| | التاريخ: نيسان ٤, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | الجزائر كنموذج يخشى اختطافه - روزانا بومنصف | "الجزائر ماشي سوريا"، اي ان الجزائر ليست سوريا كان من ابرز الشعارات التي رفعها الجزائريون للتأكيد على سلمية تحركهم في الاسابيع الاخيرة التي ادت الى استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقه. وراقب العالم باهتمام التطورات في الجزائر، من دون اظهار اي تدخل علني من اي جهة كانت، اذ ان معلومات ديبلوماسية تتحدث عن ان الاتصالات لم تنقطع مع القيادات الجزائرية من اتجاهات دولية متعددة. ولكن المجتمع الدولي او الدول المؤثرة، ادركت الدروس التي تعلمتها من دول الربيع العربي وتدخلها فيها، بحيث ادت الى خراب هذه الدول وزيادة التداعيات التي لم تنته كما في حال ليبيا مثلا وسوريا، لذلك لم تظهر في الواجهة الجزائرية على الاطلاق. ولذلك كان لافتاً التعليق الاول لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، معرباً عن ثقته بقدرة الجزائريين "على مواصلة هذا التحول الديموقراطي بروح الهدوء والمسؤولية نفسهما". فيما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن الشعب الجزائري هو الذي سيحدد طريقة إدارة المرحلة الانتقالية. من جانبها، دعت روسيا إلى انتقال ديموقراطي من دون تدخل خارجي. فاللحظة المتمثلة بخروج الرئيس الجزائري من الحكم مهمة وليست اعتيادية او معهودة، وربما لم تكن لتحصل لولا العجز الفعلي لبوتفليقه في موازاة العجز عن ابقائه في الواجهة والتغطية التي كان يؤمنها وجوده الشكلي من اجل الحكم من ورائه ايضا، اياً يكن من يقوم بذلك. ولذلك اكتسب طيّ صفحة بوتفليقه في الجزائر بعداً في غاية الاهمية يمكن او يخشى ان تتكرر اصداؤه في الدول الاخرى، انطلاقاً من ان الضغط السلمي او الذي ابقي سلمياً يعبّر عن وجود رغبة في التغيير لم تمت لدى شعوب المنطقة على رغم اعتبار الكثيرين ان الربيع العربي انتهى مع سوريا وما حصل فيها. فهذه الانتفاضة ابرزت دروساً يفترض استخلاصها عن ضرورة مواكبة دول المنطقة او حكامها متطلبات التغيير التي يعبر عنها الشعب، وكذلك بالنسبة الى الخيارات المتاحة امام هؤلاء الزعماء اي محاولة قمع الشعوب بالقوة، وصولاً الى تحويل دولها ساحة نفوذ وتدخل الى جانب تدميرها او الحرص على استيعاب المطالب الشعبية بما امكن من تلبيتها عن طريق اصلاح النظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ولا بد من ان تجربة الجزائر التي تجنّبت الذهاب الى حرب جديدة يمكن ان تكون نموذجاً للدول الاخرى على الطريق كالسودان مثلا، او دول اخرى ضجرت شعوبها من احتكار التمثيل السياسي وضيق الافق الاقتصادي، بحيث قد تشجع على مرحلة جديدة من مراحل الربيع العربي. علماً ان الامور قد لا تذهب الاتجاه نفسه، فلا تخلو من الفوضى او العنف. ومع ان السودان يبدو الدولة الثانية التالية المرشحة لمشهد مماثل للجزائر، فان المعلومات المتوافرة عن دول اخرى في المنطقة تعاني اوضاعا اقتصادية صعبة وانغلاقاً في الافق السياسي، اضافة الى اوضاع متغيرة في المنطقة وخلط اوراق ترسم مؤشرات مقلقة لهذه الدول على رغم استمرار دعم وجودها من الخارج، نظراً الى حيوية موقعها او شرعية ما تمثل.
وكان الامر مماثلاً بالنسبة الى القيادات الجزائرية التي لم يفت الجزائريون محاولتها التلاعب وبيعهم تغييراً من دون تغيير فعلي، الا ان هذه الاخيرة حاذرت الذهاب الى ما ذهب اليه زعماء عرب كثر ما ادى الى حروب لا تنتهي وتدمير مخيف لبلدانهم، باعتبار ان التجربة لا تزال حاضرة امامهم بكل تجلياتها. اعاد مشهد الجزائر الى الاذهان بالنسبة الى البعض، اولى انطلاقات الربيع العربي الذي حرّف عن مساره وسعى الزعماء العرب الى اجهاضه. لكنه بالنسبة الى متابعين كثر، كان المشهد اقرب الى مليونية 14 آذار في العام 2005 في لبنان التي ادت او فرضت عبر الضغط السلمي انسحاب القوات السورية من لبنان بعد اكثر من ثلاثة عقود من السيطرة السورية على البلد الصغير، فيما كانت الدول الغربية تقف متفرجة ومشدوهة حين لم تكن ترغب ان ينسحب السوريون فعلاً من لبنان على رغم صدور القرار 1559، بل كانوا يفضلون انسحاب القوات السورية وقتها الى البقاع فقط وفق ما ورد في اتفاق الطائف. وما حصل لاحقاً بالنسبة الى اجهاض المشهد اللبناني وتأثيراته يخشى ان ينسحب بالنسبة الى المشهد الجزائري بحيث تختطف عملية التغيير في الاتجاهات المفترضة الى انتقال سياسي سطحي أو شكلي لا يكون حقيقياً او ان يؤدي الى مرحلة صراع ضمني يأخذ الجزائر الى مرحلة اضطرابات سياسية على خلفية تضارب المشاريع، خصوصاً حين عمدت السلطات الجزائرية الى تمكين افرقاء من السلطة على مدى اعوام بحيث لا يمكن هذه السلطة التخلي عن مكتسباتها او مواقعها. ولا يخفي المراقبون المتابعون قلقاً مضمراً لدى دول مؤثرة عدة من زاوية مواكبة التفاصيل والحرص على عدم حصول انحرافات سياسية او عسكرية يمكن ان تؤدي الى تداعيات لا تستطيع الدول المجاورة، بما فيها الدول الغربية، تحمل تداعياتها ايا تكن، فيما انها لا تزال تعاني مما حصل في سوريا وليبيا في شكل خاص.
ومع ان مشهد الجزائر لم يكتمل وامامه طريق طويل مثير لقلق دول كثيرة، فان نجاحه ايضاً في نهاية الامر بانتقال سياسي سلمي وديموقراطي يبدو ان الجزائريين حرصاء عليه في ضوء عدم رغبتهم تكرار الحرب الاهلية بين 1980 و1988، فهو قد يثير قلق دول المنطقة اياً تكن طبيعة النظام فيها ما لم تبادر الى تغييرات فعلية كان بدأها البعض منها تجنباً للوصول الى مثل هذا الاحتمال. وربما اثار ما حصل من نتائج في ليبيا وسوريا ارتياحاً لأن الشعوب لا ترغب ايضاً في التهجير والموت، لكن تجربة الجزائر قد تقلب المقاييس على هذا الصعيد. | |
|