قايد صالح أن رفض هذا المقترح في 20 مايو الجاري.
من الجدير بالذكر أن بعض البلديات الجزائرية تدعم الحراك الشعبي، وصرّح أحد أساتذة العلوم السياسية للتلفزيون الجزائري في 18 مايو الجاري بأن 400 بلدية من أصل 1500 بلدية جزائرية قد عارضت إجراء الانتخابات الرئاسية الجديدة. وبالإضافة إلى ذلك، شارك الآلاف من القضاة في الجزائر في حركة الاحتجاجات الشعبية وتعهدوا بعدم الإشراف على الانتخابات المزمع إجراؤها وفق ما يقتضيه قانون الانتخابات في الجزائر. ولم تنشئ حكومة عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي لجنة تنظيم الانتخابات. ومن المهم الإشارة إلى أن 74 مواطناً جزائرياً قد أعلنوا ترشحهم، غير أن القائمة لا تشمل أي شخصيات سياسية معروفة. ويعلم السياسيون جيداً أنهم إن رشحوا أنفسهم، فسوف تواجههم حركة الاحتجاجات في الشوارع بالانتقادات الشديدة. وهناك توافق في الآراء عبر الأطياف وأحزاب المعارضة كافة على استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية في الرابع من يوليو القادم.
ولقد كنت أعمل في الجزائر بين عامي 1995 و1997، عندما أعلنت المعارضة الجزائرية عن استحالة إجراء الانتخابات في حين أصرت الحكومة والجيش على إجراء الانتخابات. وكانت تلك الانتخابات عسيرة ليس بسبب رفض البلديات والقضاة لها، وإنما بسبب أن الجماعات الإرهابية أعلنت عن اغتيال كل من يشارك في العملية الانتخابية. ولقد تمكنوا بالفعل من اغتيال العديد من القضاة والمشرفين على الانتخابات. ومن حسن الطالع أن الجزائر لم تعد تواجه أعمال العنف من هذه الشاكلة الآن. وتوخت حركة الاحتجاجات في الشوارع منتهى الحذر في تجنب أعمال العنف وعقد المسيرات السلمية تماماً والمحافظة على العلاقات الإنسانية الطيبة مع رجال الشرطة الذين يراقبون الأمر في الشوارع والطرقات. ولكنّ هذا لا يعني أن الجزائريين سوف يصوّتون في الانتخابات المقبلة إن عُقدت. إذ يحذّر عدد من الشخصيات الجزائرية البارزة من أنه إن أصر الجنرال قايد صالح وجيشه على إجراء الانتخابات في 4 يوليو المقبل، فسوف تواجه البلاد أزمة جديدة. ومن المتوقع لمعظم الشعب الجزائري مقاطعة الانتخابات، وسوف يسمي النظام الحاكم الفائز في الانتخابات بصرف النظر عن مقاطعة الشعب، وبالتالي لن يحظى الرئيس الجديد بالشرعية أو الدعم الشعبي المطلوب. ولن تكون له سلطات أو صلاحيات لتحدي سطوة الجيش أو محاولة تغيير النظام. وهذا هو السبب الحقيقي في حرص الجيش وحلفائه على إجراء تلك الانتخابات بأي ثمن.
ويحتاج بعض الأشخاص في الغرب، من الذين يعتقدون في تسوية الأزمات الراهنة في العراق أو سوريا أو الجزائر عبر إجراء الانتخابات، إلى التوقف لمعرفة كيف يفكر المواطن الجزائري في الموقف الراهن، من واقع المثل العربي القائل «في العجلة الندامة». في بعض الأحيان إن كنت تريد الحرية والديمقراطية الحقيقية لشعب من الشعوب، عليك التأني والانتظار لإصلاح النظام أولاً قبل إجراء الانتخابات من دون فائدة تُذكر.
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
- خاص بـ«الشرق الأوسط» | |
|