| | التاريخ: آذار ١٦, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | في "إدارة الأسد" معارضون لسيطرة إيران على سوريا! - سركيس نعوم | لا أحد من الجهات المعنيّة يمتلك أجوبة واضحة وحاسمة ونهائيّة عن الأسئلة التي وردت في "الموقف هذا النهار" يوم أمس والمتعلّقة بسوريا وإيران وإسرائيل وأميركا و"حزب الله"... لكن المُتابعين اليوميّين للملف الإقليمي الذي يشمل هذه الدول وأخرى كثيرة غيرها يعتقدون أن القيادة الأعلى في طهران تريد من سوريا وتحديداً رئيسها بشّار الأسد مكاسب متنوّعة، في مقابل المساعدات الضخمة جدّاً التي قدّمتها له من ماليّة وتسليحيّة وقتاليّة مباشرة وعبر حلفائها وسياسيّة وإعلاميّة، والتي جنّبته تنحيّاً كان محتوماً وانهياراً نهائيّاً لنظامه. والمعلومات المتوافرة لديهم تشير إلى أنّ طهران لمست تردّد سوريا في هذا المجال ربّما لاقتناع الأسد بأن مصالح الجمهوريّة الإسلاميّة هي التي أملت على قيادتها العليا اتخاذ قرار إنقاذ نظام دمشق، وأبرزها النجاح في القضاء على الإرهاب الإسلامي البالغ التشدّد وإن بمشاركة المجتمع الدولي كلّه، وأهمّها على الإطلاق وضع أسس ثابتة لنظام إقليمي وضعته هي وأرادت منه السيطرة على قلب الشرق الأوسط العربي أي سوريا ولبنان و"فلسطين" أو قضيّتها والعراق، والتمدّد في اتجاه دول الخليج العربيّة المجاورة لها والمعادية لها في الوقت نفسه. طبعاً أزعج ذلك القيادة الإيرانيّة ولا سيّما بعدما وجدت نفسها غير وحيدة في سوريا كما كانت منذ اندلاع ثورتها وحربها الأهليّة وسيطرة الإرهابيّين على الساحة حتّى عام 2015، حين اضطرّت مُكرهة إلى الاستنجاد بروسيا فلاديمير بوتين تلافياً لانهيار مشروعها جرّاء انهيار نظام الأسد وسقوطه. ولا شكّ في أنّها، وهي المعروفة بالحسابات الدقيقة، لم تكن تجهل التهديد لدورها ولمصالحها في سوريا ومن خلالها في المنطقة جرّاء التدخّل العسكري الروسي. لكن لم يكن لديها خيار آخر، وربّما ظنّت أن روسيا ستبقى شريكاً مُضارباً لها في الساحة السوريّة أي تحصل على نسبة معيّنة من "الأرباح" ولكن من دون أن تكون شريكة في رأس المال، وذلك انطلاقاً من اقتناع بأن ما يجمعها بالأسد الابن أعمق وأكثر متانة من الذي يجمعها ببوتين وبلاده. وما زاد من إزعاج إيران كان تأكّدها بعد مدّة من تدخّل روسيا من وجود خطّة متكاملة عندها لسوريا ولمحيطها تستند إلى استراتيجيا قديمة ولكن مُحدّثة، هي العودة إلى المياه الدافئة واستعادة المواقع التي خسرتها في العالم العربي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبسببه. وما ضاعف هذا الازعاج كان نجاح بوتين في أخذ كل ما أراده من سوريا وقدرته على أخذ المزيد من خلال عدم حسم الخيارات بين موسكو وطهران الذي لمسه عند الأسد. إذ كان يقلقه احتمال أن تتحوّل المساعدات الإيرانيّة المتنوّعة له عبئاً عليه، وأن تغيّر في نظامه، وأن يُصبح لاحقاً مع بلاده في الوضع الذي أصبح عليه لبنان مع سوريا أبيه ثم معه في النصف الثاني من القرن الماضي. طبعاً، يستدرك المُتابعون اليوميّون أنفسهم، حصلت إيران على اتفاقات عدّة مع سوريا خلال زيارة نائب رئيس جمهوريّتها جهانغيري لدمشق قبل مدّة قصيرة. لكن ذلك حصل بعد تردّد كبير من دمشق وإلحاح من طهران التي اكتشفت في السابق رفض بعض النظام تنفيذ اتفاقات سابقة معها. وظهر ذلك جليّاً عندما رفض سوريّون إدخال ممثّليها إلى شركة معنيّة صارت في عهدتها كانت مهمّتهم تفقدّها. ويبدو أن الإيرانيّين يريدون أيضاً أمراً آخر هو استعادة أموال طائلة قدّرت بمليارات الدولارات الأميركيّة كانت بلادهم قدّمتها إلى الأسد منذ بداية حربه حتّى الآن. كما يريدون اتفاقات متنوّعة طويلة المدى تضمن بقاء النفوذ والتأثير الإيرانيّين في سوريا لمدّة طويلة جدّاً. ومن هنا فإن السؤال المشروع الذي يطرح هنا هو: هل خاف الأسد على ضمور نظامه وحلول غير مباشر لنظام إيران مكانه، أم خاف من إسرائيل على نفسه ونظامه وبلاده؟
ماذا يقول عن هذا الموضوع مُتابعون لطهران من قرب؟
يقولون أن إيران وسوريا في محور واحد، وأن قضايا كثيرة تجمعهما. ويعترفون بأن في "الإدارة السوريّة" المتنوّعة مجموعات لا تُرحّب بدور إيراني واسع في سوريا بعد انتهاء حربها رغم شكرها لها على دورها في "النصر". لكنّها لا تُحبّ أن تكون ودولتها تحت سيطرة إيران. إذ هناك أمور كثيرة يختلف فيها وعليها السوريّون والإيرانيّون منها نمط الحياة، ومنها حزب البعث. وقد أزعج هذا الأمر طهران إذ وجدت نفسها مُقصاة أو ستُقصى عن مجالات عدّة مثل إعادة الإعمار والخليوي والفوسفات وغيرها. طبعاً عوّضت بعضاً من ذلك في زيارة جهانغيري دمشق. وبزيارته طهران أكّد الأسد إيمانه بأن سوريا وإيران محور واحد وأن كلّاً منهما هو عمق للآخر، وذلك بخلاف العلاقة مع روسيا. فهي "حليفة" لإيران وسوريا لكن لها علاقات مختلفة ومصالح مختلفة. فالأولى أعادتها إلى سوريا لإنقاذ الأسد وفعلت ذلك. لكنّها في الوقت نفسه على علاقة مع إسرائيل وتتعامل مع تركيا ودول الخليج. ولهذا السبب تختلف علاقتها مع سوريا عن علاقة إيران معها أو بالأحرى لا بُدّ أن تختلف. وقد يكون الأسد أراد في زيارته الأولى لإيران منذ بدء متاعبه الداخليّة الهائلة عام 2011 أن يقول للعرب، الذين قرّروا العودة إلى سوريا رغم تأخيرهم ذلك لاحقاً وربّما صرف النظر عنها، الآتي: تعودون إلى سوريا أهلاً وسهلاً. لا نمانع. وإذا لم تعودوا يكون هذا قراركم وأنتم أحرار في الحالتين. ولا يمكن أن تربطوا عودتكم إلى بلادي بعلاقتها وعلاقتي مع إيران. فهذه علاقة ثابتة واستراتيجيّة ولن تتغيّر. | |
|