| | التاريخ: آذار ٣٠, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | محاولة تنظير بشأن نأي لبنان بنفسه - طارق زيادة | وردَ في مقدّمة الدستور اللبناني بعد التعديل ما يلي:
"لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحدًا أرضًا وشعبًا ومؤسسات، في حدوده المنصوص عنها في هذا الدستور والمعترف بها دوليًا".
"لبنان عربيّ الهوية والإنتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجسّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء".
"أرض لبنان أرض واحدة لكلّ اللبنانيين فلكلّ لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتّع به في ظلّ سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء، كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين".
"لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".
وحرصًا على الوحدة الوطنية، وعلى الصيغة الميثاقية التي تُسلم بالحرية وبالتنوّع وبالكرامة الإنسانية، والتي تنشد العدل والعدالة، وإنّ الحرية تجد كمالها في العدل، وإنّ الحرية لا تغني عن العدل، ولا يغني العدل عن الحرية بل يتكاملان. وحرصًا على أنّ لبنان أكثر من بلد وأنّه رسالة، وأنّنا أمام وطن صنعت الحرية صيغته ودعمت سداه ولحمته وأطّرت دوره ورسمته بمواجهة التعصب والجهل والعنصرية والإنغلاق والتّطرف والإرهاب، وجعلت منه عنوانًا للوسطيّة البنّاءة، وميدانًا للحوار الخلّاق، حوار الوجود والحياة والإبداع.
وحرصًا على أنّ حقَّ الاختلاف قيمة أساسيّة من قيَم الصيغة اللبنانيّة ما كانت لتقوم إلّا بها، إذ لا معنى للصيغة هذه إلّا باعترافها بالحرية الدينية وبحريّة المعتقد وبحريّة الفكر عمومًا.
وحرصًا على ارتباط الهوية بالحريّة مستندة إلى إرادة اللبنانيين الوطنية الواحدة، وعلى ارتباط الوطنية اللبنانية بالعروبة الحضارية، منفتحة في الآن ذاته على آفاق الإنسانية الواسعة، معيدة اكتشاف دور لبنان العربي الرائد في منطقته المتعطشة للحداثة والحرّيّة والتقدّم.
وتأكيدًا على أنّ الفهم الصحيح للصيغة اللبنانية يقود من الولاء الطائفي إلى الولاء الوطني.
وحرصًا على أنّ الوطنية اللبنانية والعروبة الحضاريّة، بما هما دعامتا الصيغة الميثاقية، تتعارضان كلية مع العنصرية الصهيونية مما يجعل هذه الأخيرة العدو الأول للبنان الوطن.
وأخذًا بعين الاعتبار أنّ المصلحة العليا للدولة اللبنانية ولوحدة اللبنانيين الوطنية ومصالحهم المشروعة في الداخل والخارج يجب إحلالها المحل الأول.
واستنادًا إلى كلّ ما سبق نخلص إلى ما يلي:
ألف: إنّ الحريّة هي جوهر الوجود اللبناني ومبرر قيامه وأساس الصيغة الميثاقية.
باء: إنّ انتماء لبنان العربي هو في طبيعة الأمور بداهة، وبات التركيز لزامًا ليس على الهوية المفروغ منها بل على الدور: لبنان بما هو فسحة للحرية، منارة على هذا الحوض الشرقي للمتوسط ورئة تتنفّس بها المنطقة بأسرها ودعوة دائمة للتقدّم والفكر والثقافة والإعلام الحر.
جيم: لبنان بما هو تركيب ديموغرافي: تفاعل بين المسيحية والإسلام مصدر لثراء إنساني، فكري وروحي، لنا وللعرب وللبشرية.
دال: لبنان هذا الذي نريد، هو نفي للعنصرية والطائفية والمذهبية، لا يمكنه أن يكون ملاذًا عنصريًا أو دينيًا أو طائفيًا أو مذهبيًا، وبذلك هو تحدٍ دائم للصهيونية وللتعصّب أيًّا كان مصدره.
هاء: لبنان الذي عانى من الحرب الأهلية ومن صراع الآخرين على أرضه، ومن استدعاء التدخل الأجنبي لحلّ قضاياه، يدرك جيدًا أنّ الحروب الأهليّة العربية الحالية والصراعات الإقليميّة والدوليّة تؤول إلى تخريب وتدمير الأوطان والقضاء على الناس وتهجيرهم وتشريدهم وتهديم النفوس وتخريب العقول وسيطرة العنف الأعمى والشراسة القاتلة والقلق العاصف وقتل العلاقات الإنسانية الطبيعية، ليحلّ محلها الصراع على نقطة الماء وعلى رغيف الخبز وعلى وقود المحرّك، لذا ينأى عنها لبنان بكافة قواه الحيّة.
