| | التاريخ: آذار ٢٧, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة الحياة | | الحراك الشعبي وإشكالات «السهل الممتنع» في الجزائر- حسين معلوم | أن يتراجع النظام الجزائري عن الإصرار على ترشّح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة؛ فهذا، وإن كان يؤشر إلى تجاوب الرئيس والنظام عموماً مع الحراك الشعبي الذي تعيشه الجزائر منذ أسابيع في المطالبة بعدم إعادة ترشح بوتفليقة؛ إلا أنه، في الوقت نفسه، يُثير التساؤل حول الاستهداف الكامن من وراء تخلي الرئيس عن الترشح، من دون الانسحاب من الحكم؟ ثم، إذا كان ذلك يعني، في ما يعنيه، التمديد لاستمرار بوتفليقة على قمة السلطة لفترة زمانية لم تُحدد بعد؛ فهذا، أيضًا، يُثير التساؤل حول التداعيات التي يمكن أن تشهدها الساحة السياسية في هذا البلد، خاصة في ظل اصطدام قرار الرئيس بعدد من العقبات الدستورية.
أضف إلى ذلك، أن الوضعية التي تمر بها الجزائر من حراك شعبي؛ وإن كانت السبب في إعلان بوتفليقة سبعة قرارات، من بينها تأجيل الانتخابات الرئاسية، وعدم ترشحه لولاية خامسة؛ إلا أنها، في الوقت نفسه، تُثير التساؤل حول الاحتمالات المستقبلية لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع على الساحة الجزائرية، سواء بالنسبة إلى تمديد حكم بوتفليقة، أم لجهة دخول الجزائر إلى منعطف تاريخي بتغير النظام الحاكم تحت تأثير الحراك الشعبي المتنامي في هذا البلد.. صاحب «المليون شهيد».
هذه التساؤلات، وغيرها، وبالتحديد الأخير منها، هو ما يدفع إلى الاقتراب من ملامح الصورة، عبر عدد من النقاط، أهمها الثلاث التالية:
فمن جانب، لنا أن نلاحظ أن الاحتجاجات الجزائرية، لم تصل إلى الحالة التي بدت عليها ثورات «الربيع العربي»، خاصة في مصر وتونس؛ إذ لم يطالب المحتجون الجزائريون بتغيير النظام، بل طالبوا بتغيير رأس النظام.
على رغم ذلك، فإن واقع الحراك الشعبي عبر هذه الاحتجاجات، وإن كان يُعبّر عن مطالبة «بوتفليقة وحكومته بالرحيل»؛ إلا أن الواقع –المجتمعي- يُؤكد أنها لا تتعلق بمجرد رفض الولاية الخامسة للرئيس، تبعاً للحالة الصحية التي يبدو عليها؛ بل، أيضاً، تأتي نتيجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة في البلاد، التي تزايدت بشكل سريع خلال الأشهر الأخيرة؛ على رغم ما تتمتع به الجزائر من موارد. ويكفي أن نشير، في هذا المجال، إلى أن نسبة البطالة تقدر بين الشباب المتعلم بنحو 12 في المئة، هذا فضلاً عن أن نسبة تُقارب الـ10 في المئة من الشعب الجزائري، بحسب تقديرات البنك الدولي، تعاني من الفقر بسبب ارتفاع معدل التضخم الذي بلغ 5.5 في المئة مع بدايات العام الماضي. فإذا أضفنا إلى ذلك، تقلب أسعار النفط العالمية، بل تراجعها، لنا أن نلاحظ مدى تأثير ذلك على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة، أصلًا، في البلاد. لنا أن نلاحظ، أيضاً، كيف تراجع الاحتياط النقدي الجزائري، من 170 بليون دولار في نهاية عقد الثمانينات إلى حوالى 70 بليوناً في نهاية العام الماضي. وهذه كلها أمور تُخِل بتدفقات الإيرادات الحكومية، وتُهدد المشروعات الممولة من القطاع العام، مثل تطوير البنية التحتية وتوفير الرعاية الصحية؛ ناهيك عن تراجع إمكان توفير فرص عمل للشباب.
ولعل هذا ما يوضح، لماذا كان الشباب هم المحرك الأساس في الحراك الشعبي على الساحة الجزائرية؛ فمن أصل 42 مليوناً من الجزائريين، هم عدد السكان، يُمثل الشباب حوالى 50 في المئة، ما بين الـ20 والـ25، وتزيد النسبة إلى «الثُلثين» ما دون سن الثلاثين.
