| | التاريخ: آذار ٢٧, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | تحليل: روسيا لا تتخلى عن النظام بل عن الأسد! | روزانا بومنصف
حجبت التطورات التي تزامنت مع زيارة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو لبيروت وما رافقها في موضوع إقرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب بسيادة اسرائيل على الجولان، الكثير من الامور في المنطقة كانت سبقت هذه التطورات او واكبتها. وكان ابرز هذه الامور الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي لمصر حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أن تعقد قمة ثلاثية بين مصر والعراق، انضم اليها العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني. وأهمية هذا العنصر، وإن تكن زيارة عبد المهدي مقررة منذ بعض الوقت، تكمن في انها حصلت بعد اجتماع رؤساء الاركان العراقي والسوري والايراني في دمشق، وخرق فيها عبد المهدي التزاما بعد مغادرة العراق قبل اكتمال عقد حكومته، فيما لحق باجتماع رؤساء الاركان زيارة سريعة لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو للعاصمة السورية. وبالنسبة الى مصادر ديبلوماسية أجنبية، فإن الرمزية المهمة هي التموضع العراقي المتواصل مع الدول العربية بما يشي بعدم رغبة او بارادة العراق في ان يدرج من ضمن المحور الذي يجمع بين ايران والنظام السوري، او ان يحسب عليه، بحيث بدت القمة في مصر، ولو انها رمية من دون رام، وكأنها رد على لقاء رؤساء الاركان في دمشق، بما يقوض عمليا، وعلى نحو غير مباشر، المضمون الذي تم السعي الى تظهيره من هذا الاجتماع. ويؤشر هذا الامر بقوة لعاملين، أحدهما ان العراق ليس في مزاج ان يستتبع في الاطار الذي عقد فيه اجتماع رؤساء الاركان او الهدف الذي رمى اليه من فتح خطوط من ايران الى العراق فسوريا، والآخر ان هناك وعيا عربيا لتظهير القدرة على مواجهة المساعي الايرانية في ضوء المصالح بين الدول العربية نفسها، بعيدا من التقويض الاميركي كما حصل في موقف الرئيس الاميركي. لكن ما حصل ساهم في التغطية على هذا الجهد، مع إبراز الادارة الاميركية الإقرار بسيادة اسرائيل على الجولان في إطار تقويض النفوذ الايراني ومنع امتداده وفق ما أدرج الرئيس الاميركي توقيعه القرار المتعلق بالجولان. وتقول المصادر المعنية إن زيارة وزير الدفاع الروسي كانت معبرة في ظل معلومات تحدثت عن حصول تغييرات في الملف السوري، ترجمها من جهة الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الاسد لطهران، والتي أدت ظاهريا الى تقديم وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف استقالته على نحو أنجز لعبة ذكية من خلالها قبل عودته عنها، ولكن زيارة الاسد لطهران، وفي ظل رفض روسي لرغبة ايران والنظام السوري، أي معركة عسكرية على ادلب، كلها كانت تعبيرا عن هذه التغييرات غير المعروفة او غير المعلنة. وتفيد المعلومات المتوافرة لدى هذه المصادر ان روسيا تواجه تحديات كبيرة في ظل فشل مؤتمر أستانا الذي غدا في نقطة الصفر، من دون قدرة على تقديم اي انجاز على وقع عدم تطابق الرؤية بينها او بين طهران وتركيا اومحاولة التوفيق بين مصالح الدول الثلاث المعنية. وليس مؤتمر جنيف افضل حالا من مؤتمر أستانا، إذ إنه أضحى في نقطة الصفر أيضا نتيجة التباعد بين الولايات المتحدة وروسيا واوروبا. ويكشف هؤلاء ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستاء من الرئيس السوري الذي يرفض التجاوب مع اي حلول او ازاء تقديم اي تعاون على الصعيد السياسي، فيما تتحدث معلومات هذه المصادر عن ارتياح روسي الى الموفد الدولي الجديد الى سوريا غير بيدرسون، على غير ما كانت الحال مع الموفد الدولي سابقا الى سوريا ستيفان دو ميستورا، وان روسيا ترغب فعلا في ان يحصل تجاوب من النظام السوري مع جهود بيدرسون، لكن من دون ان يبدي الاخير اي استعداد لذلك. ومسارعة الاسد الى طهران للاستقواء بها في وجه الضغط الروسي، تعود في شكل اساسي الى واقع ادراك رئيس النظام السوري ان روسيا تعي ان لا تقدم محتملا معه في اتجاه مستقبل سوريا، وان الرئيس الروسي، على غير ما كانت الامور في الاعوام الاخيرة، لا يزال يدافع عن سوريا في كل المحافل الديبلوماسية، ولكن مع شعور قوي او بالاحرى معلومات عن تغيير في الاولويات الروسية، بحيث باتت الاولوية لدى موسكو هي المحافظة على النظام السوري الذي نجحت الى حد بعيد في تثبيت بقائه، ولكن في مقابل الاستعداد للتخلي عن بشار الاسد. فالنظام يبقى لكن من دون بشار الاسد. وهذا ما جعل الاخير يرتمي في احضان طهران أكثر فأكثر في الآونة الاخيرة.
تخشى المصادر الديبلوماسية في المقابل ان يساهم توقيع الرئيس الاميركي مرسوم التسليم بسيادة اسرائيل على الجولان، في خلط الاوراق في المنطقة بالنسبة الى الموضوع السوري كما بالنسبة الى مسائل عدة في المنطقة. فمع انه من المؤكد ان الولايات المتحدة ستكون وستبقى وحدها في موضوع التسليم لاسرائيل بالجولان، وفقا لكل الادانات الدولية والعربية للموقف الاميركي وعدم قدرة على مسايرة الادارة الاميركية في هذا الموقف او مجاراتها. إلا أن متغيرات كثيرة يجب توقعها بفعل هذا التطور الذي يستهين بمصالح دول كبرى في المنطقة من أجل اسرائيل ومصالحها المباشرة فحسب، حتى لو انها تسيطر عملانيا على الجولان من دون افق لسلام بينها وبين سوريا في المدى القريب او المتوسط، او على الاقل حتى تستعيد سوريا نفسها، وهذا ليس متوقعا قبل عقد من الزمن او ربما أكثر. وما يقلق هذه المصادر أن يفتح الموقف الاميركي الباب على تقسيم أو تجزئة سوريا وفق مناطق نفوذ ومصالح يخشى ألا يبقى مقتصرا عليها في نهاية الامر. | |
|