واو: وإيمانًا منّا بأنّ مصلحة لبنان العليا تحدونا إلى الانتباه إلى المخاطر المحيطة بالوطن، وبأنّ الأحداث المأساويّة الجارية في الدول العربية ولا سيما في سوريا، قد تؤدي، إذا لم نحسن التدبير والتصرّف بحكمة ودراية إلى خسران بلدنا والوقوع في المهالك المميتة.
إنّ ذلك كلّه يحدونا إلى إبراز ما يلي:
أوّلًا: إنّ لبنان مع كلّ قضيّة عربيّة وإنسانيّة عادلة ومحقّة، وهو يعتبر القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى والأساسيّة، ويبقى لبنان في طليعة العاملين من أجل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلّة وعاصمتها القدس الشّريف، وعودة اللاجئين ولا سيما المقيمين في لبنان إلى فلسطين؛ ويعارض لبنان بقوة أي تصفية للقضية الفلسطينية على أساس إبقاء اللاجئين في دول الجوار.
ثانيًا: إنّ الصهيونية هي النّقيض للبنان وعدوّه الأوّل، ولذا فإنّ اللبنانيين يضعون نصب أعينهم الخطر المصيري الذي تشكّله العنصريّة الصهيونية على وطنهم، وهم مجمعون على ذلك، وتقوم الدولة اللبنانية بكلّ موجبات المسؤولية عليها بهذا الشأن.
ثالثًا: إنّ لبنان مع الإجماع العربي، كلّما توفر، وهو يسعى جهده من أجل حصوله في كلّ قضية عربيّة، إلّا أنّه ينأى بنفسه عند حصول خلاف بين الدول العربية حول أي مسألة من المسائل، ويتجنّب الإنضمام إلى أي محور من المحاور العربية المتعارضة ويلتزم الحياد بينها.
رابعًا: يبقى لبنان حريصًا على القيام بدوره الحضاري في منطقته العربية خاصة، وفي العالم عامة، متابعًا رسالته الثقافية في قيام نهضة عربيّة تفضي إلى ولوج العرب آفاق العصرنة والحداثة، مع تفهّم للجوانب الإيجابية من العولمة ونقلها إلى المحيط العربي، تمهيدًا لدور عربي فاعل في العالم، وتفعيل المؤسسات العربية المتخصصة وذات الشأن لكي لا يبقى لبنان والعرب على هامش التاريخ المعاصر، بل دعاة لكرامة الإنسان وحقوقه وحرياته الأساسية.
خامسًا: يبذل لبنان كلّ ما في قواه ليبقى ساحة للحوار الخصب بين المسيحية والإسلام، ناقلًا إلى العالم الأرحب النتائج الإيجابيّة للعيش الواحد بين مواطنيه، معتبرًا ذلك من مهام كونه أكثر من وطن، بل هو في جوهر كينونته رسول تفهم وتفاهم بل رسول محبة، وتجسد الدّولة هذه السياسة وتشجّع إنشاء مؤسسات تعمل في هذا السبيل على الصُّعُد المحلّيّة والعالميّة.
سادسًا: يعارض لبنان، بكلّ ما أعطي من إمكانات، أية مشاريع صريحة أو ضمنية لتقسيم الدول العربية القائمة وتقاسمها أو اقتطاع أجزاء منها، ويأخذ المبادرة لدعوة الدول العربية جميعًا إلى التّضامن الفعلي لإحياء نظام الدفاع الأمني العربي، دفاعًا عن مصالح العرب المشروعة وخاصة في وجه الإرهاب، ويبذل الجهود في سبيل ذلك، وفي نطاق جامعة الدول العربية (ولا سيما في قمم رؤسائها وملوكها)، وفي نطاق هيئة الأمم المتحدة والدول الكبرى والاتحاد الأوروبي، وفي سائر الهيئات والمنظمات الدولية.
سابعًا: يعمل لبنان على إعادة اللاجئين والنازحين السوريين إليه فورًا، وفق خطة مدروسة وبالتعاون مع المفوضية العامة للاجئين ومع سائر الهيئات الإقليمية والدولية المهتمة، ومع الوسيط الدولي في سوريا، إلى الأراضي الآمنة فيها، ويتوسّع في تنفيذ تلك الخطة كلّما سمح الوضع الأمني في سوريا بذلك، ويتخذ كلّ التدابير لمنع لجوء لاجئين ونازحين إليه إلّا في الحالات الإنسانية القصوى المتعارف عليها دوليًا.
ثامنًا: يؤكّد لبنان على أنّ القوى المسلّحة هي المولجة بالدفاع عن وحدة أرض لبنان وسيادته برًّا وبحرًا وجوًّا واسترجاع المحتل منها بكلّ الوسائل المتاحة، وتحت إمرة القيادة الشرعية.
(عضو المجلس الدستوري) | |
|