من جانب آخر، لنا أن نلاحظ أن أطروحة بوتفليقة، أو بالأصح خطته في البقاء على رأس السلطة، تصطدم بمأزق دستوري، ذلك أن تأجيل الانتخابات، التي كانت مقررة يوم 18 نيسان (أبريل) المقبل، لا يجوز دستورياً إلا في «الحالة الاستثنائية»، التي يُبررها «خطر يُهدد البلاد، يوشك أن يُصيب مؤسساتها الدستورية، أو استقلالها، أو سلامة ترابها»؛ وهنا، تنتفي هذه الحالة في الوضعية التي تمر بها البلاد، حتى مع استمرار التظاهرات، التي أشاد بوتفليقة نفسه بـ«سلميتها وتحضرها».
فإذا أضفنا إلى ذلك، أن رسالة بوتفليقة تفادت التقيد بفترة زمنية لمدة استمراره في الحكم، على رغم أنها قيَّدت «الندوة الوطنية»، المنوط بها إعداد إصلاحات ستشكل «أساساً لنظام جديد» للبلاد، بموعد لا يتجاوز نهاية العام الجاري (2019)؛ لنا أن نلاحظ أن تكليف «الندوة» بهذه المهمة، يعني إشراف مؤسسة الرئاسة على مشروع تعديل الدستور. هذا، فضلاً عن أن تقديم «الندوة» مقترحاتها بشأن تعديل الدستور لا يعني المُضي مباشرة إلى انتخابات رئاسية، إذ إن نص الدستور «الجديد»، بعد الانتهاء من إعداده ومناقشته، سيُطرح لاحقاً على الاستفتاء الشعبي، وهذه مهمة «إدارية» تحتاج إلى ما يزيد عن ستة أشهر، ثم يأتي بعد ذلك التوجه إلى الانتخابات الرئاسية التي يحتاج التحضير لها إلى المدة ذاتها على أقل تقدير.
ولعل هذا ما يوضح، لماذا اختار بوتفليقة أطروحة «السهل الممتنع» للخروج من المأزق؛ إذ في ما يبدو أن الرئيس عندما أعلن تخليه عن الترشّح من دون الانسحاب من الحكم، فإنه يهدف إلى أن يستمر رئيساً وأن يتولى اختيار رئيس «الندوة الوطنية»، بل والآلية التي سيتم من خلالها اختيار أعضائها. هذا، فضلاً عما يُريده من أن يُرتب بنفسه عملية تسليم السلطة لرئيس جديد، وأن يتفادى الخروج من «الباب الضيق»، كما جرى في 1999، عندما تسلم الحكم من الرئيس الجزائري السابق اليمين زروال بعد أن اختصر الأخير ولايته بسبب خلافات حادة مع رجال السلطة.
من جانب أخير، لنا أن نلاحظ أن أسلوب «السهل الممتنع» هذا، يؤدي إلى عدد من الإشكالات، من بينها: استفادة التيارات «الإسلامية» المتطرفة من هذه الأحداث، إذ إن الذين دفعوا بالحراك الشعبي إلى الواجهة هم من الشباب، وهؤلاء كان تحرّكهم عفوياً وغير مُنظم، أما التيارات الإسلامية فقد أصبحت جزءاً من السلطة، نتيجة المصالحة الوطنية التي أجراها بوتفليقة، وتركه إياهم يتسلمون قيادة إدارة المجتمع المدني.
فإذا أضفنا إلى ذلك أن الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، بناءً على أطروحة بوتفليقة، لن تكون قبل «سنة كاملة» على أقل تقدير؛ لنا أن نلاحظ أن ثمة إمكانا لصعود أحد الرموز من جماعات الإسلام السياسي، حتى لو كان غير معروف حالياً؛ وهو ما يعني احتمال تكرار «السيناريو المصري»، في ما بين 25 كانون الثاني (يناير) 2011، و30 حزيران (يونيو) 2013.
لنا أن نتصور، كذلك، إشكالا آخر، إنه ذلك الذي يتعلق بالمؤسسة العسكرية، من حيث إنه سيلعب، بشكل شبه مؤكد، دوراً قيادياً في عملية الانتقال؛ ومن ثم، تداعيات ذلك على المشهد الجزائري، في المستقبل القريب، على الأقل من منظور تضارب المصالح بين المؤسسة العسكرية وجماعات الإسلام السياسي.
في هذا السياق، تتبدى حقيقة مفترق الطرق الذي تقف في مواجهته الجزائر؛ إنه امتحان تاريخي ينتظرها شعباً ونظاماً.. امتحان تاريخي نتيجة الإشكالات التي يطرحها اختيار النظام السياسي لأسلوب «السهل الممتنع»، في محاولة لتمديد استمرار النظام، نفسه، حتى يتمكن من إعادة ترتيب أوضاعه.
* كاتب مصري.
| |
|