| | التاريخ: نيسان ١٧, ٢٠١٩ | الكاتب: | المصدر: جريدة الأهالي الأردنية | | انتفاضة نيسان 1989: أين كنا وكيف أصبحنا ؟ | تحلّ الذكرى الثلاثون لإنتفاضة نيسان المجيدة (1989 ـ 2019) بينما قطاعات واسعة من المواطنين تتساءل : أين كنا وكيف أصبحنا ؟
«كنّا» نعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة والبطالة والفقر وارتفاع المديونية.. و «أصبحنا» نعاني من ارتفاعٍ أكثر لتكاليف المعيشة وزيادة أعداد الذين يعانون منها، بحيث أصبحت عمان (وليس دبي أو بيروت او القاهرة) هي العاصمة العربية الأغلى من حيث تكاليف المعيشة، والدولة التي تحتل الرقم 26 على مستوى العالم في هذا المجال! ازداد الفقر والبطالة حتى قبل أن يتم التلاعب بمعاييرهما لإخفاء الإزدياد الحقيقي الأفدح.. أما المديونية فإن أرقام 1989 تبدو متواضعة جداً مقارنة بما آلت إليه عام 2019 بالرغم من «برنامج التصحيح الهيكلي» لصندوق النقد الدولي والذي دفع ملايين الأردنيين ثمنه من حياتهم وأبسط متطلبات معيشتهم، علماً بأن الإرتفاع المذهل للمديونية الحالية لا يعرف الاردنيون حتى الآن اسبابه وكيق وقع وأين صرفت تلك المليارات في الوقت الذي تشهد أوضاعهم تراجعاً مرعباً على جميع الأصعدة.
قبل عام 1989 كان الأردنيون يملكون مؤسساتهم الإقتصادية الوطنية الإنتاجية التي كانت تدرّ على خزينة دولتهم «المنّ والسلوى» : الفوسفات، البوتاس، الإسمنت، الإتصالات وغيرها... أما اليوم، في عصر النيولبرالية والخصخصة ودافوس والسماسرة فقد «طارت» هذه الثروات وأصبح «يتبغدد» بها الرأسمال الأجنبي والشركات الأجنبية المعولمة، وتبخّر «صندوق الأجيال» الذي قيل بأن الأموال المتاتية من الخصخصة ستدخله... وأما الفتات فدخلت خزينة الدولة من الضرائب والرسوم. وعلى اية حال، ولكي يعرف القارئ أين «وصلنا» بعد ثلاثين عاماً، ولكي يستزيد ننصحه بقراءة التقرير الضخم الذي صدر عن المجلس الإقتصادي والأجتماعي قبل أشهر، هذا التقرير الذي كان من المفترض أن يحدث زلزالاً سياسياً ومعنوياً لدى القائمين عن إدارة البلاد.
على الصعيد السياسي، «كنا» نعاني من غياب الحريات والقمع والإستبداد، والتحكّم بالانتخابات من أكبرها إلى أصغرها.. كانت الأحزاب تعمل بصورة «سرية» لكنها كانت فاعلة وكان للنضال طعم وثمن ونتيجة.. أما اليوم فقد «أصبحنا» نعيش «ديمقراطية تحت القمع» : الأفواه مكممة، ومجلس نواب «منتخب» وفقاً لقانون مطلوب منه أن لا يمثل الإرادة الحقيقية لأغلبية الشعب ـ اللهم بإستثناء نسبة محدودة لا تفسد هيمنة الطبقة الحاكمة وسياساتها. و «القوانين» الناظمة للحياة الحزبية والسياسية والنقابية، وللحريات العامة عموماً ، التي يسنها هكذا «مجلس نواب» كفيلة ـ في عام 2019 ـ بتقييد ما تبقى من حريات عامة ! فالاعتقال لأسباب سياسية لا يزال قائماً والتضييق على الأحزاب والنقابات والاجتماعات العامة والحراك الشعبي لا يزال قائماً (مثلما كانت عليه الحال في حقب ماضية). وحتى نكون منصفين، علينا أن نعترف : أصبح هناك «طوشات» في مجلس النواب ـ أغلبها لا علاقة له بمصالح الشعب وحقوقه وحرياته، بحيث «أصبح» هناك نوع من «الإثارة والحيوية» في حياتنا النيابية، يغطي على الهزال الذي تعاني منه !
