| | التاريخ: نيسان ١٣, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | في ذكرى الحرب اللبنانية: المسيحيون ختموا آخر الجروح؟- إسكندر خشاشو | يستعيد لبنان ذكرى انطلاقة الحرب الاهلية، تلك الحرب التي دمرت الوطن وقطعت أوصاله وتركت وراءها مئات آلاف القتلى والجرحى، ولا نزال ندفع ثمنها رغم المؤتمرات الدولية والمصالحات الشعبية والطائفية التي عقدت. إلّا أنّ هناك جروحاً تركتها هذه الحرب يصعب أن تندمل بسهولة، وقد بقيت تتفاعل حتى يومنا هذا.
والحرب التي انطلقت في 13 نيسان 1975 بين فصيل لبناني وآخر فلسطيني، تحولت حروباً متعددة ومتشعبة بين الطوائف.
ومن المسّلم به ان الطائفة المسيحية هي الاكبر بين تلك التي شهدت حروباً داخلية بين ابنائها، من المعارك بين الكتلة الوطنية والكتائب مروراً بالاقتتال بين الكتائب والاحرار والكتائب و"القوات" و"المردة"، وصولاً الى المعارك بين "القوات" والجيش بقيادة العماد ميشال عون، عدا عن الانتفاضات الداخلية بين الاحزاب نفسها (معارك القوات-حبيقة)، (القوات والكتائب في المتن الشمالي) وقد تركت آثاراً كبيرة جداً وصلت الى البيت الواحد، حيث قاتل الاخ أخاه في مراحل عدة من هذه الحروب.
ولكن بعد اتفاق الطائف وسقوط الهيكل فوق رأس الجميع، بدأت قيادات تلملم جراحها وتعمل على التقارب في محاولة لتخفيف أثر تلك المرحلة، وكان الوقت كفيلا ببلسمة العديد من الجروح، فشهدت السنوات الماضية مصالحات بين المتقاتلين السابقين أثمرت على الارض بشكل مقبول، وكان أهمها المصالحة واللقاء بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" الذي من خلاله أيدت "القوات" انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، بالاضافة الى المصالحة التي عقدت بين حزب الكتائب و"تيار المردة" عام 2015 وطوت مرحلة مهمة من هذه الحرب. وبقي جرح واحد مفتوحا هو الذي تركته معركة اهدن وأدى الى استشهاد طوني سليمان فرنجية وزوجته وابنته بعد معركة مع "القوات اللبنانية".
لكن هذه السنة شهدت تقدماً كبيراً على مستوى طي آخر صفحات التقاتل المسيحي، فقد بدأت التطورات الايجابية على هذا الصعيد بزيارة قام بها نجل الرئيس بشير الجميل النائب نديم الجميل لإهدن حيث وضع إكليل زهر على ضريح طوني فرنجية. وهنا لا بد من الاشارة الى انه رغم المصالحة بين حزب الكتائب و"المردة"، بقي نديم خارجها، نظراً الى حساسية مفرطة في الأمر، وباعتبار ان بشير كان قائدا لـ"القوات" في تلك المرحلة. وبعد هذه الخطوة استضافت بكركي لقاء تاريخيا جمع سليمان فرنجية وسمير جعجع أعلنا بعده طيّ صفحة الحرب نهائياً وفتح صفحة جديدة بين الحزبين.
وبمرور الايام تراجع التوتّر بين انصار الفريقين وبدأ الطرفان يتقبل بعضهما الآخر، ولكن عدم اللقاء والمصارحة بين الزعيمين كان كفيلا بالعودة الى التقاتل عند أصغر تفصيل، وهذا ما ظهر جلياً خلال أكثر من حدث، نذكر منها احداث ضهر العين التي أودت بحياة شخصين بسبب الخلاف السياسي.
