| | التاريخ: آذار ٢٩, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة الحياة | | تنامي «الإسلاموفوبيا» واستغلال «القاعدة» و«داعش» - منير أديب | لا شك أن تنامي ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في قارة أوروبا العجوز معوق كبير أمام مواجهة ظاهرة الإرهاب في العالم، فما يمارسه اليمين المتطرف يصب في خانة نظيرة ممن يمثلون ظاهرة الإسلام السياسي، خاصة التنظيمات الكبيرة عابرة الحدود مثل «قاعدة الجهاد» و«داعش»، فلا جدوى من مواجهة التحالف الدولي لــــ «داعش» طالما تركنا بذور اليمين المتطرف بلا مواجهة.
ولا خلاف أن تنظيمات العنف والتطرف عابرة القارات ستستغل المجزرة التي ارتكبها اليميني المتطرف برنتونتارانت وأودت بحياة العشرات في نيوزيلندا ما بين قتيل وجريح لتكرار مثلها، مدعيةً أنها ترد عن «الإسلام والمسلمين»، وهو ما يدخلنا في نفق الكراهية والتطرف والإرهاب بين المختلفين ويخلق مناخا حاضناً للإرهاب، فطالما وجد اليمين المتطرف ومارس كراهيته من دون رادع فإن ذلك سينعكس على قوة تنظيمات العنف والتطرف، التي تبحث عن حاضنة هي الأخرى لسلوكها المتطرف ومبرر لأفعالها.
الإرهاب والتطرف لا جنس ولا دين ولا عرق له، كما لا موطن له، تغذيه مشاعر الكراهية والبغض والحقد، التصدي له لا بد ألا يقتصر على المواجهة الأمنية والعسكرية فقط، وإنما بقطع الطريق أمام محاولات التحريض والكراهية التي تنطق بها أفواه «أعداء الحياة» من الجانبين، كما لا بد من مواجهة صارمة لهؤلاء المتطرفين مهما كانت جنسياتهم وصفاتهم.
أوروبا أمام تحدٍّ كبير يرتبط بالحفاظ على أمنها القومي، كما أنها تتحمل مسؤولية ضياع جهود مواجهة التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها «داعش»؛ فكلما واجهت اليمين المتطرف ووقفت أمام دعوات كراهية المسلمين، كلما ساعد ذلك في منع تكرار حوادث العنف من الجانبين، خاصة وأن الإرهابي الذي نفّذ مجزرة مسجد النور بنيوزيلندا كشف لنا عن رؤيته القبيحة وتصوره الخاطئ عن الإسلام والمسلمين، فوصفهم بالغزاة، وحاول تذكير الأوروبيين بما سمّاه بالمجازر ضدهم قبل مئات السنين، وهي معلومات مغلوطة تدل على جهل صاحبها، كما أنها تؤكد أنها ثمرة حملات من التحريض ضد العرب والمسلمين تعمل ليل نهار، هدفها النيل من كل عربي مسلم حطّ على أرض أوروبا.
ما حدث في نيوزيلندا من مجزرة أراعت قلوب الإنسانية يؤكد أن الأفكار المتطرفة لها أجنحة تتحرك من خلالها وتستطيع أن تصل لأبعد نقطة في هذا الكون، فعلى قدر تحركها السريع وقدرتها على الانتشار لا بد أن تكون هناك سرعة في مواجهتها، حتى لا تنتصر أفكار التطرف، ولا ينجح أصحابها في تطبيق هذه الأفكار عبر عمليات مسلحة تستهدف الأبرياء.
وهنا لا بد من دور واضح من قبل أجهزة الأمن المحلية في نيوزيلندا وأوروبا، ولا بد للمجتمع الدولي أن يكون شريكاً في مواجهة الإرهاب، فكلما امتلكت نيوزيلندا القدرة على مواجهة تنامي ظاهرة الكراهية للعرب والمسلمين فيما يُعرف بظاهرة «الإسلاموفوبيا»، كلما كانت قادرة على الحفاظ على أمنها القومي، ولا يمكن تحقيق الأمن القومي لها إلا بمواجهة نماذج وصور الإرهاب كافة.
يتحمل المجتمع الأوروبي كما يتحمل النظام الدولي جزءاً من المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبت ضد العرب والمسلمين، فما حدث في نيوزيلندا لا يمكن أن نفصله عن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أن يكون رئيساً وبعد أن أصبح رئيساً للولايات المتحدة، وكلها تصبُّ في خانة الكراهية والرفض للعرب والمسلمين.
الإرهاب نتاج طبيعي لبيئة التطرف، فكل إرهاب يسبقه تطرف، وكل تطرف ناتج عن الفكر، ولذلك إذا كانت أوروبا والعالم جادين في مواجهة الإرهاب فعليهم بمواجهة التطرف ومن ثم الاشتباك مع كل الأفكار التي تدعو للكراهية من قبل تنظيمات العنف والتطرف ومن قبل اليمين المتطرف أيضاً، وهذا هو الحقل الوحيد للمواجهة، من دونه سينتشر الإرهاب بشكل يهدد به العالم شرقه وغربه، وهنا تُصبح خطورته أكبر بكثير من تأثير القنبلة النووية، فشظايا الأفكار تتناثر عبر الفضاء بحجم حدود القرارات ولا يمكن أن تحمي نفسك من تأثيرها.
لا بد من رسم خطة لمواجهة التطرف بصوره وأشكاله كافة أين كان مبعثه، وعلى أوروبا أن تكون حريصة على هذا النوع من المواجهة، فأي مواجهة لأي تطرف يؤدي للحفاظ على أمنها القومي وأمن العالم الإنساني، وأي تكاسل في هذا الباب يفتح مساراً من العبث تصعب مواجهته مع الوقت.
كما لا بد أن تكون هذه الخطة شاملة ومرسومة في ضوء دراسة للواقع المعاش للعالم ومدركة لخصوصية العرب والغرب معاً، وأن تخضع لنقاش عميق بحيث تفضي في النهاية لتصور مكتمل نستطيع من خلاله انتزاع أفكار التطرف التي باتت أقرب إلينا من الهواء الذي نتنفسه.
* كاتب مصري. | |
|