| | التاريخ: نيسان ٤, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة الحياة | | «بندر عباس» يتحدى الجمارك العراقية - مشرق عباس | يعاني العراق منذ 2003 من محاولات ضبط حدوده، وفي حماية منتجاته المحلية التي انهارت، أو في حق الدولة بالرقابة على البضائع المستوردة وجودتها، أو دعم الموازنة من ضرائب التجارة مع العراق، وهذه المعاناة المستمرة سببها خلل وتكالب داخلي يعيق تطبيق القوانين النافذة، ويعرقل انسيابية العمل الجمركي، وآخر خارجي يتعلق بعدم مد دول الجوار يد المساعدة في تقويض التهرب الجمركي والضريبي وغسيل الاموال المستمر.
المناسبة حديث لتجار عراقيين مازالوا يهربون بضاعتهم إلى العراق من خلال ميناء بندر عباس الإيراني، الذي تحول إلى أكبر ممر اقليمي لضرب قوانين الجمارك العراقية، وعدم الالتزام بالسياقات القانونية لتمرير البضائع من دولة إلى أخرى.
بلا إجازات استيراد رسمية، ومن دون شهادة جودة، وخارج النظام الجمركي، يجد بعض التجار العراقيين وغير العراقيين منافذ غير قانونية لإدخال بضاعتهم، وهم يعترفون بأن الضوابط التي وضعتها بغداد أخيراً لمراقبة الاستيرادات ومنها طلب إجازة استيراد، ودفع الرسوم الجمركية، والخضوع إلى قانون الضرائب، كلها تصب في صالح البلد، لكنهم يشكلون على التنفيذ الانتقائي لهذه القوانين، ووجود بدائل لإدخال البضائع إلى العراق خصوصاً من ميناء بندر عباس باتجاه منافذ إقليم كردستان، وبعض طرق التهريب الخاصة بالمخدرات والأسلحة في جنوب العراق.
وقد يكون التهريب بهذه الكيفية مقبولاً في حال كان ضمن سقف معلوم ومحدود تصعب السيطرة عليه، لكن قصص التجار العراقيين تشير إلى تجارة هائلة، استثمرت إغلاق الحكومة العراقية المستمر لميناء أم قصر، وفتحها أبوابا غير واضحة للاستيراد عبر ميناء العقبة، وأخيراً عدم وضع آليات موحدة لتطبيق القوانين بين بغداد وإقليم كردستان.
التجار العراقيون يعترفون بأنهم يرتكبون مخالفات جسيمة، لكنهم يرون أن السياقات الضريبية الحالية تنقصها آليات عادلة للتطبيق، وأن الأحزاب السياسية النافذة تستولي بطريقة وأخرى على الحقوق الحصرية بتمرير البضائع من المنافذ، وتفرض على التجار شرط المشاركة في الأرباح مقابل الحصول على إجازات الاستيراد، ما يدفعهم إلى الطرق البديلة التي كما يبدو تشجعها دول الجوار وتدعمها كنوع من الحرب غير المعلنة على الاقتصاد العراقي المفكك أصلاً.
إن استعادة عافية العراق لا بد أن تبدأ من إعادة إحياء الصناعات الوطنية الصغيرة والمتوسطة والثقيلة، مهما تكلف هذا الهدف من احتجاجات وغلاء في أسعار السلع المستوردة، وتململ من الشارع ومن الأحزاب التي تحاول ركوب أية موجة غضب شعبية حتى لو كانت ضد مصالح البلاد العليا.
وعلى الحكومة العراقية إذا أرادت المضي إلى أهدافها أن تتحلى بالشجاعة الكافية لمواجهة الأصوات الشعبوية التي تطعن بالاقتصاد العراقي، مثلما عليها أن تتعامل بحزم مع التسهيلات التي تتيحها دول الجوار لتهريب البضائع عبر موانئها ومطاراتها إلى العراق.
ولا يمكن البدء فعلاً بهذه الخطوة العملاقة، قبل قطع يد الأحزاب التي ما زالت تستولي على أرصفة الموانئ والمطارات وحقوق تسهيل التهرب الضريبي، والجميع يعلم أن يد هذه القوى أقوى من أن تتمكن الحكومة الحالية من قطعها.
أن يغلق ميناء أم قصر أمام البضائع بشكل متكرر، يعني أن يد الأحزاب وأصابعها تتحرك لتحقيق مكسب هنا وهناك، وأن تتم عرقلة مساعي أصحاب رؤوس الأموال العراقية للالتزام بالضوابط والشروط الجمركية وإجبارهم على الدخول في متاهة بيروقراطية معقدة قد تستمر شهوراً وسنوات من دون الوصول إلى منتهاها، فإن ذلك يعني تدخل القوى الحزبية والمسلحة كبديل مختصر لهذا النظام البيروقراطي، ويعني بالأساس أن تعقيدات النظام هي مدخل فساد قبل أن تكون محاولة لضبط الفساد.
ميناء بندر عباس، وموانئ دول الجوار الأخرى، يجب أن تلتزم بضوابط البضائع المصدرة إلى العراق التي تنتهي إلى التهرب الجمركي والضريبي، في نطاق الاتفاقات الثنائية المعروفة بهذا الشأن، والتسهيلات التي تمنح لتقويض فاعلية القوانين العراقية هي ضربة أشد فتكاً من غيرها من الضربات، وحان دور الحكومة العراقية لتبدأ الحديث المعلن. | |
|