التاريخ: كانون الأول ٢٩, ٢٠١٠
 
المشايخ إذ يسيطرون على الرأي العام

الاربعاء, 29 ديسيمبر 2010
حسان القالش *


يبدو المجال واسعاً اذا ما أراد المراقب أن يتعاطى مع الكلام الأخير للشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في سورية، عندما أعطى ثلاثة أسباب لتأخّر نزول الأمطار على البلاد. الأول يتعلق بقصة حربه المفتوحة على أسرة المسلسل الدرامي «ما ملكت أيمانكم» الذي عالج قضايا التشدد والارهاب، من باب أن على هؤلاء أن يتراجعوا عن عملهم الفنيّ هذا وأن «يتوبوا» بصدق.
والثاني، يتعلق بقرار نقل وزير التربية للمعلمات المنقّبات من التدريس إلى وظائف حكومية أخرى. والثالث يتعلق بتعميمات وتحذيرات وزارية إلى المدارس الخاصة تتعلق بالحد من المغالاة في المظاهر الدينية والتشدد فيها.


بيد أن الخوض في دلالات كلمات البوطي تلك، يتطلب أكثر من تفنيدها. ذلك أن أوّل ما تدلل عليه هذه الكلمات، أو الاتهامات بمعنى آخر، هو وجود حالة دينيّة في سورية، ترفض المساس بمؤسسات الدين وحياة البشر الدينيّة، ودراستها والتصدي لإشـكـالـياتـها. اضـافة إلى انـفـتاح هذه الحالة الدينيّة على الاشـارات والـرموز المنتمية الى التشدد الديني، كالنّقاب وغيره، مما لم تعرفه المجتمعات السورية تاريخيّاً، فإنها تلقى تأييداً وتعاطفاً متزايداً في السنوات القليلة الماضية. كما أنها تشير إلى رغبة شبه علنيّة بإيكال العملية التدريسيّة للأجيال إلى المؤسسـات الدينية وغيرها، والقضاء من ثم على المدرسة كمؤسسة وطنيّة أساسية في حياة المجتمع والأفراد على تنوعهم.


على أن أخطر ما عبّرت عنه كلمات البوطي، ذاك القدر من تعميم الخرافة والوهم، وذلك عبر وضعه لكلماته واتهاماته في قالب غيبيّ سمّاه بـ «الرؤيا» السماويّة التي جاءته، وهي أقرب إلى العرافة والتنجيم. وهذا ما يتوافق مع تفكير الرجل الذي يُظهر في خطَبه عداوة للعلم ومنطق المتعلمين، فما بالنا بالمثقفين اذاً؟


والراهن أن هذه الاتهامات، وبهذه النبرة، لم تكن لتصدر عن صاحبها لو لم يكن قد شعر بأن المزاج العام قادر على تلقّيها والتفاعل معها. ففي زخم التحول الاقتصادي الجذري الذي تـشـهده سورية، نحو اقتصاد مفتوح يأخذ طابعاً نيوليبراليّ، تتراجع الحالة المعيشية، الاقتصادية والمادية للناس العاديين، باعتراف المسؤولين الحكوميين، الذين يطلقون بدورهم الوعود والتـصـريـحـات غـير الواقـعية وغير المنطقيّة، ولا وجود لأية رؤية عـمليّة لقضية دعم أسعار (المازوت) كمادة أسـاسـيّة للـتـدفئة والعمل الزراعي. كما أن المجال العام الداخلي، يكاد يكون خالياً من رجال شأن عام مهتمّين وفاعلين في الحياة السياسية والاقتصادية الداخلية للبلاد والعباد. الأمر الذي يفسح في المجال أمام رجال الدين، على كثرتهم واختلاف مستويات معارفهم وثقافتهم، لأخذ المبادرة وإبداء الرأي في الأمور والقضايا التي تلامس مشاعر الناس وهمومها. وهذا ما يجعلهم أصحاب قداسة وحظوة لا تُناقش ولا تهتز عند الناس.


والحال أن ما يحدث في سورية الراهنة، يتقاطع مع المزاج العام للمنطقة والعالم، لناحية اتساع نفوذ اليمين الديني المحافظ والمتشدد، وتمكّنه أحياناً من النّفاذ إلى استحقاقات شعبية ووطنية تتعلق بمستقبل الدول والأجيال. وهذا ما يضعنا أمام سؤال وطنيّ سوريّ ملحّ، عن مدى امتلاكنا الشجاعة والالتزام المطلوبين تجاه تحديث الدولة والمجتمع وترميم وإصلاح العيوب والأخطاء القديمة المتجذّرة في المؤسسات وسلوك الأفراد، وامتلاك رؤيا لعقلنة المجال الدينيّ العام، والعمل على ترقيته وضبطه بما يتوافق مع المصلحة الوطنيّة العامة، ليبقى الدين لله، والوطن للجميع... وفوق الجميع.

* كاتب وصحافي سوري.