وفي هذا السياق اوضح احد مهندسي المصالحة واللقاء بين "القوات" و"المردة" النائب السابق انطوان زهرا ان "القوات" تعتبر ان الحرب انتهت لحظة وقعت اتفاق الطائف الذي أنهى الخلافات بين المكونات اللبنانية التي ارتضت واتفقت بمجملها على مرحلة جديدة وطوت صفحة الماضي، مشيراً الى أن "الوصاية التي سيطرت على لبنان من بعدها أخّرت إتمام هذه المصالحات وعملت بشكل معاكس على إعادة تأجيج هذه الخلافات".
وشدد على أن "الخلاف مع المردة انتهى وفتحت صفحة جديدة، ولن تعود عقارب الساعة الى الوراء"، لافتاً الى "أننا مستمرون بالتلاقي مع المردة وغيره".
ورأى زهرا ان "هناك في المقابل بعض الجهات لا تزال تتصرف كأننا في زمن الحرب، وتحتفظ بسلاحها وتقوّض الدولة والمؤسسات وتدفع نحو الفوضى"، مؤكدا ان "القوات ستعود الى القتال إذا غابت الدولة".
وعن استعداد الحزب لقتال طرف لبناني، قال: "إذا اعتدي علينا فسندافع عن أنفسنا".
أما المسؤول الاعلامي في "المردة" المحامي سليمان فرنجيه فاعترف بأن "هذه المصالحة ختمت جرحاً اساسياً اصاب المسيحيين، وربما الجرح الاخير"، مشيراً الى أن "هذه المصالحة أتت ضمن إطار الوجدانية السياسية لا المصالح السياسية".
وقال: "بما أن الاتفاق غير مبني على مصالح وأمور مخفية فهو نجح في طيّ الصفحة القديمة، مشدداً على أن "نفوس الشهداء أصبحت مطمئنة وراضية، وشهادة طوني فرنجية تصل الى هدفنا عندما يرتاح لبنان، وهذه المصالحة تريح لبنان واللبنانيين".
وأكد فرنجية ان "المردة لن يعودوا الى حمل السلاح إلا إذا استدعى الأمر مؤازرة الجيش والقوى الشرعية ضد اي اعتداء خارجي"، لافتاً الى "اننا حملنا السلاح غصباً عنا ومن المؤكد اننا لن نرفعه بوجه اي لبناني لا اليوم ولا غداً".
الى ذلك، يرى الخبير في علم النفس الدكتور شوقي عازوري ان "المصالحات بين الزعماء وخصوصاً الذين تقاتلوا اثناء الحرب لا تكون ناجعة الا اذا تضمنت مصارحة واعترافا"، مذكراً بالمصالحة التي تمت في افريقيا الجنوبية حيث جمع الناس وخرج المشاركون في الحرب ليعترفوا بما ارتكبوا امام اهالي ضحاياهم، وعندها تصبح المسامحة سهلة".
وشرح عازوري أن "الحروب عادة تشهد أحداثا كتجهيل الفاعل أو عدم معرفة مصير الضحية إذا كان ميتاً أو لا يزال حياً، وبالتالي لا يستطيع اهله الحداد عليه. وعادة، الحداد يؤدي الى تسامح، لكن هذا الموضوع لم يجر في لبنان، اذ تمت المصالحات ولم يتم الاعتراف بالارتكابات، وهذا ما يبقي النفوس مشحونة وغاضبة والمصالحة غير منجزة، خصوصاً على المستوى الشعبي، وبالتالي الأمور معرضة للاهتزاز عند أيّ خضّة".
وشدّد على أنه "في غياب المصارحة والاعتراف، سيستمر نقل الحقد بين الاجيال، وهنا الخطورة المطلقة"، مستدركاً أن "الناس في لبنان وفي الشارع المسيحي تحديداً لم تعد جاهزة للذهاب الى حرب من جديد لأنها تعبت، وهي أشبه بجندي أيام أربعة متتالية على الجبهة، فلا نستطيع القول انه لم يعد يريد القتال، إنما لم يعد يستطيع". | |
|