| | التاريخ: شباط ٥, ٢٠١٩ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | الأجهزة السوريّة مع تأخير العودة... والأسد؟ - سركيس نعوم | عدم موافقة سوريا على عودة كل النازحين من مواطنيها إلى لبنان الذين سلّمت سلطاته لوائح بأسمائهم إلى الأجهزة في دمشق ليس ناجماً فقط عن اقتناع بأن بينها من هو متورّط في التمرّد على النظام في رأي مُتابعين جديّين ومن قرب لحركتَيْه السياسيّة والأمنيّة. بل ناجم أيضاً عن اختلاف المواقف في هذا الموضوع بين الأجهزة المذكورة من جهة والرئيس بشّار الأسد من جهة أخرى. طبعاً لا يعني ذلك أن الاختلاف حادّ بل يعني أن الدولة السوريّة تدرس عودة النازحين من كل الزوايا، وذلك لتنفيذه على نحو صحيح تلافياً لأن يؤثّر سلباً لاحقاً على أمن البلاد الذي أضرّ به أبناء لها وأشقّاء. إنطلاقاً من ذلك يقول هؤلاء أن معلوماتهم تُفيد أن الإدارة السوريّة والأجهزة الأمنيّة ليست مُتحمّسة للعودة الفوريّة للنازحين السوريّين، وأن الحرص على التدقيق الواسع في اللوائح التي يُقدّمها لبنان الرسمي وغير الرسمي للراغبين فيها ليس السبب الوحيد لتأخير الموافقة ولحرمان بعض الواردة أسماؤهم فيها منها. فالنازحون السوريّون ليسوا معارضين للنظام ومُنتمين إلى تنظيمات إسلاميّة مُتشدّدة وإرهابيّة، رغم أنّ غالبيّتهم تنتمي إلى الإسلام السُنّي الذي يدين به أكثر من ثُلثي الشعب السوري على ما تقول جهات عدّة معظمها معارض للأسد.
كما أنّهم لم يكونوا كلُّهم مقاتلين اضطرّتهم ظروف المعارك ثم الخسائر المُتتاليّة اللاحقة بهم بل الهزائم إلى الهرب من بلادهم إلى دول مُجاورة لها مثل لبنان وتركيا والأردن. طبعاً لا بُدّ أن يكون بينهم معارضون سياسيّون وعقائديّون وإرهابيّون يرفعون راية الإسلام شعاراً. لكن لا بُدّ أيضاً أن تكون غالبيّتهم نزحت بسبب القتل والدمار والخطف والعنف. لكن المُقلق بل الخطير في رأي الأجهزة هو اشتغال شبكات الإرهاب الموجودة في مخيّماتهم اللبنانيّة وحتّى غير اللبنانيّة على النازحين من أجل تجنيد بعضهم وإرساله إلى سوريا للقتال أو إلى أرض الله الواسعة، وأيضاً من أجل استخدامهم بعد العودة إلى سوريا لتخريب جو الأمان والاستقرار الذي بدأ يحل فيها، ولضرب التسوية السياسية التي يجري العمل عليها أو بالأحرى الجهود المبذولة للتوصّل إليها.
