التاريخ: آذار ٩, ٢٠١٩
الكاتب:
المصدر: جريدة الأهالي الأردنية
حقوق المراة الاردنية 2019 - سليمان صويص
يمرّ اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار هذا العام والأردن يجتاز فترة عصيبة على المستويات كافة : السياسية والإقتصادية والاجتماعية. لا يمكن الحديث عن حقوق المرأة بمعزل عن حقوق الإنسان ككل. أوليست المرأة نصف المجتمع كمياً وأكثر من ذلك نوعياً ؟!

إذا جاز لنا أن نلخّص وضع حقوق الإنسان في بلدنا في الفصل الأول من عام 2019 فهو بعبارة واحدة : تدهور مستوى الحريات العامة إلى مستو متدن جداً. عندما تُحارب حرية التعبير ـ مثلاً ـ بصورة استفزازية فظة لدرجة منع اجتماع يريد بحث «دور الإعلام في الحفاظ على هوية القدس العربية» ـ كما جرى فعلاً العام الماضي؛ أو اعتقال النشطاء السياسيين الذين يدافعون عن حقوق المواطنين، كما يجري منذ أشهر بل سنوات…عندها نسأل المسؤولين عن أية حرية تتحدثون؟ وعندما لا يتمتع المواطن / المواطنة بحريته/ا الحقيقية يصبح من الصعب الحديث عن الحقوق واحترامها ـ سواء للرجل أو للمرأة ـ إلاّ بالمعنى النسبي للكلمة.

والحال إن تدهور أوضاع حقوق الإنسان في البلاد ـ كما تجلّت قبل أشهر قليلة لدى مناقشتها في مجلس حقوق الإنسان التاربع للأمم المتحدة في جنيف ـ ينعكس بشكل مضاعف على المرأة والشباب والطبقات الشعبية بشكل عام. ولا يحسّن من صورة تلك الحقوق تعداد منجزات قانونية أو أخرى شكلية هنا وهناك، لأن الصورة العامة لم يطرأ عليها تغيّر جذري منذ سنوات طويلة. فالمشاركة الاقتصادية للمرأة لا تزال متدنية منذ عقود، وهي ـ وفقاً لإحصاءات حديثة ـ لم تتخطى نسبة 17،7 % ، الأمر الذي يعني بأنه لم تبذل جهود حقيقية فعالة لتحسين هذه النسبة التي تعتبر من بين النسب الأدنى في الدول العربية. أما فجوة الأجور فهي الأخرى لا تزال مرتفعة؛ إذ أن متوسط الأجور للمرأة هو 446 دينار مقابل 499 دينار للرجل. وتزداد خطورة ذلك عندما نعرف بأن نسبة العاملات بأجر تصل الى 95 % مقابل 5 % من النساء يعملن لحسابهن الخاص. وتعاني أوضاع النساء في السجون من مشكلات عديدة تطرقت اليها العديد التقارير، بما في ذلك التقرير الأخير الصادر عن المركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان. أبرز هذه المشكلات ضعف خدمات الرعاية الصحية المتوفرة والتضييق على الزيارات والمكالمات الهاتفية للنزيلات.

أوضاع المرأة الأردنية في المناطق النائية لا تزال بدورها على حالها، ولم يطرأ عليها تطور جوهري يُذكر منذ سنوات طويلة، بالرغم من الضجيج الإعلامي الرسمي عن «ضرورة الإهتمام بتطوير وتنمية المحافظات». وهذا يقودنا الى الحديث عن البطالة والفقر اللذين تعاني منهما المرأة ويكون وقعهما عليها أكبر مما هو على الرجل، لأسباب مجتمعية معروفة.

على الصعيد القانوني؛ لا يزال هناك مواد تمييزية كثيرة ضد المرأة في العديد من القوانين : الأحوال الشخصية، الجنسية، التقاعد المدني، الضمان الاجتماعي، العقوبات والعمل وجوازات السفر ونظام الخدمة المدنية. ولا يتسع المجال لتفصيل هذه المواد التمييزية التي لا تزال تعاني منها قطاعات واسعة من النساء، بالرغم من مطالبة المنظمات النسائية ومنظمات حقوق الإنسان والمركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان منذ عقود بضرورة تعديلها. ويتطلب الأمر أيضاً بذل الجهود من أجل الموائمة بين التشريعات الوطنية والإتفاقيات والإلتزامات الدولية في هذا المجال.

بالإضافة إلى التمييز، تعاني قطاعات واسعة من النساء الأردنيات من العنف الموجّه ضدها؛ إذ تتجاوز حالات الإعتداءات المسجّلة الثلاثة آلاف حالة، ثلثها جنسية (وهو رقم منخفض جداً قياساً بالحالات غير المسجّلة، كما يعتقد كثيرون). ونأمل أن يؤدي تطبيق قانون الحماية من العنف الأسري (2017) والتعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات (2017) إلى الحد من العنف الممارس ضد المرأة والاطفال والفتيات.

إذا ما انتقلنا إلى مشاركة المرأة في الشؤون العامة والمواقع القيادية، فالواقع يقول بأن المرأة لا تزال تشكل «أقلّية» وفقاً لأحدث الإحصاءات: إمرأة واحدة من بين كل خمسة في السلكين الدبلوماسي والقضائي، وإمرأة واحدة من بين ثلاثة في الأحزاب السياسية. وفيما يتعلق بنسبة التمثيل النسائي في البرلمان، فالأردن يأتي في المرتية 12 عربياً والمرتبة 130 عالمياً (اللهم لا حسد !). غنيٌ عن القول بأن هذه النتائج الهزيلة لا تتناسب والتصريحات الرنّانة التي يطلقها المسؤولون بين الحين والآخر والتقارير الإعلامية الرسمية التي تبالغ في سرد الإنجازات على هذا الصعيد.

وبالطبع لا يغيب عن البال القيود المجتمعية المتمثلة بالعديد من العادات والتقاليد والمفاهيم، والحاجة الماسة لتغيير الثقافة السائدة ونمط تعاطي وسائل الإعلام مع قضايا المرأة اللذين يعززان عملياً الوضعية الدونية للمرأة في المجتمع وتحاولان الحد من حريتها وتمتعها بحقوقها، كما اثبتت ذلك دراسات وابحاث عديدة.

بالرغم من الإنجازات التي تحققت على أكثر من صعيد بفضل نضالات المرأة ومنظماتها ونضال القوى الديمقراطية في البلاد، إلاّ ان الحاجة لا تزال قائمة لبذل جهود كبيرة من جانب الدولة والمجتمع ـ نساءً ورجالاً ـ من أجل الوصول إلى المساواة والعدالة وتمتع أبناء وبنات الوطن بالحرية والكرامة الناجزين واللتين لا غنى عنهما أبداً. فالأزمات العميقة التي تطحن المواطنين والوطن بلا رحمة هذه الأيام تؤكد أكثر من أي وقت مضى ، من جهة زيف «الديمقراطية» المزعومة، ومن جهة أخرى بأن طريق الخلاص الوطني والاجتماعي يبدأ بإمتلاك الشعب لقراره بيده.