أما الفساد الذي «كنا» نشكو منه عام 1989 ونطالب بالقضاء عليه، فقد استشرى بقدرة قادر (والأصح ان نقول بقدرة غياب المحاسبة والشفافية وغض الطرف عنه وقمع من يحتج عليه)، و «أصبح» كالسرطان ينخر جسم الدولة بالرغم من «جهود» مكافحته !
عام 1989، «كنا» ننادي بدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني ونضاله للتخلص من الإحتلال وللظفر بالحرية والإستقلال وبناء الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف... أما اليوم فقد «أصبحنا» أسرى «وادي عربة» المذلّ و ڊ «فضله» أصبح العدو الصهيوني يقتل مواطنينا في عقر دارنا و لا نملك إلا الصراخ والإحتجاج ! أما الباقورة والغمر، فحتى هذه اللحظة لا يزال المواطنون الأردنيون لا يستطيعون الإقتراب من أراضيهما !
طالبنا أواخر 1989 بالإصلاح السياسي والإقتصادي... وجاء أخيراً ـ ولو متأخراً ـ عام 2012 بعد الخوف من عدوى الانتفاضات العربية عام 2011، وليس استجابة لمطالب جماهير انتفاضة 1989 ... لكن الجبل تمخض فولد فأراً ؛ إذ يتساءل قطاع واسع من المواطنين اليوم : لو كان هناك إصلاحٌ حقيقيٌ لما استأنف الحراك الشعبي والشبابي نشاطه ومطالبه منذ عامين.. لو كان الإصلاح حقيقياً لشعرنا ولو قليلاً بتغيير قواعد لعبة الحكم... الإصلاح الحقيقي يتم عندما تقبل الطبقة الحاكمة بالتخلي ـ ولوجزئياً ـ عن احتكار «كعكة الحكم» لصالح الأغلبية الشعبية... وهذا ما لم يتم. ولذلك فإن الإصلاح الذي أعلن عنه كان محدوداً وجزئياً. وحتى حدود ذلك الإصلاح لا تزال غير محترمة من قبل السلطات : على سبيل المثال : المادة 8 من الدستور المعدّل عام 2011 تحرّم التعذيب؛ لكن هذا لا يمنع استمرار ممارسته حتى الآن، مثلما تذكر ذلك تقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان ومنظمات حقوق الإنسان. والمادة 128 تقول : « لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس اساسياتها». ومع ذلك صدرت بعد عام 2012 قوانين تخالف هذه المادة كقانون الإعلام الالكتروني وقانون المطبوعات المعدّل (2014) وغيرها. ومن يريد المزيد في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة فما عليه إلا ان يراجع توصيات مجلس حقوق الإنسان في جنيف والمتعلقة بالأردن في دورته الاخيرة قبل شهرين. قد يستنتج القارئ من كل ما ذكر أعلاه بأن اوضاعنا قد تراجعت على جميع المستويات. وهذا صحيح، بل إن القول بعكس ذلك هو الكذب بعينه. ولمن يريد أن ينبّهنا بان الظروف الإقتصادية والإقليمية لم تكن تساعد على تحقيق أوضاع افضل، نردّ عليه بالقول : إن هذا غير صحيح، لأن جوهر المشكلة هي أن الحكومات المتعاقبة والنظام ككل لم يستخلص الدروس الصحيحة من انتفاضة نيسان 1989. ولو فعل ذلك (ما فائدة «لو»؟) لكانت النتائج اليوم أفضل ـ أو بالحد الأدنى ـ أقلّ سوءاً مما هي عليه الآن.
إن الإعتقاد المستمر ـ للأسف ـ بأن «الحلول الأمنية» كفيلة بحل أية أزمة هو العائق المزمن لإنتشال البلاد من ازماتها التي تغرق فيها وتضعفها أمام الأخطار الخارجية التي تتهددها. أكثر من ذلك : يجب أن لا يتفاجأ أصحاب «الحلول الأمنية» إذا ما لجأ الأردنيون إلى «نيسان» جديد... إن «تأجيل» التعامل الصحيح مع الأزمة لا يعني أنها «حلّت». والشعوب لا تهدأ ولا تستكين عندما يتعلق الأمر بحياتها ووطنها ومستقبل أجيالها. ولنا مما جرى ويجري في الجزائر والسودان منذ أسابيع عبرة ودروس جديدة لمن «نسي» دروس 1989 ! | |
|