| | التاريخ: آذار ١٢, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | 14 آذار 2019: لبنان ساحات للطائفية | محمد نمر
"لبنان كلّه ساحة واحدة للحرية" إنه عنوان مانشيت جريدة "النهار" في 15 آذار 2005، كتبت فيه: "... وما بعد 14 آذار 2005 هو غيره ما قبل هذا التاريخ. فهو يوم تاريخي في حقبة تاريخية. وهو يوم استثنائي وغير مسبوق بكل المعايير والمقاييس الوطنية المحلية والأبعاد الداخلية والخارجية (..) لعله الاستقلال الأثبت والأقوى والأكبر كلفة وعظمة لأن ظروفه وملابساته ومناخاته أبرزت بطلاً واحداً هو الشعب اللبناني". وفي فقرة أخرى: "الواضح أن يوماً كهذا لا يمر إلا نادراً ويصعب أن تتكرر فصوله بسهولة...". فكلمات مانشيت "النهار" استبقت عواطف اللبنانيين بادراكها أن "14 آذار" يصعب تكراره. فرغم مرور 13 عاماً، على الخروج المذل لجيش النظام السوري، لا يزال السؤال يتجدد: أين حلفاء هذا "اليوم المجيد"؟ وهل تتكرر اللحظة، في ظل حديث لا يقنع الجميع، عن انتقال لبنان من الوصاية السورية إلى الإيرانية؟
لم يعد الدكتور فارس سعيد يحمل صفة منسق الأمانة العامة. فلا أمانة ولا أمناء. وبعد وفاة عرّاب الاستقلال الثاني سمير فرنجية، بات سعيد يغرّد وحده، ملتزماً ثوابت "14 آذار". ورغم حزام النار الذي يفصل سعيد عن رفاقه، لا يمكن لأحد أن ينكر أنه استطاع الصمود وعدم الضمور، مشكلاً حالة "لا تستسلم"، فهو يعتبر أن "لا 14 آذار إلا على قاعدة وحدة اللبنانيين، وجوهر نجاحها الوحدة حول شأن مطلبي كان اسمه عام 2005 خروج الجيش السوري، أما اليوم فواقعنا بات مختلفاً، وبدلاً من وحدة اللبنانيين نسمع بوحدة الطوائف والمذاهب وأولويات مصلحية وسياسية. هذه الاولويات كانت موجودة في 14 آذار، لكن موقعها كان في المرتبة الثالثة او ربما العاشرة فيما كانت المرتبة الاولى في 2005 وحدة اللبنانيين حول خروج السوريين".
عاد اللبنانيون إلى مربعاتهم الطائفية وغابت الوحدة ما يعني بالنسبة إلى سعيد: "انهيار السيادة ويصبح مشروع الدولة مستحيلاً، وبالتالي من ذهب إلى المربع الطائفي هو من نسف 14 آذار. لقد ظنوا أن استنساخ تجربة الثنائي الشيعي هي بوابة النجاح، وكنا نحسب أن حزب الله سيشبه اللبنانيين لكن ما حصل في السنوات الأخيرة أن الغالبية باتوا يشبهون حزب الله".
ورغم ذلك، يعتبر سعيد أن "14 آذار الشعبية والقضية لا تزال على موعد على التاريخ ولبنان قادر على اعادة انتاج نفسه من خلال وحدة ابنائه، وعلينا اعادة انتاج تجربة 14 آذار 2005 ليتوحد اللبنانيون حول مطلب لبنان الدولة السيدة ومستقلة على قاعدة الدستور الذي يحترم حقوق المواطن وضمانات الطوائف. خرجت الوصاية السورية وحلت الايرانية والمطلوب اعادة توحيد اللبنانيين لرفع هذه الوصاية التي تجعل من طائفة طائفة مميزة ومن حزب حزب حاكم والاخرين ضواح سياسية".
ماذا عن حال أحزاب "14 آذار"؟
رغم مرور 13 عاماً على الانسحاب السوري، و11 عاماً على خطابه الشهير: "يا طاغية دمشق، يا قردا لم تعرفه الطبيعة..."، لا يزال رئيس حزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط يقاتل على الجبهة نفسها، ولو تبدلت الجيوش، ويقول مفوض الإعلام في الحزب رامي الريس: "بدأت محاولات التضييق بقانون الانتخاب وجاء بصناديق الاقتراع واستمرت المحاولات التي يقودها النظام السوري بالعبث بالبيت الدرزي مرة من خلال افتعال أحداث في الجبل ومرات من خلال اعطاء شخصيات دينية لا صفة دينية او شرعية لها حق اصدار بطاقات لرجال دين وأيضا تغطية أحد ابرز المتورطين في اغتيال الشهيد علاء ابو فرج في الشويفات ولن ننكسر أمام الضغوط".
