| | التاريخ: شباط ٩, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | تحليل: سباق بين إردوغان والأكراد للوصول إلى دمشق؟ | جورج عيسى
تحدّث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان منذ أيّام عن إبقاء بلاده تواصلاً "مخفوض المستوى" مع الحكومة السورية، وقت يحتدم الجدل حول ما يعرف بـ"المنطقة الآمنة" في شمال سوريا بعد الانسحاب الاميركي المزمع من هذا البلد.
في مقابلة مع شبكة "تي آر تي" التركية للتلفزيون أوضح إردوغان أنّه قد يكون هنالك غياب في التواصل بين القادة، "لكن يمكن الوحدات الاستخباريّة أن تتواصل لمصلحتها". وأضاف: "حتى لو كان لديك عدو، يجب ألّا تقطع العلاقات. فقد تحتاج إليها".
في هذا الكلام على الأرجح مؤشّر لانعطاف تركي جديد في النظرة إلى نظام الرئيس السوريّ بشار الأسد. وانعطاف كهذا سيعكس محطّة إضافيّة من محطّات التحوّل التركيّ على صعيد السياسة الإقليميّة في سوريا. وقد بدأ هذا التحوّل منذ لاحت أمام الأتراك جدّية التدخل الروسيّ لحماية الأسد ممّا اقتضى خلط أوراق حكوميّة قام به إردوغان حين تخلّى عن رئيس وزرائه السابق أحمد داود أوغلو في إجراء عبّر عن نهاية حقبة وبداية أخرى.
بين البيت الأبيض والكرملين
من حيث الموقف، لم يكن كلام الرئيس التركيّ جديداً. ففي كانون الأوّل الماضي أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أنّ بلاده ستأخذ في الاعتبار العمل مع الرئيس السوري إذا فاز في انتخابات ديموقراطيّة. وفي أيلول 2018، قال المسؤول نفسه أنّ بلاده كانت على تواصل مع "جميع اللاعبين في سوريا" من أجل درء عمليّة عسكريّة في إدلب. بهذا المعنى، أتى كلام إردوغان الأخير بعد فترة من التمهيد الإعلاميّ له في أنقرة. لذلك تبرز دلالته أكثر على مستوى التوقيت. فهو تزامن مع الاستعدادات الأميركيّة للانسحاب من سوريا ومع فشل أنقرة في التوصّل إلى اتّفاق مع واشنطن على إقامة المنطقة الآمنة التي تحدّث عنها الرئيسان منذ فترة.
أدرك إردوغان أنّ مسار التفاوض مع البيت الأبيض سيكون صعباً، ما دام الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب لن يكون وحده ممسكاً بالملفّ السوريّ. ولهذا السبب، فضّل استمرار التواصل مع الكرملين لضمان حصوله على الموافقة لشنّ عمليّة عسكريّة محتملة في شمال سوريا. لكنّ الحوار مع الروس لم يخلُ من صعوبات أيضاً. علم الرئيس التركيّ أنّ مهمّة إقناع نظيره الروسيّ فلاديمير بوتين بالقبول بالمنطقة الآمنة ستكون صعبة خلال قمّة موسكو السابقة، لكن، في المقابل، لم يكن سهلاً توقّع إحياء بوتين الحديث عن اتّفاق أضنة.
قد يكون إردوغان تسرّع في إعلان توصّله إلى اتّفاق مع الأميركيّين على المنطقة الآمنة في كانون الأوّل الماضي، لأنّ ذلك كان يمكن أن يثير شكوكاً في أروقة الكرملين في نوع الاتّفاق الذي توصّل إليه الطرفان ومدى انعكاسه على ملفّات أخرى. وهذه الشكوك ستُترجم على الأرض، برفض دخول تركيا منبج قبل التوصل إلى اتّفاق على نقاط أخرى، كما اعتبرت منذ فترة الكاتبة السياسيّة المتخصّصة في شؤون سوريا والشرق الأوسط إيفا كولوريوتي في حديث إلى "النهار". لهذا السبب ربّما، رأى إردوغان أنّ ثمة ضرورة ليعلن بنفسه في هذه اللحظة، وجود خطوط تواصل مع دمشق.
تلميح وتحرّك ديبلوماسيّ
ربّما لمّح الرئيس التركيّ إلى استعداد لتوسيع أو رفع مستوى الاتّصالات مع الحكومة السوريّة وحتى فتح صفحة جديدة مع الأسد في حال حصوله على الضوء الأخضر الروسيّ لضرب المقاتلين الأكراد على حدوده. وهذا الاستعداد هو تلبية ضمنيّة لرغبة بوتين في إحياء بروتوكول أضنة الذي يحتّم التنسيق بين الدولتين.
ويأتي ذلك وسط حركة ديبلوماسيّة تجريها دمشق في المنطقة، وهي حركة تسير على وقع التحضيرات لمؤتمر أستانا المقبل والذي ستستضيفه العاصمة القازاقيّة.
فيوم الأربعاء، استقبلت إيران وزير الخارجيّة السوريّ وليد المعلم الذي التقى الرئيس الإيراني حسن روحاني ونظيره محمّد جواد ظريف والمستشار السياسي للمرشد الأعلى الإيرانيّ الأعلى علي أكبر ولايتي. وسيتوجّه المعلّم أيضاً إلى موسكو في الثاني عشر من الشهر الجاري للقاء نظيره الروسيّ سيرغي لافروف.
"لعبة"
على الضفة الأخرى، يتزامن هذا الحراك مع أخبار تشير إلى مقترح تقدّم به أحمد الجربا يقضي بتشكيل قوّة مؤلّفة من ثمانية آلاف إلى 12 ألف مقاتل على الحدود قوامها مقاتلون من "قوّات النخبة" التابعة له ومن البشمركة المقرّبين من مسعود البارزاني، بما أنّ الجربا يتمتّع بتأييد من مختلف الأطراف الإقليميّين. لكنّ موقع "ألمونيتور" نقل عن مصادره أنّ مقترح جربا هو مناورة تعبّر عن "لعبة"، ذلك أن ترامب مصمّم على الانسحاب ويراهن إردوغان على الوقت في قضيّة المنطقة الآمنة لدفع واشنطن كي تحضّ "قوّات سوريا الديموقراطيّة" (قسد) على عدم التفاوض مع الأسد و"إذا كانت ثمة حاجة إلى توقيع اتّفاق مع دمشق، فإنّ تركيا تريد الوصول إلى هنالك قبل الأكراد". وأضاف الموقع نفسه أنّ اعتراف إردوغان بوجود اتّصال على مستوى مخفوض مع دمشق "يتماشى مع هذه الاستراتيجيّة".
إنّ إطلاق إردوغان هذه المبادرة قد يكون نابعاً من شعوره بأنّ مؤتمر أستانا المقبل يمكن أن يبتّ فيه الأطراف مصير منطقة شمال شرق سوريا أو وضع أفكار تمهيديّة للحلّ. لكن على رغم ذلك، يبقى هنالك تساؤل عمّا إذا كان الرئيس التركيّ قد استعجل تقديم ما يعتبرُه تنازلاً، خصوصاً إذا أبطأت واشنطن انسحابها من المنطقة مع رفض مجلس الشيوخ الأميركيّ قرار ترامب. وإذا رضخ الأخير للضغوط وأبطأ سحب جنوده، فثمة احتمال أن تلغى مفاعيل التسويات التي قد يجريها الأخير مع طرفي أستانا. فهل هيّأ إردوغان نفسه لهذا السيناريو؟ | |
|