إلى ذلك كلّه، يُضيف المُتابعون أنفسهم، أن في تركيا والأردن ولبنان ملايين النازحين السوريّين. والدولة الأولى معادية لسوريا أو بالأحرى لنظامها في المُطلق، والأردن معادٍ لها أيضاً ولكن بنسبة أقل عملانيّة ربّما. أمّا لبنان ففيه المؤيّدون لها أو له إلى الآخر وفيه المعادون له حتّى العظم. وهؤلاء النازحون عبء كبير على الدول الثلاث اقتصاديّاً واجتماعّاً ومالياّ وأمنيّاً وسياسيّاً. وبقاؤهم فيها أفضل من عودتهم إلى بلادهم أوّلاً لأن قسماً كبيراً منها مُدمّر، وثانياً لأن إعادة الإعمار لا يبدو أفقها قريباً رغم كثرة الكلام عنها، وسيبقى كذلك إلى أن يُتوصّل إلى تسوية سياسيّة ثابتة للأزمة السوريّة، وإلى تفاهم إقليمي – دولي يضع المنطقة على طريق استعادة السلام والاستقرار ويجنّدها كلّها لمكافحة الإرهاب الذي طال الجميع. وثالثاً لأن زيادة العبء على الدول الثلاث المُعادية أو غير الصديقة المذكورة مُفيد إذ أنّه يجعل قادتها مُضطرّين إلى حلحلة مواقفهم وإلى تقبّل حلول وسط ما كانوا يُفكّرون فيها عندما كانو يظنّون أن النصر في متناول أيديهم. هذا فضلاً عن أن عودتهم إلى سوريا الآن سيزيد العبء عليها إذ لا عمل فيها ولا إعمار، كما أنّه سيؤثّر سلباً على الخدمات التي قدّمتها ولا تزال إلى الذين بقوا فيها بل صمدوا فيها. ومن شأن ذلك إثارة قلاقل وإنتاج مناخ عدم استقرار من جديد. فالدولة فيها نجحت ومنذ 2011 في تدبير أمور الذين لم ينزحوا عنها وعددهم يقارب 20 مليوناً أو أقل. والمبالغ المُقدّرة لإعادة إعمار سوريا سواء كانت 300 مليار دولار أميركي أو 400 أو 500 مليار غير مُتوافرة، كما غير مُتوافرة الأموال التي ستحتاج إليها لتقديم الخدمات إلى النازحين منها في حال عادوا إليها سريعاً وفي موجات مُتقاربة. ولا شيء حتّى الآن يضمن توافر الأموال المُشار إليها بشقّيها. ذلك أن روسيا حليفة الأسد ونظامه لا تمتلك هذه الأموال، وهي أعلنت أنّها لن تموّل إعادة الإعمار. وأميركا التي أوضاعها الاقتصاديّة أفضل من أوضاع روسيا ترفض تمويل إعادة إعمار سوريا وفي الوقت نفسه تمويل الدفاع عن حلفائها في المنطقة. وقد عبّر لهم أو بالأحرى للأغنياء منهم رئيسها دونالد ترامب عن ذلك بطريقة مهينة عندما طالبهم علناً بدفع ثمن الحماية والأسلحة والذخائر وكل شيء. وحال الصين ليست أفضل من حيث نيّة تمويل الإعمار السوري. طبعاً يبقى العالم العربي والأغنياء فيه لا يبدون مستعدّين للتمويل المذكور على الأقل حتّى الآن، علماً أن ظروفهم الاقتصاديّة غير مريحة حالياً رغم ثرواتهم النفطيّة والغازيّة واحتياطاتهم الماليّة المودعة في مصارف العالم، والأسباب سياسيّة متنوّعة. ولهذا السبب فإن ما يتردّد في الإعلام وعلى ألسنة قيادات سياسيّة عربيّة متنوّعة بعضها لبناني عن عودة العرب إلى سوريا وعودتها إليهم من خلال استعادة مقعدها الذي نزعته منها جامعة الدول العربيّة ليس دقيقاً، وقد لا يكون في حقيقته عودة فعليّة كما يتمنّاها حلفاء سوريا، وذلك رغم إعادة دولة الإمارات العربيّة المتّحدة سفارتها إلى دمشق والبحرين واتصالات الأردن بالمسؤولين السوريّين لاستئناف حركة الطيران بين الدولتين. إذ أن المقصود بكل ما تداوله الإعلام ولا يزال هو عودة الاتصال بين سوريا الأسد والدول العربيّة التي قاطعته أو عادته أو حاربته.
ما هو موقف الأسد من "العودة"؟ | |
|