أما "تيار المستقبل" الذي خاض أيضاً معارك على كل الجبهات، ومنها ما هو مباشر مع النظام السوري، فيضع الصراع المفتوح في إطار "سياسة انتقام"، ويقول النائب السابق مصطفى علوش: "هناك حقد واضح من ما تبقى من النظام السوري وأتباعه، خصوصا بسبب الطريقة المذلة التي خرج بها الأسد عام 2005. الصراع لا يزال قائماً، ونلحظ هجوما منه بهدف ارهاب الطرف الاخر ودفعه إلى الاستسلام وتغيير الوقائع. الاسد يريد الانتقام أما حزب الله فيعمل على كيفية استمراره في ظل وضعه المالي".
"القوات اللبنانية" أيضاً واجهت هجمات لاضعافها، ويقول رئيس جهاز التواصل شارل جبور: "لا أصفها بهجمات إلغائية، ففي الحكومة السابقة دخلنا بمواجهة كبيرة مع الوزير باسيل في موضوع الكهرباء. وفي الانتخابات النيابية تعرضنا لحصار وفي تشكيل الحكومة الجديدة كانت المحاولات ظاهرة للعيان باما ادخال الفوات ضعيفة أو اخراجها كلياً". ورغم ذلك يوضح أن "المعارك اليوم لم تعد وفق الاسلوب الكلاسيكي بل باتت على القطعة وليست بالجملة. وليس هناك من معارك مفتوحة لأن القوى السياسية وبسبب التسوية دخلت بعملية تبريد مشترك"
يرفض جبور يرفض نظرية أن "إيران لديها السطوة في لبنان" ويأخذ مثال فشل وزير خارجية إيران في تحقيق أي مكسب خلال زيارته الأخيرة، يذكّر بأن "14 آذار هي رد فعل على 8 آذار بالشكل الإداري، لأن هناك من افتعل محاولات ابقاء الجيش السوري، وكي نذهب إلى 14 آذار من جديد علينا ان نلحظ ذهاب الفريق الاخر إلى 8 آذار، لكن السؤال هل يستذكر الاخير "8 آذار"؟"، كما يشير إلى أنه "عند طرح أي موضوع سيادي فإن أحزاب 14 آذار يصطفون وحدهم حول الموضوع".
"الثوابت الأساسية التي رسمتها 14 آذار لا تزال قائمة وموضوع متابعة من قوى أساسية وفي طليعتها التقدمي الاشتراكي" وفق ما يقول الريس، لكنه يلفت إلى أن "الصيغة التنظيمية لـ 14 آذار وبفعل تطور الأحداث والتسويات السياسية المتلاحقة وآخرها تفاهم معراب والتسوية الرئاسية أعادت خلط الاوراق السياسية وطبيعة التحالفات بين مختلف مكونات 14 آذار وليس سهلا اعادة بناء هذا التكوين".
فسألنا الريس: بماذا تردون على أنكم أول المنقلبين على 14 آذار في العام 2009؟ يجيب: "جنبلاط كان دائما يغلّب المصلحة الوطنية والاستقرار الداخلي على حساب الاعتبارات الاخرى وخرج من 14 آذار من أجل حماية الاستقرار الداخلي والسلم الأهلي أنذاك".
أما علوش فيقولها صراحة: "قوة 14 آذار لم تكن باحزابها، بل أضعف ما في هذه القوى كانت الاحزاب، والأقوى الناس التي آمنت بهذا الحلم. ولم يعد هناك استطاعة لجمع هؤلاء الناس لأن فكرة 14 آذار أتت في فرصة تاريخية واندفاعة بسبب اغتيال الحريري والقهر على مدى عقود"، معتبراً أن "احزاب 14 آذار قضت على الفكرة من خلال التشرذم ما جعل هناك استحالة باعادة الفكرة وليس هناك من يرغب في إعادتها". | |
|